منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

هدف 1.5 درجة مئوية أو غرق 21 مدينة بدلتا مصر “تحقيق مدفوع بالبيانات”

منذ أن تفتحت عيناه على الحياة، يسكن صابر عبد الكافي، مزارع ستيني، مدينة برج البرلس، ولم يغادرها إلا نادرًا.

تقع برج البرلس، بمحافظة كفر الشيخ بإقليم الدلتا، أقصى شمال مصر، وتطل على البحر المتوسط، لذا يعيش معظم أهلها على الزراعة والصيد.

ورث صابر عن أبيه فدانًا من أراضي دلتا النيل  الحقلية الخصبة، ودأب على زراعة أرضه بالخضراوات، وعاش بجوارها مع زوجته وأبنائه الثلاثة، يضربها بفأسه مع سطوع شمس كل يوم، ويحصد خيرها نهاية كل موسم.

في إحدى ليالي شتاء 2011، فوجئ صابر أن أرضه “طبلت”- على حد تعبيره، أي تملحت بفعل تسرب مياه البحر إلى التربة، يتذكر قائلًا: “كانت صدمة، كلما حفرنا نجد مياهً مالحةً، الأرض “طبلت”، هذا يعني أنها أصبحت بلا قيمة، فماذا سنترك للأبناء والأحفاد”.

لجأ الرجل إلى طريقة اعتاد مزارعو إقليم الدلتا استخدامها لمعالجة الأراضي المتملحة، تكيفًا مع الوضع الذي لا دخل لهم به؛ حيث حفر عبد الكافي نصف أرضه، وردم بها النصف الآخر لإنقاذه من التملح، فعاد صالحًا للزراعة مرة أخرى، بينما حوّل الجزء المحفور إلى مزرعة سمكية.

يضيف: “أنقذنا ما يمكن إنقاذه، وعوائد المحاصيل والمزرعة السمكية جيدة، قللنا الخسارة نوعًا ما”.

لم يعلم صابر، وغيره من مزارعي الدلتا، أن تغير المناخ لعب دورًا رئيسًا فيما أصاب أراضيهم وهدد سبل عيشهم، كما أنه قد يجبر أحفادهم مستقبلًا على النزوح من مدينتهم الساحلية، تاركين خلفهم أرض الأجداد تغمرها المياه.

يكشف هذا التحقيق المدفوع بالبيانات، كيف يمكن أن يؤدي التباطؤ في تحقيق الأهداف المناخية العالمية، إلى تفاقم الاحترار العالمي، وارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 1 متر بحلول نهاية القرن، مما يهدد 21 مدينة مصرية في إقليم الدلتا بالغرق، ويؤثر في استقرار سبل عيش أكثر من 5 ملايين مصري يسكنون ثلاثًا من أهم محافظات مصر الزراعية.

ارتفاع مستوى سطح البحر

تؤدي أزمة تغير المناخ إلى العديد من المخاطر، من موجات الحر الشديدة والجفاف، إلى الفيضانات والظواهر الجوية المتطرفة، لكن أحد أخطر عواقبها على الإطلاق هو ارتفاع منسوب مياه البحار.

وفق (ناسا)، يقف خلف ارتفاع مستوى سطح البحر،  أسباب عدة: التمدد الحراري للمحيطات، وذوبان الأنهار والصفائح الجليدية، وكلها ناجمة عن الاحتباس الحراري وارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض، مع إسهامات طفيفة من التغييرات في تخزين المياه الأرضية.

ارتفعت درجة حرارة الأرض، خلال القرن الماضي، بمقدار 1.1 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الصناعة، بسبب النشاط البشري وحرق الوقود الأحفوري.

وبالتوازي، ارتفع متوسط مستوى سطح البحر على مستوى العالم منذ بداية القرن العشرين وحتى 2018، بمقدار 20 سم، ويستمر في التسارع، مع العلم أن نصف هذا الارتفاع حدث خلال العقود الثلاثة الماضية، وفق التقرير الثاني من التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC.

 يُلزم اتفاق باريس المبرم في 2015، الأطراف المصدقة عليه بالعمل على بقاء متوسط الزيادة في درجة حرارة الكوكب تحت درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، واستهداف قصر الزيادة على 1.5 درجة مئوية فقط.

