يشهد العالم انخفاضا في أعداد الحشرات الفردية، وانهيارا في تنوعها، بشكل ملحوظ، بسبب التعدي على الغابات وتغير المناخ ما يضر بالتنوع البيولوجي ويخل باستقرار النظم البيئية.
توصلت نتائج دورية علمية حديثة حول تراجع الحشرات، صدرت مؤخرا في مجلة Biology Letters، إلى أن أسباب هذا التراجع تعود إلى زيادة التعدي على الغابات لاستخدام أراضيها في الزراعة والبناء، وكذلك تغير المناخ، وانتشار الأنواع الحيوانية الغازية نتيجة للتجارة البشرية غير القانونية في الحياة البرية.
يقول فلوريان مينزل، الأستاذ الجامعي بمعهد التطور العضوي والجزيئي في جامعة يوهانس غوتنبرغ في ماينز (JGU)، وأحد محرري الدورية الثلاثة: “مع تزايد الأدلة على الانهيار العالمي المستمر في أعداد الحشرات خلال السنوات القليلة الماضية، قررنا أن الوقت قد حان لتحرير ونشر هذا العدد الخاص. لم يكن هدفنا توثيق انخفاض أعداد الحشرات فحسب، ولكن فهم أسباب ذلك وعواقبه بشكل أفضل”.
تواصل مينزل ورفاقه مع عدد كبير من الباحثين الدوليين في مجال الحشرات من أجل جمع أحدث ما لديهم من معلومات حول انخفاض أعداد الحشرات عالميًا وتحفيز دراسات جديدة حول هذا الموضوع.
تضمنت الدورية الخاصة 12 مقالا متعلقا بالبحث، وورقتي رأي وافتتاحية موسعة.
اقرأ أيضًا.. كل ما تحتاج معرفته عن التعدي على الغابات وخطورتها على المناخ والغذاء والأنواع
التعدي على الغابات وأسباب أخرى
يضيف مينزل: “في ضوء النتائج المتاحة لنا، توصلنا إلى أن التعدي على الغابات بتكثيف استخدام أراضيها في الزراعة والبناء، والاحترار العالمي، والانتشار المتصاعد للأنواع الغازية، ليست فقط الدوافع الرئيسية للاختفاء العالمي للحشرات، ولكن هناك سبب أخر لا يقل أهمية وخطورة، وهو أن هذه الدوافع الثلاثة تتفاعل مع بعضها البعض”.
على سبيل المثال، النظم الإيكولوجية التي تدهورت بسبب البشر، ومجتمعات الحشرات الموجودة بها، أكثر عرضة لتغير المناخ.
إضافة إلى ذلك، يمكن للأنواع الغازية أن تستقر بشكل أسهل في الموائل التي تضررت من استخدام الإنسان للأراضي وتحل محل الأنواع المحلية المنقرضة.
ومن ثم، في حين أن العديد من أنواع الحشرات تنخفض أو تنقرض، فإن القليل منها، بما في ذلك الأنواع الغازية، تزدهر وتزيد.
يؤدي ذلك الخلل إلى زيادة تجانس المجتمعات الحشرية عبر الموائل.
يقول مينزل: “تعاني أنواع الحشرات المتخصصة أكثر من غيرها، في حين أن الأنواع الأكثر عمومية تميل إلى البقاء على قيد الحياة”.
تملك الحشرات المتخصصة أنظمة جسم خاصة تساعدها على البقاء، كالأسنان المتخصصة التي تستخدمها في استهلاك المواد النباتية “الصعبة”.
ويضيف: “هذا هو السبب في أننا نجد الآن المزيد من الحشرات العامة القادرة على العيش في أي مكان تقريبا بينما تتضاءل تلك الأنواع التي تحتاج إلى موائل محددة”.
يرى مينزل أن عواقب هذا التطور عديدة وضارة بشكل عام بالنظم الإيكولوجية، فعلى سبيل المثال، أدى فقدان تنوع النحل الطنان إلى انخفاض مصاحب في النباتات التي تعتمد على أنواع معينة من النحل الطنان للتلقيح.
ومن الأمثلة المذكورة في العدد الخاص الحالي غزو الأسماك الآكلة للحشرات غير المحلية في البرازيل الذي تسبب في انخفاض كبير في حشرات المياه العذبة.
ويشرح: “بشكل عام، يهدد انخفاض تنوع الحشرات استقرار النظم البيئية. عدد أقل من الأنواع يعني أن هناك عدد حشرات أقل قادرة على تلقيح النباتات والحفاظ على الآفات تحت السيطرة. وبالطبع، هذا يعني أيضا أن هناك كمية أقل من الطعام المتاح للطيور الآكلة للحشرات والحيوانات الأخرى. وبالتالي يمكن أن يتعرض استمرار وجود هذه الطيور للخطر بسبب انخفاض أعداد الحشرات”.
اقرأ أيضًا.. صيد الكؤوس يهدد فرس النهر الشائع في إفريقيا بالانقراض
محاولة للإنقاذ
يقترح مينزل وزملائه، في افتتاحية الدورية، مجموعة من الأساليب التي يمكن من خلالها الاستجابة بشكل أفضل للتأثيرات التي كشفتها البيانات المجموعة والمنشورة في دوريتهم الخاصة، داعين إلى اتباع نهج معين للبحوث المستقبلية المرتبطة بالانخفاض المقلق للحشرات.
يؤكد الباحثون على أهمية استخدام تقنيات موحدة لمراقبة تنوع الحشرات عبر العديد من الموائل والبلدان، خاصة أن الأبحاث لم تتوصل بعد إلى ما تفعله هذه الحشرات في العديد من مناطق العالم.
يقترح الباحثون أيضا إنشاء شبكة من المحميات الطبيعية المترابطة بحيث يمكن للأنواع الانتقال من موطن إلى آخر. وبالتالي فإن الحشرات الأقل تحملا للحرارة ستكون قادرة على الهجرة من المناطق التي يتسبب فيها الاحترار العالمي في ارتفاع درجات الحرارة إلى مناطق ذات ارتفاعات أعلى أو مناطق أكثر برودة في الشمال.
خلص مينزل في النهاية إلى أن العالم بحاجة إلى تدابير للحد من انتشار الأنواع الحيوانية والنباتية الغازية الناجمة عن التجارة والسياحة المعولمة.
ويقول: “هذه مشكلة أخرى أصبحت خطيرة للغاية خلال العقود الماضية”.