ترتبط أزمتي تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي ارتباطًا جوهريًا، ومع ذلك، عادةً ما يُنظر لكل قضية بمفردها وبمعزل عن القضايا الأخرى.
رصدت دراسة مراجعة جديدة عددًا من الحلول والاجراءات المشتركة التي يمكن اتخاذها على وجه السرعة لمعالجة أزمتي تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي معًا، ما يختصر الوقت ويجنبنا مخاطر تفاقم الأزمتين.
تركز الدراسة، التي نُشرت في مجلة Science هذا الشهر، على ربط هذه القضايا ببعضها البعض، وتحديد الحلول المثلى للتخفيف من هذه التحديات والدعوة إلى عمل عالمي ومتعدد التخصصات لمواجهتها، وحماية المجتمع العالمي من آثارها.
قاد الدراسة تعاونًا بحثيًا دوليًا بقيادة معهد ألفريد فيجنر (AWI)، ومشاركة باحثين من هيئة المسح البريطاني لأنتاركتيكا (BAS).
تشكل هذا التعاون الدولي نتاج ورشة عمل علمية، شارك بها باحثين من 35 دولة، للبحث في التحديات والحلول المشتركة لكل من تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، ودعمتها كلًا من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، والهيئة الحكومية الدولية للتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES).
يقول الدكتور ديفيد بارنز، عالم الأحياء البحرية في هيئة المسح البريطاني لأنتاركتيكا ((BAS، والمؤلف المشارك في الدراسة: “يواجه المجتمع البشري أزمتين خطرتين للغاية ومتشابكتين، وهما تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي. وفي العادة، تكون الحلول التي تعالج هذه المشكلات معًا أكثر فعالية واستمرارية من التفكير في الحلول لأي من الكارثتين بمفردها”.
يضيف: “تستكشف ورقتنا البحثية نتائج العديد من الإجراءات المشتركة والمحتملة التي يمكننا اتخاذها على وجه السرعة”.
اقرأ أيضًا.. في يومه بـ COP27.. اعرف ما هو التنوع البيولوجي وأهميته؟ وكيف يتأثر بتغير المناخ؟
تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي
أدى تغير المناخ، الناجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على نطاق واسع، إلى ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من 1.1 درجة مئوية، مما يضخم الخسارة غير المسبوقة للتنوع البيولوجي التي يسببها النشاط البشري.
تصف الدراسة حجم هذه الكوارث مجتمعة، مع ما يقدر بنحو 75 ٪ من الأرضي و 66 ٪ من المحيطات التي تأثرت بالنشاط البشري، مما أدى إلى فقدان 80 ٪ من الكتلة الحيوية للثدييات العالمية وانخفاض بنسبة 50 ٪ في المادة النباتية.
وذلك بالإضافة إلى المزيد من الأنواع المعرضة لخطر الانقراض أكثر من أي وقت مضى، مع تقلص الموائل وتغييرها بشكل كبير، مما يؤدي إلى تغييرات كبيرة في تفاعل الأنواع، تتسبب في النهاية الأمر في موت وانقراض الحيوانات والنباتات، عندما لا تستطيع مواكبة هذه التغييرات.
تؤدي بيئة الاحترار إلى إجبار المزيد من الأنواع على الاقتراب من أقطاب الأرض، أو الاتجاه إلى ارتفاعات أعلى على الأرض أو إلى أسفل في المياه العميقة.
تعد هذه الآثار محسوسة بشكل خاص في المناطق القطبية، حيث تشهد هذه المناطق المتجمدة بعضا من أهم التغيرات في درجات الحرارة التي تسبب ذوبان جليدي واسع النطاق يساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي والمزيد من فقدان الموائل.
يؤدي انخفاض التنوع البيولوجي في هذه المناطق إلى تفاقم تغير المناخ حيث أن هذه الأنواع تساهم بطبيعتها في تقليل كمية الكربون، سواء عن طريق التخزين أو المعالجة بطرق أخرى، واختفائها يفقدنا مغاطس طبيعية لامتصاص الكربون وتخزينه.
اقرأ أيضًا.. انخفاض مقلق في أعداد الحشرات عالميًا بسبب التعدي على الغابات وتغير المناخ
حلول مشتركة
تقترح الدراسة التعاونية سلسلة من الإجراءات الطموحة لمواجهة هذه العواقب الجذرية، المتمثلة في تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، والعمل من أجل مستقبل أكثر استدامة، وتركز في ذلك على أربعة مجالات رئيسية: تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحماية الأراضي والمحيطات واستعادتها بشكل فعال، وتعزيز العمل على مواجهة التحديات عبر المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والإدارة الذكية للأراضي.