وفقًا لـ”التقييم السادس” الصادر عن IPCC، في أغسطس 2021،  كل عُشر درجة نتجاوزها فوق 1.5 درجة مئوية، تجعل الأضرار المناخية أكبر بكثير، ويصعب احتواء الأزمة، أو التكيف مع آثارها.

ونضرب مثالًا، في ظل 1.5 درجة مئوية، ستبقى الأنهار الجليدية في القطب الشمالي خلال الصيف، لكن في ظل 2.0 درجة مئوية، تزداد احتمالية ذوبان الأنهار الجليدية بعشرة أضعاف.

 نمذجت IPCC، في تقييمها السادس الصادر العام الماضي، خمسة سيناريوهات مختلفة لكيفية ارتفاع مستويات سطح البحر بحلول عام 2100، بناءً على مدى نجاح البشرية في التخفيف من أزمة المناخ والتخلص من الوقود الأحفوري.

في أكثر السيناريوهات تفاؤلًا، في حال التزم العالم بهدف 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، سيرتفع مستوى سطح البحر بمقدار 28-55 سم بحلول 2100.

وفي أكثرها تشاؤمًا، سيرتفع سطح البحر بمقدار 101 سم أو أكثر بحلول نهاية القرن.

 

رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، جيم سكيا، قال لنا: “إذا استمرت سياسات المناخ المعمول بها حاليًا، فيمكننا أن نشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة بنحو 3.2 درجة بحلول نهاية القرن، وهو ما أكده التقرير التجميعي الأخير للهيئة”.

في ضوء ما توصل إليه التقرير التجميعي الأخير لـ IPCC، بجانب سيناريوهات ارتفاع مستوى البحر الصادرة عن الجهة نفسها، فعلى العالم أن يستعد للسيناريو الرابع أو الخامس، أي ارتفاع كبير في مستوى سطح البحر، من 90 إلى 102 سم بحلول 2100، عن منسوب المياه في 2018.

أضاف سكيا: “سيؤدي ذلك إلى العديد من المخاطر، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي سيؤثر في المناطق الساحلية المنخفضة، ويهدد حتى وجود بعض البلدان والمجتمعات”.

غرق 21 مدينة بدلتا مصر

لنحدد نطاق تأثير ارتفاع متوسط سطح البحر بمقدار متر واحد بحلول 2100 على إقليم الدلتا بمصر، استخدمنا أداة flood  المدعومة بخرائط (جوجل إيرث)، وبيانات وكالة (ناسا) الأمريكية، وهي منصة مفتوحة المصدر تحدد المساحات المعرضة للغرق مع ارتفاع مستوى سطح البحر.

كشفت الخرائط عن أن 17 مركزًا تضم 21 مدينة في محافظات دمياط، وكفر الشيخ، والدقهلية، مهددة بالغمر بحلول 2100.

استعنا بأحد الباحثين المتخصصين من كلية التخطيط الإقليمي والعمراني، – جامعة القاهرة، للتأكد من صحة النتائج التي حصلنا عليها عبر أداة flood، قارنا خرائطنا الاصطناعية التي تتوقع تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد على مدن إقليم الدلتا الساحلية، بخرائط يدوية صممها الباحث باستخدام آلية “التنسيب”، ورصدنا تطابقًا بنسبة 95%؛ حيث شملت خرائطنا مدينة واحدة إضافية، هي مدينة “فوه” بمحافظة كفر الشيخ.

بتحليل بيانات المساحة للمدن المهددة بالغرق، توصلنا إلى أن محافظة دمياط بالكامل، وثلثي مساحة كفر الشيخ، وثلث مساحة الدقهلية، مهددة بالغمر، وفق سيناريو المتر/2100؛ حيث تُعادل المساحة المهددة مجمعة، أكثر من نصف مساحة المحافظات الثلاثة، وثلث مساحة إقليم الدلتا تقريبًا.

تتوافق هذه النتائج أيضًا مع ما ذكره تقرير التقييم الرابع  لـ IPCC، عندما وضع منطقة دلتا النيل بمصر ضمن ثلاث نقاط ساخنة في العالم، معرضة للخطر الشديد بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر.

إقليم الدلتا، وفق استراتيجية التنمية لمحافظات الجمهورية، هو الإقليم الرابع من أقاليم مصر السبعة، بمساحة تمثل نحو 1.22 % من جملة مساحة الجمهورية، وإجمالي عدد سكان يزيد على 22 مليون نسمة.

