“نهر الأردن والبحر الميت في طريقهما الى الجفاف”، بهذه العبارة يلخص سكان الأردن الواقع المائي في بلدهم، التي تعتبر ثاني أكثر بلدان العالم فقرا في مصادر المياه.
تبلغ موارد المياه المتجددة في الأردن أقل من 80 متراً مكعباً للفرد، وهي أقل بكثير من حصة الفرد عالميا والتي تبلغ 500 متر مكعب.
يشكل نهر الأردن فاصلا طبيعياً بين الأراضي الأردنية والأراضي الفلسطينية والإسرائيلية، يبلغ طوله حوالي 251 كم وطول سهله حوالي 360 كم.
يمر نهر الأردن العلوي في بحيرة الحولة في لبنان ثم يصب في بحيرة طبرية، وعند خروجه من بحرية طبرية يكون نهر الأردن السفلي.
ويصب فيه أيضا روافد نهر اليرموك ونهر الزرقاء ووادي كفرنجة، إلى أن يصب بالنهاية في مياه البحر الميت.
خلافات سياسية تطفو على السطح
لفهم واقع نهر الاردن والبحر الميت، لابد من الإشارة الى أن هنالك خمسة دول تتشارك مياه حوض نهر الأردن وهي لبنان، سوريا، الاردن، فلسطين واسرائيل.
ويقدر حجم التدفق السنوي للمياه في نهر الاردن الاعلى 616 مليون متر مكعب، فيما يبلغ حجم التدفق في نهر اليرموك 83 الى 99 متر مليون مكعب مليون متر مكعب، بينما يقدر حجم التدفق في نهر الاردن الاسفل 200 مليون متر مكعب.
تشير دراسة قامت بها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا ESCWA (ايسكوا)، إلى أن الخلافات السياسية بين دول الحوض منعت الوصول إلى تفاهمات سياسية لحل أزمة نهر الأردن.
وأكدت الدراسة أن تراجع منسوب المياه في نهر الأردن نتيجة لاستهلاك سوريا الحصة الأكبر من نهر اليرموك، بينما تشدد دمشق على أن حقَّها في مياه نهر اليرموك يصل إلى نسبة 80%، ما يترك نسبة 20% فقط للأردن.
كما القت سوريا بالمسؤولية في هذا المجال على الأردن بسبب تقاسمه المياه مع إسرائيل بعد التوقيع على اتفاقية السلام عام 1994.
وأشارت بعض التقارير إلى إقامة سوريا 42 سداً على نهر الأردن وروافده، وهو عدد يتجاوز الـ 25 سداً التي نصَّت عليها اتفاقية عام 1987، المبرمة بين الأردن وسوريا بهدف معالجة القضايا المائية المشترك، مثل تخزين مياه الفيضانات في السدود السورية وسد الوحدة، ومنع الأنشطة الزراعية غير القانونية، والسيطرة على ضخ المياه الجوفية غير المنظم.
عرفت اتفاقية عام 1987في الاوساط السياسية والإعلامية باتفاقية تقاسم مياه نهر اليرموك، وتم توقيعها بعد تحسُّن العلاقات الثنائية بين المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية العربية السورية عقب فترة من العداء.
استمر ممثلون عن سلطة وادي الأردن ووزارة الري السورية بالاجتماع بشكل منتظم لتشكيل اللجان المشتركة، واجراء الدراسات الخاصة بقضايا المياه، حتى بداية عام 2011 عندما اندلعت احداث الصراع داخل الأراضي السورية.
التغيير المناخي والاستهلاك الجائر
الخبير المائي عزام القضاة، أكد أن تناقص معدلات هطول الأمطار خلال السنوات القليلة الماضية أثرت على الواقع المائي في الينابيع وعيون المياه التي كانت تعتبر من روافد نهر الأردن، خاصة أودية كفرنجة و نبع الفوار في عين جنا وعين العلقة في باعون.
