منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

تغير المناخ والغذاء.. كيف يقودنا الاحترار للجوع؟

 

للعلاقة بين تغير المناخ والغذاء وجهان، يشكلان معًا تأثيرًا سلبيًا متبادلًا، إضرار بالبيئة من جانب، ووأخطار على أمننا الغذائي من جانب أخر.

ففي حين أن الطعام الذي نتناوله وطرق إنتاجه تؤثر على المناخ، تساهم الكوارث المرتبطة بالطقس المتطرف في انخفاض المحاصيل، وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وجه يزيد فيه الغذاء من الاحترار، ووجه أخر يغذي من خلاله تغير المناخ أزمة الجوع، وفي كلتا الحالتين، فإننا جميعا سنخسر.

 

 

الوجه الأول.. كيف يؤثر الغذاء على المناخ؟

 

يمر الغذاء بمجموعة من الخطوات قبل أن يصل في النهاية إلى مكبات النفايات، من نمو ومعالجة ونقل وتوزيع وتحضير واستهلاك وحتى التخلص منه في بعض الأحيان.

كل خطوة من هذه الخطوات تولد انبعاثات لغازات الدفيئة، المسؤولة عن حبس حرارة الشمس وتساهم في زيادة الاحترار العالمي وبالتالي تغير المناخ.

وفق الأمم المتحدة للبيئة، تأتي أكثر من ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان من القطاعات المختلفة المرتبطة الغذاء، ولم يسبقه في الترتيب سوى قطاع الطاقة؛ كما أنه يمثل المصدر الأول لغاز الميثان وفقدان التنوع البيولوجي.

 

يأتي الجزء الأكبر من غازات الدفيئة المرتبطة بالغذاء من الزراعة واستخدام الأراضي:

ينتج عن عملية الهضم لدى الماشية، انبعاثات غاز الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة القوية.

وتتسبب الأسمدة المستخدمة في إنتاج المحاصيل الزراعية، في انبعاثات أكسيد النيتروز، وهو أيضًا أحد غازات الدفيئة القوية.

فيما ينتج  عن قطع الغابات لتوسيع الأراضي الزراعية، من أجل زراعة فول الصويا أو تربية المواشي لإنتاج اللحوم، انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الكثيفة.

بجانب الانبعاثات الزراعية الأخرى الناتجة عن إدارة السماد الطبيعي وزراعة الأرز وحرق مخلفات المحاصيل واستخدام الوقود في المزارع، والعمليات المرتبطة بشكل غير مباشر بالغذاء، مثل تبريد ونقل المواد الغذائية، و العمليات الصناعية مثل إنتاج الورق والألمنيوم للتغليف، وإدارة مخلفات الطعام.

كما يؤدي فقد الأغذية وهدرها أيضًا إلى تفاقم أزمة تغير المناخ فإذا كانت نفايات الطعام دولة، فستكون ثالث أكبر دولة انبعاثات في العالم.

يساهم إنتاج الغذاء ونقله وتركه يتعفن بأكثر من 8 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.

 

ما هي الأطعمة المسببة للانبعاثات؟

 

يقاس تأثير الغذاء على المناخ من حيث كثافة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتي يعبر عنها بالكيلوجرام من “مكافئات ثاني أكسيد الكربون”، لكل كيلوجرام من الطعام، أو لكل سعرة حرارية.

تشمل مكافئات ثاني أكسيد الكربون جميع غازات الدفيئة وليس ثاني أكسيد الكربون فقط.

تعتبر الأغذية حيوانية المنشأ، وخاصة اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان من أكثر الأطعمة المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

يتطلب إنتاج اللحوم الحمراء غالبًا أراضي عشبية واسعة، عادة عن طريق قطع الأشجار، والتعدي على الغابات، ما يتسبب في إطلاق ثاني أكسيد الكربون المخزن في الغابات، كما أنه يحرم الأرض من بالوعة طبيعية للكربون.

أما الأطعمة النباتية مثل الفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة والفاصوليا والبازلاء والمكسرات والعدس، تتطلب عمومًا طاقة وأرضًا ومياه أقل وتحتوي على كثافة غازات دفيئة أقل من الأطعمة الحيوانية.