المصدر: بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

تقع ربع مساحة الدلتا عند مستوى سطح البحر أو دونه، بينما تتراوح معدلات هبوط أراضي الدلتا بين 4.0 ملم في الغرب، وحتى 3.4 في الشرق، سنوًيا، وفق IPCC. 

وتظهر في الجزء الشمالي من أراضي الإقليم، التي تعد زراعية بوجه عام، المستنقعات والبحيرات والكثبان الرملية، وتتعرض السواحل الشمالية في الدلتا للنحر أو الترسيب أو تآكل الشواطئ.

يقول رئيس الهيئة العامة لحماية الشواطئ المصرية السابق أحمد عبد القادر: “منطقة دلتا نهر النيل تعد من أكثر دلتاوات العالم تعرضًا لتأثيرات تغير المناخ، وذلك لانخفاض منسوبها بالنسبة لمنسوب البحر ما يعرضها لخطر الفيضان، وتأثير الظاهرة مؤكد وواضح من خلال الخرائط والاستشعار عن بُعد”.

يضيف: ” تقدمت مياه البحر بالفعل أكثر من ثلاثة كيلومترات في سواحل الدلتا، منذ الستينيات، وابتلعت في الثمانينيات (فنار رشيد)، العائد إلى القرن التاسع عشر جراء ظاهرة نحر الشاطئ”.

يتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر في عدد من التأثيرات في إقليم الدلتا-وفق ما قاله لنا د. عباس الزعفراني، عميد كلية التخطيط العمراني والإقليمي السابق – وتتمثل في الغمر المباشر بالمياه على الأراضي الزراعية والمناطق العمرانية، وتسرب المياه المالحة للخزان الجوفي، وزيادة ملوحة التربة، بجانب تدهور نظام الصرف الزراعي، وبخاصة الصرف بالرفع، وغمر محطات الرفع.

يضيف الزعفراني: “كما يوجد تأثير مباشر في الموانئ وشبكات مواصلاتها الأرضية، وفي النظم الحيوية والمصايد بالأراضي الرطبة، ذلك بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة وغير المباشرة في الظروف الاقتصادية والاجتماعية”.

 

ملايين السكان في خطر

يبلغ إجمالي حجم سكان إقليم الدلتا نحو 22.3 مليون نسمة، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الصادرة نهاية 2022.

وفيما يتعلق بالتوزيع النسبي لحجم سكان الإقليم، يعيش 55% منهم في المحافظات الثلاثة المهددة (كفر الشيخ، ودمياط، والدقهلية)، بإجمالي نحو 12.2 مليون نسمة.

بتحليل بيانات السكان في التجمعات الحضرية المهددة بالغرق، وجدنا أن السيناريو المحتمل لارتفاع مستوى سطح البحر 1 متر بحلول 2100، يهدد حياة وسبل عيش حوالي 5.5 مليون نسمة على الأقل، يعيشون في 21 تجمعًا عمرانيًا، وهم يمثلون حوالي 45% من سكان المحافظات الثلاثة المهددة، و25% من سكان إقليم الدلتا، و5% من إجمالي سكان مصر.

 

 

 

هذا الرقم قد يتضاعف مرة واحدة في 2050، ليصل إلى 9.3 مليون نسمة، ومرتين في 2100، ليصل إلى 16.4 مليون نسمة، وفق معدلات النمو السنوية لكل محافظة، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2018.

 

يقول دكتور خالد أبو دوح، أستاذ علم الاجتماع السياسي المساعد بجامعة سوهاج، إنه مـن المرجـح أن تتسـبب الضغـوط المناخية بهذه المناطق، في تنامي معدلات الهجرة الداخلية في مصر، كما يمكن للنزوح أن يتجاوز الحدود الجغرافية، لـو تزايـدت الضغـوط أكثر.

يضيف: “مسألة الهجرة المناخية والبيئية ليست بعيدة بأي حال من الأحوال عن مصر، وملايين السكان قد يتأثرون بارتفاع مستوى سطح البحر، في حال وجدوا أنفسهم غير قادريـن علـى الحياة وكسـب العيش الآمن في مناطقهم الجغرافية”.

