منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

اعتراف متزايد بالهجرة كأحد أساليب التكيف مع تغير المناخ.. لكن متى تنجح؟

طرحت دراسة جديدة أجراها فريق دولي من أفريقيا وآسيا وأوروبا ثلاثة معايير لتقييم نجاح الهجرة كأحد وسائل التكيف مع تغير المناخ: الرفاه والإنصاف والاستدامة.

يعرف التكيف مع تغير المناخ بأنه اتخاذ اجراءات للحد من تعرض المرء لآثار تغير المناخ، وتغيير في السياسات والسلوكيات بهدف المرونة مع هذه الآثار سواء التي حدثت بالفعل أو متوقع حدوثها مستقبلًا.

من ضمن هذه الاجراءات الخاصة بالتكيف، تطوير أنظمة إنذار مبكر للتنبؤ بالمخاطر المناخية، وزراعة محاصيل مقاومة للحرارة الشديدة، وبناء السدود والحواجز في المناطق الساحلية لمواجهة ارتفاع مستوى سطح البحر.

تعتبر الهجرة والنزوح بسبب آثار تغير المناخ، واحدة من الاجراءات المعترف بها على نطاق واسع للتكيف مع المناخ.

تظهر الدراسة أنه في حين اعتراف العالم الآن بالهجرة كوسيلة فعالة للتعامل مع مخاطر المناخ، أو شكل من أشكال التكيف، إلا أنه لا يمكن اعتبارها حلًا سحريًا للمتضررين.

فعلى سبيل المثال، يعتقد أن التحويلات المالية، التي تشمل تدفقات الأموال والأفكار والمهارات والسلع بين المهاجرين وأماكنهم الأصلية، عامل أساسي لتسهيل التكيف مع تغير المناخ.

تحمل الدراسة التي نشرت في مجلة One Earth عنوان: “تقييم الهجرة كتكيف ناجح مع تغير المناخ: مقايضات في الرفاه والإنصاف والاستدامة”، وهي نتاج تعاون بين باحثين من جامعات إكستر، وفيينا، وغانا، وكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، والمركز الدولي للتنمية المتكاملة للجبال.

 

الهجرة والتكيف مع تغير المناخ

بالاعتماد على الأدلة من كل قارة على مدى العقود الماضية، تظهر الدراسة أن التحويلات المالية تساعد على تحسين الرفاه المادي للأسر التي يتركها المهاجرين خلفهم، في الأماكن المتأثرة بتغير المناخ، لكنها غالبا ما تكون على حساب رفاه المهاجرين أنفسهم.

فعلى سبيل المثال، لا تضع السياسة في بنغلاديش المهاجرين في حسبانها أثناء التخطيط واتخاذ القرارات، ويظلون مستبعدين من الهياكل والخدمات الحضرية.

هذا له تداعيات على جميع جوانب حياة المهاجرين اليومية في الوجهات الحضرية مثل الظروف المعيشية وأمن الدخل، وفي نهاية المطاف قدرتهم على الاستمرار في إعالة أسرهم في الوطن المتروك.

قالت الدكتورة لوسي زابوفا من جامعة إكستر، المؤلفة الرئيسية للدراسة: “إن فكرة الهجرة كتكيف تضع مسؤولية التنبؤ بالمخاطر المستقبلية والاستجابة لها على الأفراد، ويمكن أن تبرر التقاعس عن العمل السياسي”.

وأضافت: “هذا أمر إشكالي، لأنه عندما لا تقابل الهجرة بدعم سياسي مناسب، فإنها يمكن أن تعزز الضعف والتهميش وتعرض نجاح التكيف للخطر في نهاية المطاف”.

وجدت الدراسة أن الهجرة غالبا ما تؤدي إلى توترات داخل وبين المعايير الثلاثة: الرفاه والإنصاف والاستدامة.

هذه التوترات يمكن أن تخلق رابحين وخاسرين، فتجارب الهجرة كتكيف ليست متساوية عند جميع المهاجرين.

يمكن أن يكون للهجرة نتائج مختلفة على الأشخاص وفق ظروفهم، وذلك اعتمادا على السياق وعلى الخصائص الاجتماعية للناس مثل العمر والجنس والعرق.

قد يستفيد البعض بينما يخسر الآخرون.

فعلى سبيل المثال، قد تكون الأسرة، على المستوى المعيشي، أفضل حالا من الناحية المالية بفضل التحويلات المالية من المهاجرين، ولكن أفراد الأسرة المعيشية من الإناث اللاتي يزداد عبء عملهن مع هجرة الرجال، قد يكافحن من أجل الحفاظ على المزرعة ويتعين عليهن اتخاذ خيارات صعبة يمكن أن تقوض في نهاية المطاف نجاح الهجرة كتكيف.

اقرأ أيضًا.. التكيف مع تغير المناخ.. هذه أبرز الطرق لمواجهة الاحترار بالمرونة والاستعداد المسبق

الانصاف والرفاه والاستدامة

قال الدكتور موموني أبو، من المعهد الإقليمي للدراسات السكانية في جامعة غانا: “في غياب الإنصاف، يمكن للهجرة أن تؤدي إلى تفاقم التعرض لتغير المناخ بدلا من الحد منه”.

وأضاف: ” في أماكن المنشأ الريفية مثلا، غالبا ما تؤدي القيود المفروضة على المساواة بين الجنسين بين الرجل والمرأة على مستوى الأسرة والمجتمع المحلي إلى استخدام الموارد الطبيعية وإدارتها على نحو غير مستدام”.

 

قالت الدكتورة أمينة ماهارجان، من المركز الدولي للتنمية المتكاملة للجبال: “غالبا ما يتم الإشادة بالتحويلات المالية لقدرتها على دعم التنمية والتكيف، لكن التجارب تشير إلى الحاجة إلى النظر في دورها على طول آفاق زمنية أطول”.

وأضافت: “الواقع أن آثار الهجرة على نجاح التكيف كثيرا ما تتكشف على مدى فترات زمنية ممتدة، بما في ذلك عبر الأجيال المختلفة”.

يقترح الباحثون أن تقييمات نجاح الهجرة كتكيف ينبغي بالتالي أن تأخذ في الاعتبار النتائج بالنسبة للمهاجرين وأسرهم المعيشية وأفراد أسرهم في أماكن المنشأ، وبالنسبة للمجتمع المضيف أيضًا.

يجب أن يدركوا أيضا أن بعض الآثار قد لا تكون واضحة على الفور ولكنها قد تتكشف على مدى أطر زمنية أطول.

لمعالجة التوترات التي يمكن أن تقف في طريق النجاح، ينبغي أن تكون الهجرة، كخيار تكيف معقول، مرئية في السياسات والتخطيط.

بالاعتماد على البحوث المكثفة مع المهاجرين وأصحاب المصلحة في السياسات والتخطيط في وجهات الهجرة الحضرية، سلط البروفيسور نيل أدجر من جامعة إكستر الضوء على الحلول المحتملة لخلق بيئة سياسية مواتية.

قال: “يتعرض المهاجرون في المدن بشكل غير متناسب للمخاطر الاجتماعية والبيئية التي تؤثر سلبا على صحتهم ورفاههم”.

وأضاف: “على الرغم من ذلك، فإنهم يظلون مهمشين إلى حد كبير ولا صوت لهم في الدوائر السياسية”.

وتابع: “يمكن للتخطيط الحضري التشاركي والنهج التداولية أن تدعم إدراج وجهات نظر متنوعة حول بناء مدن آمنة ومستدامة ومرنة ويمكن أن تدعم الهجرة كتكيف ناجح.”.

 

 

 

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.