منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

بسبب تغير المناخ والاستهلاك البشري.. نصف بحيرات العالم الكبرى تفقد مياهها بشكل غير مسبوق

حسب دراسة حديثة نُشرت في مجلة في “ساينس” (Science) العلمية الشهيرة، فإن أكثر من 50% من أكبر البحيرات في العالم تفقد المياه، والجناة الرئيسيون لا يشكلوا أي مفاجأة للعلماء: التغيرات المناخية والاستهلاك غير المستدام للمياه من قبل الإنسان.

وقد أجريت الدراسة باستخدام تقنية جديدة لقياس التغيرات في مستويات المياه في ما يقرب من 2000 من أكبر البحيرات والخزانات في العالم، ووجدت أن 53% من البحيرات حول العالم تعاني من انخفاض في تخزين المياه، وأن الخسائر تحدث في مناطق جافة ورطبة من العالم، مما يشير إلى اتجاهات جفاف أكثر انتشارًا مما كان معروفًا سابقًا.

قام الباحثون بدراسة حوالي 2000 من أكبر البحيرات في العالم، والتي تمثل 95% من إجمالي تخزين الماء في البحيرات على الكرة الأرضية. واستخدم الفريق 250000 لقطة لمناطق البحيرات تم التقاطها بواسطة الأقمار الصناعية بين عامي 1992-2020 لمسح 1972 منطقة من أكبر بحيرات الأرض.

وجمعوا مستويات المياه من تسعة مقاييس ارتفاع تابعة للأقمار الصناعية واستخدموا مستويات المياه على المدى الطويل لتقليل فرص عدم اليقين.

واستخدموا تقنيات تجمع بين بيانات الأقمار الصناعية من عقود متعددة ونماذج لقياس اتجاهات تخزين المياه في هذه البحيرات. وبالنسبة للبحيرات التي ليس لها سجل طويل المدى، فقد استخدموا قياسات المياه الحديثة التي تم إجراؤها بواسطة أحدث الأجهزة على الأقمار الصناعية. وسمح الجمع بين قياسات المستويات الحديثة وقياسات المناطق طويلة المدى للعلماء بإعادة بناء حجم البحيرات التي يعود تاريخها إلى عقود.

تراجع التخزين على نطاق واسع في البحيرات العالمية الكبيرة من أكتوبر 1992 إلى سبتمبر 2020.

وجد الباحثون أن البحيرات تفقد مياهها لعدة أسباب:

أولاً، استخدام المياه من قبل الإنسان للري والاستخدام الصناعي والمنزلي أدى إلى انخفاض مستوى المياه.

ثانياً، تغير المناخ، وخاصة ارتفاع درجات الحرارة وتغير هطول الأمطار، ساهم في ذوبان المزيد من الجليد وزيادة معدل التبخر.

ثالثًا، تراكم الرواسب من التعرية في البحيرات أدى إلى انخفاض مستوى المياه، وخاصة في الخزانات.

رابعًا، تدهور الحالة البيئية الناجمة عن نشاط الإنسان مثل الزراعة المكثفة والتلوث والزراعة واستصلاح الأراضي أدى إلى تغيرات طبيعية، وأثر سلبا على البيئة مما تسبب في فقدان البحيرات لمياهها.

 

النتائج مذهلة

كانت النتائج مذهلة: 53 في المائة من البحيرات على مستوى العالم شهدت انخفاضًا في تخزين المياه. ويقارن المؤلفون هذه الخسارة بحجم 17 بحيرة ميد، وهي أكبر خزان في الولايات المتحدة. ووجد الباحثون أنه في أكثر من 100 بحيرة كبيرة على الأقل، كان تغير المناخ واستهلاك المياه من قبل الإنسان العامل الرئيسي وراء انخفاض مستوى المياه. وهذا يشمل استخدام المياه للري ومن أجل استهلاك الإنسان.

وادي إمبريال وبحر سالتون في جنوب كاليفورنيا من مركبة فضاء تدور حول الأرض.. مصدر الصورة: ناسا.

وتشير الدراسة إلى أن حوالي 24% من البحيرات العالمية شهدت زيادات كبيرة في تخزين المياه، وعادة ما تكون هذه البحيرات في المناطق التي تقل فيها الكثافة السكانية في الجزء الداخلي من هضبة التبت والسهول الشمالية العظمى في أمريكا الشمالية، وفي المناطق التي توجد بها خزانات مائية جديدة مثل حوض نهر اليانغتسى، وحوض نهر الميكونج، وحوض نهر النيل.

وتشير الدراسة إلى أن الجفاف الشديد ونقص المياه يمكن أن يؤديان إلى تدهور الأنظمة الإيكولوجية للبحيرات، وذلك بسبب انخفاض مستويات المياه وزيادة تركيز الملوثات والأملاح، مما يؤثر على الأسماك والحياة النباتية والحيوانية في البحيرات.

