قبل شهرين اشتكي سكان القاهرة الجديدة، التي تقع على بعد 20 كيلو متر من العاصمة القاهرة، من دخول بعض الزواحف الغريبة إلى مسكانهم ما اثار الخوف والذعر وسط السكان الذين سارعوا في الاتصال بالنجدة حيث تعددت واختلفت شكاوي السكان من تكرار هذه الحوادث المخيفة والغريبة بالنسبة لهم.
هذه الوقائع لم تكن غريبة على المتخصصين في ملف المحميات الطبيعية الذين حذروا مرات عدة من تجاوز المباني العمرانية على حرم محمية الغابة المتحجرة بالقاهرة الجديدة والتي تجاوز عمرها 200 مليون عامًا ويقطن بداخلها مئات النباتات والحيوانات والزواحف النادرة للغاية في هدوء تام، حيث شكلت الطبيعة مسكنًا لهذه الحيوانات في مشهد مبدع واستثنائي لكن كعادة البشر لا يتركون الطبيعة وحدها.
الغابة المتحجرة، أو الغابة الخشبية، يقطن بها حيوانات وزواحف نادرة منها السامة واخرى مسالمة، وتتميز هذه الزواحف بانها تختبي في رمالها الناعمة التي يتناثر فوقها زلط بشكل فني كلوحة فنية رسمها فنان مبدع، وتحيط بها جبال مرتفعة ومنخفضات هابطة تحتضنها جذور أشجار متحجرة منذ ملايين السنين تنبت من جذوعها نباتات خضراء فريدة النوع، وتحاوطها قناتان للمياه واحدة شرقًا والثانية غربًا.
هذه المحمية التي يقبل عليها الزائرين من كل مكان تكاد تكون مستوية بها بعض الجروف والتلال، ويغطي منطقة المحمية في أجزائها جبل الخشب التابع لعصر الأوليجسوسين وعمره 23 – 35 مليون سنة، حيث تقع في الجزء الجنوبي من مدينة التجمع الخامس وسجل منها 6 كم مربع فقط سنة كمحمية طبيعية عام 1989م أما الباقي فلازال في طي الإهمال والنسيان.
وفقًا لدراسة حديثة قام بها عدد من القائمين على هذه المحمية فإن هذه المحمية يعيش بها أكثر من 122 نوعًا من النباتات النادرة مثل “نرجس الجبل”، أو “زهور النرجس الأبيض” و “الطيطان” أو “نرجس الجبل” وهي من الزهور النادرة، والمنتشرة داخل المحمية وتدخل مستخلصاتها في صناعة العديد من العلاج الحديث.
الدراسة نفسها كشفت أن “الغابة” يعيش بها زواحف خطِرة مثل ثعبان “الدفان” أو “الطريشة” وهو ثعبان نادر وسام جدًا يختبي طيلة العام ويظهر في فصل الشتاء فقط، لكن المخيف أنه لم يتم اكتشاف مصل لعلاج سمه حتى الآن.
كما يعيش “قاضي الجبل” وهي سحلية تجمع بين لونين البنفسجي والأزرق، وهي شديدة التأقلم مع الألوان الرملية حيث لا يمكن أن تراها أو تعثر عليها بسهولة إلا من خلال المتخصصين الذين يسيرون وراء علامتها في الرمال.
كما يقطن في المحمية زاحفة “بطنيات الأرجل” وهي تمثل نوعين يظهر أحدهما ليلًا وينتشر بصورة كبيرة ما يؤثر سلبًا على انتشار العديد من النباتات داخل هذه الغابة الاستثنائية.
خلال إجراء هذا التحقيق وجدنا صعوبة للغاية في الحصول على المعلومات الموثقة عن هذه الغابة، أو مصدر رسمي يستطيع إمدادنا بتفاصيل دقيقة عنها حتى التقينا بالباحث الجيولوجي أحمد عبد الواحد، وهو أحد القائمين على هذه المحمية حيث أكد أن الحشرات التي تعيش في هذه الغابة منتمية إلى شعبة مفصليات الأرجل، وتعد أكثر الكائنات تنوعًا وعددًا على وجه الأرض، فهي تؤلف نحو 75% من الأنواع الحيوانية.
وتابع الباحث الجولجي: ” هناك أكثر من 125 مليون نوع معروف منها، وهناك أنواع أخرى لم يتم اكتشافها بعد، حيث كشفت دراسات أحفوية أنها ظهرت في العصر الفحمي أي قبل 350 مليون سنة وتتميز بأن لديها 3 أزواج من الأرجل أصدرية المفصلية.
وأكد “عبدالواحد: أن الغابة بها حيوانات اللافقارية، منها القوقوع الصحراوي الأبيض، وهو ذات سم رخوي غير متطقع، كما تم العثور على أسنان لقروش منذ 400 مليون سنة لتؤكد بذلك أن القروش مرت من هذا المكان.
وتضم المحمية قناتين للمياه واحدة شرقا والثانية غربًا ـ وفق الباحث ذاته، حيث تعتبر أخر تجمع للحيوانات والنباتات في مصر التي فضلت أن تعيش بمعزل بعيدًا عن الإنسان لكن بعد ملايين السنين أت إليها الإنسان وتجاوز في حقها كما ترون الآن وهو ما يظهر في إصرار الحكومة على إنشاء تجمعات سكانية قريبة منها.
ويبلغ عدد المحميات الطبيعية في مصر نحو 30 محمية، بنحو 17% من مساحتها الكلية، حيث من المتوقع أن تصل إلى 40 محمية طبيعية.