صنفت الأمم المتحدة للمناخ مجموعة كبيرة من المنتجات الغذائية وفق حجم البصمة الكربونية لها، بهدف مقارنة كثافة انبعاثات غازات الدفيئة بناء على الوزن، لكل كيلوجرام من الطعام.

يأتي لحم البقر في المقدمة كأعلى منتج غذائي يصدر انبعاثات للغلاف الجوي، بينما الخضروات والمكسرات هما الأقل تصديرًا للانبعاثات بين الأغذية الشائعة.

 

كيف يمكن تقليل الانبعاثات المرتبطة بالغذاء؟

يتطلب الحد من الانبعاثات من قطاع الأغذية تغييرات في جميع المراحل، من الإنتاج إلى الاستهلاك.

قد يؤدي الاعتماد، على النظم الغذائية الغنية بالنباتات، مع المزيد من البروتين النباتي، مثل الفاصوليا والحمص والعدس والمكسرات والحبوب، مع التقليل من الأطعمة الحيوانية والدهون المشبعة، إلى انخفاض كبير في كمية انبعاثات غازات الدفيئة، مقارنة بالأنماط الغذائية الحالية في معظم البلدان الصناعية.

توفر البروتينات البديلة، مثل البدائل النباتية للحوم والألبان، واللحوم المعدة من الخلايا أو ما يسمى باللحوم المستزرعة، آفاقا واعدة ذات طلب واستثمار مالي وابتكار تكنولوجي متزايد.

ستظل المنتجات الحيوانية ضرورية، وستساهم الأعلاف المحسنة وتقنيات التغذية المستحدثة في تخفيض كمية انبعاثات الميثان أثناء هضم الماشية والغازات التي يطلقها السماد خلال تحلله.

كذلك الأمر خلال تقليص حجم القطيع، باللجوء إلى عدد أصغر من الحيوانات ذات إنتاجية أكبر.

كما تساهم الممارسات الزراعية المحسنة في التقليل بشكل كبير من انبعاثات غازات الدفيئة، وذلك خلال تطوير سبل إدارة السماد والأسمدة، والرعي التناوبي من أجل الحفاظ على تربة صحية لتخزين الكربون، وكذلك إعادة إصلاح الأراضي المتدهورة.

 

في الوقت نفسه، يعد الحد من هدر الطعام أمرًا أساسيًا، ما يقرب من 1 مليار طن من الطعام، أي 17 في المائة غذاء العالم، تذهب إلى صناديق القمامة كل عام.

 

 

الوجه الآخر.. كيف يؤثر تغير المناخ على الغذاء وإنتاجه وأمنه؟

 

تضر آثار تغير المناخ مثل: ارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، والجفاف، والفيضانات، وزيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بحجم وإنتاجية المحاصيل الأساسية في جميع أنحاء العالم.

انخفض إنتاج الذرة والقمح في السنوات الأخيرة بسبب الأحداث المناخية القاسية والأمراض النباتية وأزمة المياه العالمية.

وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة، فإن 80% من الأسباب الكامنة وراء عدم القدرة على التنبؤ بمحاصيل الحبوب في مناطق مثل الساحل الأفريقي ترجع إلى تقلب المناخ.

في مناطق أخرى مثل بنجلاديش وفيتنام، يشكل ارتفاع منسوب مياه البحر تهديداً مختلفاً للأمن الغذائي، فغالباً ما تغمر المياه المالحة الأراضي الزراعية الساحلية مع أي فيضان بسيط، مما يؤدي إلى قتل محاصيل عدة أبرزها الأرز.

بشكل عام، انعدام الأمن الغذائي آخذاً في الارتفاع بالفعل على مستوى العالم، ويرجع ذلك في جانب كبير منه إلى الظواهر المناخية، حيث تؤثر مشكلة الاحترار العالمي على أنماط الطقس، مما يتسبب في حدوث موجات حر، وهطول أمطار غزيرة، وموجات جفاف.

كان ارتفاع أسعار السلع الغذائية بسبب تقلبات الطقس وتطرفه في عام 2021 أحد العوامل الرئيسة التي أدت إلى معاناة نحو 30 مليون شخص آخر في البلدان منخفضة الدخل من انعدام الأمن الغذائي.

وفق البنك الدولي، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد من 135 مليون شخص في عام 2019 إلى 345 مليوناً في 82 بلداً بحلول يونيو/حزيران 2022، بسبب تغير المناخ والأزمات الأخرى.