يحذر تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة في 2020، من أن ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة تواتر الظواهر المناخية المدمرة، تؤثر في المجتمعات البشرية، وقد تؤدي إلى موجات غير مسبوقة من الهجرة والنزوح لسكان مناطق ساحلية بأكملها، ما يهدد حياة واستقرار 40 مليون شخص على الأقل.

وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، شرّد 21.5 مليون شخص سنويًا بشكل قسري، بين عامي 2008 و 2016، بسبب الأحداث المتعلقة بتغير المناخ، مثل الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات ودرجات الحرارة القصوى.

من المتوقع أن تزداد الهجرة المناخية في العقود المقبلة، لتصل إلى 1.2 مليار شخص على مستوى العالم بحلول عام 2050، وفق مركز الفكر الدولي IEP.

على جانب آخر، تسهم محافظات إقليم الدلتا بالفعل في الهجرة الداخلية بالسالب؛ حيث دأبت على إرسال المهاجرين إلى خارجها منذ بدايات القرن العشرين، وفقًا لدراسة صادرة عن جامعة القاهرة في 2010؛ فتتجه معظم الحركة المهاجرة إلى محافظات إقليم القاهرة الكبرى ومحافظة الإسكندرية، ؛ حيث يلعب عامل المسافة دورًا مهمًا في توجيه حركة الهجرة.

في حال حدوث سيناريو “1 متر”، سواء في 2100 أو قبل ذلك، ستجد محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية نفسها أمام طوفان من النازحين بحثًا عن الاستقرار والأمان، كما يمكن أن تتجه أعداد كبيرة منهم إلى مدن أوروبا المتوسطية أيضًا.

 

الأرض والغذاء

إقليم الدلتا هو سلة غذاء مصر، ولا يزال محتفظًا بميزته النسبية، باعتباره الإقليم الزراعي الأوحد في البلاد حتى الآن، وذلك على الرغم من التزايد المطّرد في معدلات التآكل السنوي للأراضي الزراعية، نظرًا لارتفاع معدلات الزيادة السكانية من جانب، وتملح التربة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر من جانب آخر.

ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تسهم دلتا النيل بنحو 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، من خلال (الزراعة، والصناعة، وصيد الأسماك). ويتضمن إقليم الدلتا حوالي 27% من مساحة الأراضي القابلة للزراعة في مصر، وفق بيانات نشرة الزمام والملكية الزراعية الصادرة عام 2019.

بتحليل بيانات استخدامات الأراضي بمحافظات إقليم الدلتا، يتضح أن الاستعمالات الزراعية تشغل مساحة 2.5 مليون فدان، بنسبة 78 % من إجمالي مساحة الإقليم. وتواجه الأراضي الزراعية في 17 مدينة من المدن المهددة، خطر الغمر أو التملح، في حال حدوث سيناريو ارتفاع مستوى سطح البحر “1 متر”، سواء في2100 أو قبل ذلك.

 

توصلنا أيضًا إلى أن الأراضي الزراعية المهددة، وفق السيناريو المحتمل، تبلغ حوالي 976 ألف فدان، أي 60% من إجمالي الرقعة الزراعية في محافظات (كفر الشيخ، ودمياط، والدقهلية)، ما يعادل 39.5% من الأراضي الزراعية بإقليم الدلتا، و11% من مساحة الأرض القابلة للزراعة في مصر.

تؤكد الباحثة شيماء ربيع، بالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ما توصلنا إليه، قائلة إن: ” ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد في دلتا النيل قد يؤدي إلى فقدان ثلث الأراضي الزراعية الحالية بالإقليم”.

وأضافت: “سيؤدي أيضًا إلى تسرب المياه المالحة للأراضي الزراعية الشاسعة على طول دلتا النيل، مما يهدد الوصول إلى المياه العذبة للشرب والزراعة”.

في 2019، قال تقرير لمركز بحوث الصحراء التابع  لوزارة الزراعة، إن 25% من الأراضي المنزرعة في منطقة دلتا وادى النيل، تعاني بالفعل مشكلة ملوحة التربة، بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر خلال العقود الماضية، مع توقعات بتفاقم المشكلة مستقبلًا.