وتمثل البحيرات الداخلية 87٪ من مياه العالم العذبة، مما يجعلها موردًا هامًا للنظم البيئية الأرضية وكذلك للإنسان. إضافة إلى ذلك، فإن الدراسة تشير إلى أن البحيرات التي تتغذى على المياه الجوفية تعاني أكثر من البحيرات التي تتغذى على المياه السطحية، وهذا يشير إلى أنه يجب النظر إلى الاتجاهات الأكبر في تغير المناخ وترسيب المياه عند التخطيط لإدارة الموارد المائية في المناطق الجافة.

ويقدر الباحثون أن حوالي ربع سكان العالم، أي 2 مليار نسمة، يقطنون في حوض بحيرات تفقد مياهها وتعاني من الجفاف، مما يشير إلى ضرورة ملحة إلى إدارة أفضل للموارد المائية تأخذ في الاعتبار الآثار المترتبة على تغير المناخ واستهلاك الإنسان للمياه.

صور من وكالة ناسا تظهر موت بحر آرال، وهو ما كان ذات يوم رابع أكبر بحيرة على وجه الأرض.
صور من وكالة ناسا تظهر موت بحر آرال، وهو ما كان ذات يوم رابع أكبر بحيرة على وجه الأرض.

وتشير الدراسة أيضًا إلى أن الزيادة في التلوث والتغيرات المناخية تؤدي إلى تغيرات في توزيع الأنواع والتركيبة النباتية في البحيرات، وهذا يمكن أن يؤثر على الأنظمة الإيكولوجية للبحيرات ويتسبب في تدهورها.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستخدام غير المستدام للمياه في الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي يمكن أن يؤدي إلى نقص المياه في البحيرات، وهذا يعد تحديًا كبيرًا في الدول التي تعتمد على المياه الجوفية والسطحية كمصدر رئيسي للمياه.

بعض الحلول الممكنة

من أجل الحد من تأثيرات هذه العوامل على البحيرات، تقدم الدراسة رؤى حول بعض الحلول الممكنة، مثل تحسين استخدام المياه في الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي، وتطوير تقنيات الري الحديثة التي تستهلك كميات أقل من المياه، وتشجيع المزارعين على استخدام الأساليب الزراعية المستدامة. كما يمكن تحسين إدارة الموارد المائية في المناطق الجافة عن طريق تطوير البنية التحتية للمياه وتحسين نظم التخزين والتحلية وإعادة استخدام المياه المستخدمة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقدم الدراسة أملاً في الحد من تدهور البحيرات وتخزين المياه، وذلك من خلال تطوير سياسات جديدة لتحسين استهلاك المياه والاهتمام بالتغيرات المناخية، وإدارة الموارد المائية بطريقة مستدامة، وتوعية الناس حول أهمية الحفاظ على هذه الموارد الحيوية والتعاون على المستوى العالمي للتصدي لهذا التحدي المتزايد.

وتشير الدراسة إلى أن التحديات البيئية المتعلقة بالبحيرات تتطلب تعاونًا عالميًا للتصدي لها، وتعزيز الجهود لتحقيق التنمية المستدامة والاستخدام المستدام للموارد المائية في جميع أنحاء العالم. ويجب على الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني العمل سويًا لتحسين إدارة الموارد المائية وتحقيق التنمية المستدامة، وتشجيع الابتكار والبحث عن حلول جديدة لتحسين استهلاك المياه والحد من تدهور البحيرات والأنظمة الإيكولوجية المرتبطة بها.

ويمكن أن تلعب تطبيق قوانين الحفاظ على الاستخدام المائي دورًا في زيادة تخزين المياه، حيث يشير الباحثون إلى زيادة تخزين مياه بحيرة سيفان في أرمينيا خلال العقدين الأخيرين، وربطوها بتنفيذ سياسات حفظ المياه منذ بداية الألفية الجديدة.

صور من وكالة ناسا تظهر موت بحر آرال، وهو ما كان ذات يوم رابع أكبر بحيرة على وجه الأرض.

توصيات

تظهر الدراسة بوضوح أن فقدان مياه البحيرات في ازدياد، مما يهدد النظم البيئية وحياة الملايين من البشر الذين يعتمدون على مياه البحيرات. وأن أكثر من نصف أكبر البحيرات في العالم تفقد مياهها بسرعة بسبب تغير المناخ والأنشطة البشرية. ويمثل هذا تحديا خطيرا لا بد من التصدي له. وتؤكد الدراسة على أهمية البحيرات كمصادر حيوية للمياه والأنظمة الإيكولوجية، وتحث على زيادة الوعي بأهميتها وحمايتها والعمل المشترك للمحافظة عليها وتحسين إدارتها في جميع أنحاء العالم.

توصي الدراسة بوضع سياسات إدارة الموارد المائية تأخذ بعين الاعتبار تغير المناخ واحتياجات الإنسان، وسن قوانين حماية المياه والبحيرات تقيد استخدام المياه بشكل مستدام، ودعم المشاريع البحثية التي تهدف إلى إنعاش البحيرات وإدارتها. لذا يجب على الحكومات وواضعي السياسات والمنظمات الدولية اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية تخزين المياه في البحيرات.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.