 

تقليل القيمة الغذائية وهدر الطعام أعراض أخرى

يؤثر تغير المناخ على القيمة الغذائية للأطعمة، وتشير الدراسات إلى أن التركيزات العالية من ثاني أكسيد الكربون في النباتات تقلل من محتواها من البروتين والزنك والحديد.

بحلول عام 2050، قد يصاب ما يقدر بنحو 175 مليون شخص بنقص الزنك، ويعاني 122 مليون شخص من نقص البروتين.

كما يؤثر تغير المناخ أيضا على نوعية الماشية، التي تعتمد على نفس الموارد التي يعتمد عليها البشر لتناول الطعام والنمو وإنتاج اللحوم والبيض والحليب.

على نحو مماثل، تهدد الظواهر المناخية المتطرفة أعداد الأسماك، وخاصة في مناطق مثل جنوب شرق آسيا.

على جانب أخر، يزيد تغير المناخ من هدر الطعام، وكلما زادت التغيرات المناخية وأصبحت الأحداث المناخية المتطرفة شائعة، كلما زاد فقداننا للأغذية على أساس سنوي.

غالبًا ما تنقل المحاصيل المزروعة في المناطق شديدة الجفاف إلى مرافق تخزين رطبة، مما يجعلها عرضة للإصابة بالفطريات والآفات.

كما يمكن أن تؤدي الفيضانات الناجمة عن هطول الأمطار الغزيرة أيضًا إلى إنتاج العفن السام على المحاصيل.

وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن ما يقرب من ثلث الأغذية التي ينتجها المزارعون يتم فقدانها بين الحقل والأسواق في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وفي البلدان ذات الدخل المرتفع، تهدر كمية مماثلة بين السوق والمائدة.

 

ما هي المحاصيل والأغذية الأكثر تأثرًا بتغير المناخ؟

يمكن أن يؤثر تغير المناخ على ثمانية محاصيل رئيسية، توفر سبل العيش لملايين المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة، وتشكل مصادر حيوية للسعرات الحرارية والثقافة لمليارات الأشخاص حول العالم.

  • الذرة: قد يشهد الإنتاج العالمي للذرة انخفاضًا كبيرًا بحلول عام 2050 بسبب التغيرات في درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار. سوف تتأثر جميع مناطق النمو الرئيسية، مثل الولايات المتحدة والبرازيل. وفي أماكن مثل موزمبيق، فمن المرجح أن يكون التأثير مدمراً.
  • القمح: في المناطق الأكثر ضعفا مثل الهند وأمريكا الوسطى وأفريقيا، قد تنخفض عائدات القمح بنسبة 3٪ أو أكثر.
  • الأرز: يوفر الأرز لأكثر من 3.5 مليار شخص 20% أو أكثر من السعرات الحرارية اليومية. ومع ذلك، فإن إنتاجية الأرز على مستوى العالم قد تنخفض بأكثر من 5.5% إذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة. وتتوقع بعض التقديرات أن تنخفض المحاصيل بنسبة 11% بحلول عام 2050.
  • البطاطس: بحلول عام 2050، قد ينخفض ​​الإنتاج العالمي من البطاطس بنسبة تصل إلى 9% . وبما أن البطاطس تحتاج إلى إمدادات ثابتة من المياه لتنمو، فإن عددًا أقل من المناطق سيكون مناسبًا لإنتاج البطاطس.
  • الموز: وجد الباحثون أنه بسبب ارتفاع درجات الحرارة على مدى العشرين عامًا الماضية، انخفض إنتاج الموز بنسبة 43٪ . كما أن الأصناف الشائعة من الموز مهددة بالأمراض، بسبب الطقس الحار.
  • الكاكاو: تشهد كوت ديفوار وغانا في غرب أفريقيا، وهم مسؤولين عن نصف إنتاج العالم من الكاكاو، هطول أمطار غير منتظمة ورياح ساخنة، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما قد يدفع إنتاج الكاكاو إلى أراضي أكثر ارتفاعًا.
  • القهوة: يهدد تغير المناخ زراعة البن في مناطق شتى، ومن المحتمل أن تخسر إثيوبيا، وهي أكبر منتج للبن في أفريقيا، 25% من إنتاجها من القهوة بحلول عام 2030.
  • فول الصويا: معظم العلماء يتوقعون أن تنخفض محاصيل فول الصويا في وقت لاحق من هذا القرن مع اشتداد ضغوط الحرارة والمياه.