كما أشار تقرير بعنوان (التنمية البشرية في مصر 2021)، والصادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أن توغل المياه عالية الملوحة في مساحات شاسعة من الدلتا بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، سيؤثر في الإنتاجية الزراعية، وقد ينخفض إنتاج القمح والأرز في مصر بنسبة 15 و11 في المائة، على التوالي، بحلول عام 2050.

تقع المدن المهددة داخل ثلاث من أهم محافظات مصر الزراعية، وأكثرها إنتاجية للمحاصيل الاستراتيجية، كـ (القمح، والأرز، والسكر، والفول، والقطن)، وأصناف متعددة من الخضر والمحاصيل الحقلية.

وبتحليل البيانات توصلنا إلى أن التهديد قد يطال  16% من إنتاجية مصر  لستة محاصيل استراتيجية، وقد تتضاعف هذه النسبة في 2050 و2100.

 

على جانب آخر، يعمل 5.2 مليون عامل في قطاعي الزراعة والصيد في مصر، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء 2022، مما يعني أن فقدان هذه المساحة الزراعية بسبب تغير المناخ، قد يهدد حوالي 600 ألف فرصة عمل، وقد يتضاعف رقم المتضررين بالطبع في 2050 أو 2100.

 

حماية إقليم الدلتا

أطلقت مصر (الاستراتيجية الوطنية المصرية لتغير المناخ 2050)، نهاية نوفمبر 2021، واشتملت على رؤيتها للتكيف مع تغير المناخ في جميع المناطق المهددة، بما فيها إقليم الدلتا. حثت الاستراتيجية، ضمن توصياتها، على ضرورة حماية الأراضي المنخفضة في المناطق الساحلية والإدارة المتكاملة لهذه المناطق.

كما دفعت الاستراتيجية ضمن السياسات والأدوات التمكينية المقترحة نحو دراسة الحلول المختلفة للتكيف مع ارتفاع منسوب سطح البحر وحماية السواحل والمدن الساحلية، مثل: التدخلات الإنشائية والمعمارية، بما في ذلك أعمال الحماية الهندسية التقليدية وغير التقليدية.

عقب إطلاق الاستراتيجية، بدأت وزارة الري والموارد المائية والهيئة المصرية العامة لحماية الشواطئ التابعة لها، العمل على وضع خطة شاملة للإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية بطول السواحل الشمالية لمصر على البحر المتوسط، بالمشاركة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق الأخضر للمناخ.

لم تنته الوزارة من الخطة حتى الآن، وعلى الرغم من ذلك، شرعت في تنفيذ عدد من مشروعات التكيف في إقليم الدلتا وفق رؤية مبدئية، لحين اكتمال الخطة.

يقول محمد غانم، المتحدث الرسمي باسم وزارة الري والموارد المائية،  إن الهيئة المصرية العامة لحماية الشواطئ التابعة للوزارة، تنفذ حاليًا مشروعات لتعزيز التكيف مع آثار التغيرات المناخية على السواحل الشمالية ودلتا نهر النيل، لمواجهة ارتفاع منسوب سطح البحر فى خمس محافظات ساحلية، هى: (بورسعيد، ودمياط، والدقهلية، وكفر الشيخ، والبحيرة).

يشتمل المشروع على إنشاء نظام لرصد البيانات على سواحل البحر المتوسط، لاستخدامها في عمل الخطة الشاملة. وتسعى الخطة، التي من المنتظر الانتهاء من تنفيذها قبل نهاية عام 2025، إلى حماية الموارد الطبيعية والأهمية الاقتصادية للسواحل المصرية وسكانها، من بين أمور أخرى.

 

يقول المنسق الوطني السابق للاتفاقية الإطارية لتغيّر المناخ بالأمم المتحدة، د. هشام عيسى: “الرؤية التي تتبناها وزارة الري جيدة، والمشروعات التي بدأت في تنفيذها بالمحافظات الساحلية خطوة مهمة على الطريق، لكنها غير كافية لصد الخطر المرتقب من ارتفاع مستوى سطح البحر على المنطقة”.

يضيف: “السبب في ذلك أن الإجراءات المطلوبة تحتاج إلى تمويل كبير جدًا، وهو غير متوفر، بسبب محدودية التمويل الأخضر الخارجي، وعدم قدرة موازنة الدولة على تحمل هذه المبالغ، وهو أمر معتاد في العديد من الدول النامية”.