ووفق الدراسة، سوف تحقق الحلول القائمة على الطبيعة مثل إدارة الغابات واستعادة الأراضي الرطبة، خاصة أراضي الخث، آثار إيجابية هائلة، فبجانب أنها ستحافظ على الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي الفريد في هذه البيئات، فهي أيضًا ستساعد في التخفيف من تغير المناخ من خلال امتصاص الكربون وتخزينه.
تسلط الدراسة الضوء على أن استعادة 15٪ من الأراضي المتدهورة من شأنه أن يجنبنا 60٪ من الانقراض المتوقع.
علاوة على ذلك، فإن حماية بيئتنا البحرية ستساعد في الحفاظ على المخازن الطبيعية للكربون وتعزيزها.
في المحيط القطبي الجنوبي، أحد أهم بالوعات الكربون في العالم، تلتقي المياه حول حافة القطب الجنوبي بالغلاف الجوي الذي يلتقط الكربون قبل ضخه في عمق المحيط الذي يحبسه بدوره.
يلعب التنوع البيولوجي دورًا كبيرًا في بالوعة الكربون المحيطية هذه، خاصة أسماك الكريل الموجودة في مياه القطب الجنوبي للمحيط، والتي تزيل الكربون من الغلاف الجوي بالإضافة إلى مساهمتها بالحديد والمغذيات الأخرى التي تساعد المحيط الجنوبي على البقاء منتِجًا.
تلعب المناطق القطبية المتغيرة دور آخر في التخفيف من فقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ، حيث تفتح الصفائح الجليدية المتغيرة موائل جديدة تسمح للنظم البيئية بالتوسع في هذه المناطق الساحلية.
يقول ديفيد بارنز: “المناطق القطبية تقع في طليعة التضرر من تغير المناخ وقابليتها للتأثر كبيرة، ما يهدد بعواقب عالمية خطيرة”.
ويضيف: “كانت الحماية الهادفة للبيئات البحرية على رأس جدول الأعمال العالمي حتى وقت قريب. ومع ذلك، فهذه واحدة من الأجزاء القليلة من العالم التي تساعد فيها الزيادات الطبيعية في التخفيف من تغير المناخ، كما هو الحال في المضايق التي تنفتح بسبب تراجع الأنهار الجليدية. نحن بحاجة ماسة إلى ضمان حماية هذه الموائل بشكل صحيح من التهديدات”.
مكنت التجارب العلمية الأخيرة الباحثين من استكشاف هذه الموائل الجديدة، وأخذ عينات من اثنين من الأنهار الجليدية الكبيرة على طرف شبه جزيرة أنتاركتيكا.
باستخدام كاميرا عالية الدقة تم إنزالها إلى قاع البحر، اكتشف الفريق مجموعة من الأنواع المختلفة على طول المضيق البحري المدمج، مما يسلط الضوء على أهميتها كأحواض كربون جديدة.
اقرأ أيضًا.. تعرف على أكثر 10 دول بالعالم تضررًا من تغير المناخ .. بينهم دولتان عربيتان
التعاون بين المؤسسات مهم
تسلط الدراسة أيضًا الضوء على الحاجة إلى تعاون قوي بين المؤسسات لضمان حلول عادلة ومستدامة، حيث تشير النتائج إلى أن النجاح في الحفاظ على الاحترار العالمي دون هدف 1.5 درجة مئوية سيتطلب اتخاذ إجراءات بعيدة المدى عبر السياسة والمجتمع مع الحاجة إلى خفض عاجل للانبعاثات.
يقول البروفيسور هانز أوتو بورتنر، عالم الأحياء البحرية في معهد ألفريد فيجنر (AWI)، والمؤلف الرئيسي للدراسة: “في المستقبل، لن تنجح جميع هذه التدابير المعتمدة إلا بالاستمرار في حماية المناخ والحفاظ على التنوع البيولوجي والمزايا الاجتماعية للمجتمعات المحلية في نفس الوقت”.
يضيف: “من غير المرجح أن نصل إلى الأهداف العالمية الجديدة للتنوع البيولوجي والمناخ والاستدامة المخطط لها لعامي 2030 و 2050 إذا فشلت المؤسسات الفردية في التعاون بشكل مكثف”.