 

 

ما هي الفئات الأكثر تضرراً من تأثير المناخ على الأمن الغذائي؟

 

عندما يتسبب تغير المناخ في تقليل كمية الغذاء المنتج، فأنه يقلل أيضًا من كمية الغذاء المتوفرة للناس، ومع تطبيق قاعدة العرض والطلب، لنا أن نتخيل تأثير ذلك على أسعار السلع الغذائية.

يؤدي انقطاع جزء واحد من النظام الغذائي بسبب حدث مناخي (كبير أو صغير)، إلى موجات من التضخم.

تؤدي الارتفاعات الحادة في الأسعار إلى جعل الأسر الأكثر فقرا أكثر عرضة للخطر؛ تظهر إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الحضرية تحت خط الفقر ينفقون ما يصل إلى 75% من ميزانيتهم ​​على الغذاء وحده.

تعتمد العديد من البلدان الأكثر جوعاً في العالم على الزراعة باعتبارها مصدرها الغذائي الرئيس، مما يعني أن الأسر تأكل موسمياً بما يتماشى مع ما تجلبه محاصيلها، ومحاصيل جيرانها.

وفي الأوقات التي تسبق الحصاد المعروفة باسم “مواسم الجوع”، بعد استنفاد الإمدادات الغذائية السابقة قبل أن تكون المحاصيل التالية جاهزة للقطف، غالبًا ما تتناول هذه الأسر وجبة واحدة أو أثنتين فقط.

أدى تغير المناخ وآثاره بشكل كبير إلى إطالة أمد مواسم الجوع في العديد من المناطق الأكثر تأثرًا.

وفق البنك الدولي، يعيش نحو 80% من سكان العالم الأكثر عرضة لمخاطر تلف المحاصيل والجوع بسبب تغيّر المناخ في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، حيث ترتفع معدلات الفقر والمعاناة بين الأسر العاملة في مجال الزراعة بدرجة أكبر من غيرها.

يمكن لموجة جفاف شديدة بسبب ظاهرة النينيو المناخية أو تغيّر المناخ أن تدفع ملايين آخرين إلى براثن الفقر.

 

أزمة تغير المناخ والغذاء المزدوجة.. الحل في COP28

يهدف  برنامج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ  COP28 للنظم الغذائية والزراعة، إلى تعزيز جهود تحول النظم الغذائية والزراعية العالمية.

شجعت رئاسة مؤتمر الأطراف COP28 جميع بلدان العالم على التوقيع على “إعلان القادة حول النظم الغذائية والزراعة والعمل المناخي”.، بما في ذلك دمج انبعاثات الأغذية الزراعية في المساهمات المحددة وطنيا (NDCs) والخطط الوطنية الأخرى.

بموجب التوقيع على هذا الإعلان، تلتزم البلدان بتحول النظم الغذائية وتتعهد بالسعي لإيجاد حلول مبتكرة وطموحة للقضايا المتعلقة بالأغذية.

بالإضافة إلى ذلك، تدعو رئاسة COP28 من خلال برنامجها جميع أصحاب المصلحة في قطاعي الأغذية والزراعة، إلى تسريع المبادرات القائمة عبر النظم الغذائية والزراعة والعمل المناخي، وذلك من خلال الإنتاج والاستهلاك ومواجهة فقدان الأغذية وهدرها.

ضمن البرنامج، ستقدم منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في (COP28) خارطة طريق عالمية بعنوان “الإطار العالمي للزراعة وأنظمة الغذاء والمناخ”، حتى عام 2050 تخفف من المخاطر التي يتعرض لها النظام الغذائي العالمي وتضع معايير محددة لهذه الصناعة.

ستسلط خارطة الطريق الضوء على الحلول الداعمة لتحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة (القضاء على الجوع) وتحقيق أهداف الأمن الغذائي والتغذوي.، والهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة (العمل المناخي).

ستركز أيضًا على الحلول التي تغطي إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية والغابات ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والأراضي والمياه والتربة، بالإضافة إلى الحلول التي تدعم القدرة على الصمود، وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة، وزيادة احتجاز الكربون وضمان الأمن الغذائي.

 

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.