كشفت دراسة حديثة عن أن التأثيرات المناخية مثل فصول الصيف الجافة والحارة تزيد من موت الأشجار وتقلل من نموها في الغابة السوداء لأنها تؤثر سلبًا على ما يسمى بتوازن الماء المناخي، أي الفرق بين هطول الأمطار والتبخر المحتمل.
ركزت الدراسة طويلة الأمد، والتي نشرت نتائجها في المجلة العلمية Global Change Biology، حول تأثير المناخ وتغيراته على الأشجار في الغابة السوداء.
الغابة السوداء
الغابة السوداء هي منطقة غابات جبلية في جنوب غرب ألمانيا، تقع في ولاية بادن فورتمبيرغ.
سميت بالسوداء نظراً لغاباتها المهيبة المتشحة بالسواد وخاصة في الليل بسبب كثافة أشجارها الصنوبرية المخضرة طوال السنة.
تمتد الغابة على شكل مستطيل تقريباً، يبلغ امتدادها نحو 200 كم طولاً ونحو 60 كم عرضاً، أي أن مساحتها تقارب 12 ألف كم مربع.
يبلغ ارتفاع أعلى قمة جبلية بالغابة السوداء حوالي 1493 مترا وتعرف بقمة فيلدبيرج.
تشتهر المنطقة بينابيعها المعدنية ويقع كثير من المنتجعات الصحية (بما فيها مدينة بادن بادن الشهيرة) بجوار هذه الينابيع.
حيث ينبع من هذه المنطقة نهرا بريج وبريجش اللذان يشكلان باتحادهما نهر الدانوب.
تتميز هذه المنطقة بوجود بحيرات وشلالات وجداول مائية ومراعي خضراء واسعة.
تنتج الغابة أخشاباً كثيرة وتغرس أشجارا جديدة مكان تلك التي يتم قطعها، وتقع محاجر الجرانيت في الجزء الجنوبي من الغابة السوداء.
موت الأشجار
استخدم الباحثون سلسلة زمنية ثابتة مدتها 68 عامًا (1953 إلى 2020) كأساس لأبحاثهم، بهدف تغطية معدل الوفيات السنوية لجميع الأشجار في مساحة تبلغ حوالي 250 ألف هكتار من الغابات العامة في الغابة السوداء.
حلل الباحثون هذه البيانات بالمقارنة مع سلسلة بيانات أخرى حول توازن المياه المناخية للأشهر من مايو إلى سبتمبر.
توصلت الدراسة أيضًا إلى أن معدل وفيات الأشجار بلغ ذروته في عام 2019.
يقول البروفيسور هانز بيتر كال، أستاذ في نمو الغابات وعلم البيئة الشجرية في جامعة فرايبورغ، والباحث الرئيس للدراسة: “إن سلسلتنا الزمنية حول نمو الأشجار ووفياتها في الغابة السوداء فريدة من نوعها، وتسمح بإجراء تحليل كمي لتأثيرات الحرارة والجفاف”.
فحص الباحثون الأشجار التي ماتت نتيجة الإصابة الحشرية أو الفطرية، أو الترسبات الجوية، أو الصقيع أو الجفاف، وأسباب أخرى.
تُظهر السلسلة الزمنية للتوازن المائي المناخي، والتي تغطي 140 عامًا (1881-2020)، اتجاهًا هبوطيًا مستمرًا.
يقول الدكتور هاينريش سبايكر، أستاذ في نمو الغابات وعلم البيئة الشجرية في جامعة فرايبورغ: “ينعكس أيضًا في هذا التحليل معدل موت الأشجار في نهاية القرن الماضي المعروف باسم “موت الغابات الأول”.
ويضيف: “في الغابة السوداء، يمكن تفسير مدى انتشارها فقط من خلال الظروف الجوية وما يرتبط بها من غزو خنفساء اللحاء”.
ويتابع: “لكن في ذلك الوقت، تلاشى ما لا يزيد عن اثني عشر في المائة من النمو السنوي المستدام، إلا أن معدل الوفيات بعد فصول الصيف شديدة الجفاف في السنوات الأخيرة ارتفع إلى 40 في المائة من النمو السنوي المستدام”.
يصف النمو المستدام مجموع متوسط النمو السنوي للأخشاب والذي يستخدم كأساس لحساب محصول الأخشاب السنوي المسموح به والمستدام.
في عام 2019، وصلت الوفيات إلى ذروتها بأكثر من سبعة أضعاف متوسط معدل الوفيات في الفترة من 1953 إلى 2017.
ويوضح كال: “الأمر اللافت للنظر أيضًا هو وجود انتظام معين في حدوث فترات باردة ورطبة ودافئة جافة تكرر نفسها في الماضية حوالي كل أربعة عشر عامًا. لكننا لاحظنا أن الفترات الباردة الرطبة أصبحت أضعف بينما أصبحت فترات الجفاف الدافئ أكثر شدة”.