تحتاج مصر 113 مليار دولار تقريبًا لتنفيذ برامج التكيف حتى 2050، وفق الاستراتيجية الوطنية. يشمل هذا الرقم حوالي 52 مليار دولار لتكييف قطاع الزراعة، و59 مليار دولار لقطاع الري والموارد المائية، وهما القطاعان المسؤولان بشكل مباشر عن تنفيذ إجراءات التكيف المطلوبة في المدن المهددة من ارتفاع سطح البحر.

تقر الاستراتيجية الوطنية بأن حجم التمويل المتوفر حاليًا لبرنامج التكيف حوالي 18.3 مليار دولار، وأن فجوة التمويل تصل إلى حوالي 94.7 مليار دولار، أي أن 84% من التمويل المطلوب غير متوفر حتى الآن.

يقول عيسى: “عدم توافر التمويل لمشروعات التكيف في الدول النامية، تُسأل عنه الدول المتقدمة، المسؤولة تاريخيًا عن الانبعاثات التي أدت إلى أزمة المناخ، والملزمة، وفق الاتفاقيات الدولية، بتمويل تكاليف مواجهة تغير المناخ في هذه البلدان”.

في 2009، بمؤتمر كوبنهاجن للمناخ، تعهدت الدول المتقدمة بدفع 100 مليار دولار سنويًا بحلول 2020، للدول النامية من أجل التخفيف والتكيف مع آثار تغير المناخ، لكنها لم تف بتعهداتها حتى الآن.

ويقول تقرير فجوة التكيف لعام 2022، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن هذا الرقم أقل بكثير من المطلوب على الأرض، وأن احتياجات التكيف السنوية تقدر بنحو 160-340 مليار دولار أمريكي بحلول 2030، و315-565 مليار دولار أمريكي بحلول 2050.

بجانب نقص التمويل، توجد أزمة أخرى، تتمثل في أن التمويلات المخصصة لمشروعات التكيف، لم تشكل سوى حوالي 25 في المائة من إجمالي الأموال القليلة المتاحة لمواجهة المناخ، وتوجه الـ 75 في المائة الأخرى نحو التقنيات الخضراء للتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

يظهر ذلك بوضوح في نصيب مصر من تمويلات الصندوق الأخضر المناخي، التابع للأمم المتحدة، والذي لم يزد على مشروع واحد للتكيف، بقيمة 105 ملايين دولار فقط، وفق الموقع الرسمي للصندوق.

يقول السفير محمد نصر، مدير إدارة تغير المناخ والبيئة والتنمية المستدامة بوزارة الخارجية المصرية: “القطاع الخاص العالمي يرى أن مشروعات التكيف ذات عائد اجتماعي وليس اقتصاديًا، وتخلو من الفرصة الاستثمارية، بينما تعد الدول المتقدمة، التي تسهم في تمويل المناخ، مشروعات التكيف جزءًا من مشروعات التنمية”.

يضيف: “قطعًا هي ليست كذلك، مشروعات التكيف ذات بُعد تنموي، لكن لها أبعاد أخرى، وهذا ما نحاول شرحه للدول المتقدمة”.

يؤكد: “في حال لم تنفذ هذه المشاريع، سيكون لها آثار تتجاوز فكرة التنمية على المستوى المحلي بكثير، فعندما يفقد المزارع القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية، ويفقد مصدر دخله، سيبحث عن مصدر دخل جديد، أو ينتقل إلى مكان آخر للبحث عن فرصة عمل، وإن لم يجد فسيفكر في الهجرة إلى منطقة أو بلد آخر، وما وصلت إليه أرقام الهجرة غير الشرعية في العالم خير دليل”.

المصير

في 2011، نجح صابر عبد الكافي في التكيف مع تأثيرات تغير المناخ ، وأنقذ أرضه من التملح، لكن في حال لم تلتزم دول العالم بتعهداتها المناخية، ربما بحلول 2100، يقفز أحفاده في أقرب مركب هجرة غير شرعية عابرة البحر المتوسط، بعدما تغمر المياه أرضهم بالكامل.

 

تم إنتاج هذا التحقيق بدعم من المركز الدولي للصحفيين icfj

اقرأ أيضًا.. سيناريوهات غرق الإسكندرية.. هل يعيد التاريخ نفسه في 2050؟ “تحقيق”

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.