كشفت دراسة حديثة أنه يمكن للتطور السريع للجفاف غير المتوقع، المسمى بالجفاف المفاجئ أو السريع، أن يؤثر بشدة على النظم الزراعية والبيئية مع آثار مضاعفة تمتد إلى أبعد من ذلك.
أصدر باحثون في جامعة أوكلاهوما تقييماتهم حول كيفية تأثير مناخنا الدافئ على تواتر موجات الجفاف السريعة والمخاطر التي تتعرض لها الأراضي الزراعية على مستوى العالم.
تُعتبر حالات الجفاف بشكل عام من المخاطر المناخية طويلة الأمد، حيث يؤدي النقص المستمر في هطول الأمطار إلى تجفيف التربة والغطاء النباتي، ويليه انخفاض منسوب المياه في الأنهار والبحيرات.
قد يتفاقم الجفاف ويستمر لسنوات في مناطق واسعة، ويترك عواقبه السلبية على الناس والطبيعة.
في الآونة الأخيرة، تسبب انخفاض هطول الأمطار في القرن الأفريقي لمدة 6 مواسم متتالية في تهديد الزراعة، وانعدام الأمن الغذائي والهجرة الجماعية.
اقرأ أيضًا.. تغير المناخ يضاعف موجات الجفاف في أوروبا وشمال الكرة الأرضية 20 مرة على الأقل
ما هو الجفاف المفاجئ أو السريع؟
يعتبر الجفاف المفاجئ أو السريع بمثابة تطور سريع للجفاف في غضون أسابيع فقط، وهي تشبه الفيضانات المفاجئة، حيث تظهر فجأة دون سابق إنذار، وتكون التأثيرات شديدة بسبب ضيق الوقت للاستعداد لمثل هذا الجفاف أو التعامل معه قبل فوات الأوان.
ينتج الجفاف المفاجئ أو السريع عن انخفاض هطول الأمطار بشكل غير طبيعي، رغم أنه يرتبط أيضاً بالتبخُّر المفرط الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة.
ويؤدي الجفاف المفاجئ إلى تلاشي رطوبة التربة، مما يؤثر بسرعة على القطاعات التي تعتمد عليها، مثل الزراعة والنظم البيئية.
توقعت دراسات عدة أن تصبح حالات الجفاف المفاجئ أكثر تهديداً وشيوعاً مع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، لكن الدراسة الأخيرة تكشف، بجانب أن موجات الجفاف السريع العالمية ستزداد في ظل مناخ الاحترار، التأثير المحتمل على النظم الزراعية والبيئية.
يقول جوردان كريستيان، باحث ما بعد الدكتوراه، وهو المؤلف الرئيسي للدراسة: “التوقعات العالمية للجفاف السريع تظهر مخاطر متزايدة في ظل مناخ الاحترار”.
أضاف كريستيان: “في هذه الدراسة، تم قياس التغيرات المتوقعة في وتيرة الجفاف المفاجئ ومخاطر الأراضي الزراعية من الجفاف السريع باستخدام نماذج محاكاة المناخ العالمي، ووجدنا أن حدوث الجفاف السريع من المتوقع أن يزداد عالميًا مع جميع السيناريوهات المرتبطة بالاحترار، كما أن الزيادات في موجات الجفاف السريع ستكون أكثر حدة مع السيناريوهات ذات التأثير الإشعاعي العالي واستخدام الوقود الأحفوري بشكل أكبر.”.
يصف التأثير الإشعاعي عدم توازن الإشعاع الشمسي، حيث يدخل المزيد من الإشعاع إلى الغلاف الجوي للأرض، بينما يخرج منه أقل مما دخل، بفعل الاحتباس الحراري.
تعد أنشطة مثل حرق الوقود الأحفوري من بين أهم العوامل المساهمة في ارتفاع درجة حرارة الأرض.
من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة الظواهر الجوية القاسية من العواصف والفيضانات المفاجئة والجفاف المفاجئ وغير ذلك.
اقرأ أيضًا.. الجفاف يضرب الولايات المتحدة وأوروبا والصين ويلقي بثقله على سلاسل التوريد العالمية
المناطق الأكثر تأثرًا
قال كريستيان: “من المتوقع أن تزداد مخاطر الجفاف السريع على أراضي المحاصيل الزراعية على مستوى العالم، مع توقع أكبر الزيادات في جميع أنحاء أمريكا الشمالية وأوروبا”.
وكانت الولايات المتحدة قد شهدت في صيف 2012 جفافاً مفاجئاً أدّى إلى تدهور الحقول والمراعي في معظم أنحاء البلاد خلال شهر واحد، وتسبب في خسائر تزيد على 30 مليار دولار، لا سيما في قطاع الزراعة.
وأضاف: “توقعت نماذج CMIP6 زيادة 1.5 مرة في المخاطر السنوية لنوبات الجفاف المفاجئ على أراضي المحاصيل في جميع أنحاء أمريكا الشمالية بحلول عام 2100، من خط الأساس لعام 2015 للمخاطر السنوية بنسبة 32٪ إلى 49٪ في عام 2100، بينما من المتوقع أن تشهد أوروبا أكبر زيادة في سيناريو الانبعاثات الأكثر تطرفاً (32٪ إلى 53٪)، مع زيادة 1.7 مرة في المخاطر السنوية”.
تتباين آثار الجفاف المفاجئ باختلاف خصائص كل منطقة، إذ إن بعض أنواع التربة تجف أسرع من غيرها.
يختلف تأثير الجفاف باختلاف الفترات التي يحلّ بها وتداخلها مع مراحل نمو المحاصيل.
كان الباحثون يدرسون طرقًا لتحسين التعرف على الجفاف والتنبؤ به منذ عام 2017، مع العديد من الأوراق المنشورة في مجلات علمية مرموقة، حتى نشروا نتائج دراستهم الأخيرة في مجلة Nature Communications Earth and Environment.
تستمر هذه الدراسة في التأكيد على أن المنتجين الزراعيين، في الداخل والخارج، سيواجهون مخاطر متزايدة مرتبطة بتوافر المياه بسبب التطور السريع للجفاف.
ونتيجة لذلك، فإن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بإنتاج الغذاء، بما في ذلك ارتفاع الأسعار والاضطرابات الاجتماعية، ستزداد أيضًا عندما تحدث خسائر في المحاصيل بسبب الجفاف السريع.
جدير بالذكر أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن أكثر مناطق العالم تعرّضاً للإجهاد المائي، وتضم 6.3 في المائة من سكان العالم، في حين تحظى بنحو 1.4 في المائة من المياه العذبة المتجددة في العالم.
وشهدت المنطقة في العقود الأخيرة أكثر الفترات جفافاً في الألفية الماضية، وكان تغير المناخ الناتج عن النشاط البشري مسؤولا عن حدة معظمها.