وتابع القضاة أن هذه الينابيع والعيون لم تعد تشكل رافدا مهما لنهر الأردن، فهي بالكاد تستطيع رفع منسوب المياه في سد كفرنجة، مشددا على أن إنشاء عدد من السدود على روافد نهر الأردن مثل السد الوحدة والملك طلال بن الحسين وكفرنجة اثر بشكل مباشر وكبير على واقع النهر، الذي أصبح يعاني من خطر الجفاف.
وفقاً لدراسة قامت بها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية ESCWA (ايسكوا)، فان أحد اهم أسباب انحسار منسوب المياه في نهر الأردن، يعود للاستهلاك الجائر نتيجة لبناء السدود على روافد النهر، أبرزها سد الملك طلال الواقع شمال المملكة وسد الوالة الواقع جنوب البحر الميت.
هجرة المزارع في غور الأردن
يعاني القطاع الزراعي في منطقة غور الأردن من واقع صعب نتيجة لنقص المياه، حيث اشتكى كثير من المزارعين من ان كميات المياه التي تصلهم غير كافية، الأمر الذي يؤدي إلى إتلاف مزروعاتهم.
كما ان البعض منهم ترك الأرض دون زراعة لعدم توفر المياه، حيث يستهلك القطاع الزراعي 530 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، وفقاً لوزارة الزراعة الأردنية، بما يشكل 52% من استهلاك المياه في البلاد.
وزارة المياه والري الاردنية أكدت لـ “منصة ارزون”، على لسان الناطق الإعلامي عمر سلامة، أن الوزارة تحاول جاهدة لتوفير المياه لكافة المزارعين والمواطنين.
أوضح سلامة عدة عوامل تتسبب – من وجهة نظر الوزارة- في نقص المياه، من اهمها اعتداءات بعض المواطنين على خطوط المياه، والاسراف في استخدامها، مشددا على ضرورة متابعة أعمال الصيانة لمنظومة الري والسدود ومحطات ضخ المياه، ومتابعة كل الأعطال وإصلاحها بشكل دائم.
المزارع عبد اللطيف العدوان يؤكد لـ “منصة اوزون” على صعوبة الواقع المائي في مزرعته المنتجة للموز بمنطقة الاغوار الوسطى، لافتا إلى أن حصة مزرعته من المياه تناقصت في السنوات الأخيرة.
كشف العدوان عن أن الكثير من المزارعين في منطقة غور الأردن هجروا راضيهم خلال السنوات الأخيرة، بعد تكبدهم لخسائر مالية كبيرة نتيجة لنقص المياه.
الموت يطارد البحر الميت
يقول الرئيس التنفيذي لجمعية أصدقاء البحر الميت الدكتور زيد السوالقة لـ “منصة اوزون” إن انخفاض البحر الميت وصل في عام 2000 إلى نحو 390 متراً تحت مستوى سطح البحر الأحمر، ليسجل الآن نحو 436 متراً.
ويؤكد السوالقة أن العوامل البشرية أثرت بشكل كبير في انحسار مياه البحر الميت، حيث تتم عمليات التجفيف للحصول على الأملاح وتحديداً البوتاس من الجانبين الأردني والاسرائيلي، بالإضافة الى عوامل التغيير المناخي عبر ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض معدلات الأمطار.
وبحسب دائرة الأرصاد الجوية الأردنية، تتراوح كمية هطول الأمطار في فصل الشتاء في منطقة الأغوار الجنوبية التي يقع فيها البحر الميت بين 50 و100 مليمتر يومياً، بانخفاض بنسبة 20% عن العقود الأخيرة.
نداءات دون استجابة
يمكن تلخيص أسباب انحسار المياه في نهر الأردن والبحر الميت، بالعوامل المرتبطة التغيير المناخي، بالإضافة الى الاستهلاك الجائر، وسط ضعف التنسيق بين دول الحوض نتيجة للخلافات السياسية، فيما تستمر النداءات لإنقاذ أكثر الأنهر قدسية في العالم، وأحد اهم المنتجعات الصحية، وسط فشل مشاريع نقل المياه من البحر الأبيض المتوسط والبحر الاحمر.