يعترف القرار النهائي لمؤتمر الأطراف COP28 بأن الوقود الانتقالي يمكن أن يلعب دورًا في تيسير التحول في مجال الطاقة، مع ضمان أمن الطاقة العالمي.
يشير مصطلح تحول الطاقة إلى انتقال قطاع الطاقة العالمي من الأنظمة القائمة على الوقود الأحفوري لإنتاج واستهلاك الطاقة، بما في ذلك النفط والفحم والغاز الطبيعي، إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية.
اتفق العلم على أن التحول إلى المصادر المتجددة ضروري لخفض الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري، وبالتالي تجنب أسوأ سيناريوهات تغير المناخ الكارثية.
تعد مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مصادر نظيفة لا تنتج أي انبعاثات غازات الدفيئة، لكنها مع ذلك، لا تزال غير متطورة بما يكفي لتلبية جميع احتياجاتنا من الطاقة.
يبرز هنا الدور المهم للوقود الانتقالي قليل الانبعاثات، باعتباره جسرًا بين المصادر التقليدية كثيفة الانبعاثات والمصادر المتجددة النظيفة، لحين إتمام التحول في قطاع الطاقة العالمي بشكل كامل.
ما هو الوقود الانتقالي؟
الوقود الانتقالي هو نوع من الوقود يستخدم خلال تحول الاقتصاد من الوقود الأحفوري كثيف الانبعاثات، النفط والفحم، إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة. يُعتقد أن الوقود الانتقالي يمكن أن يساعد في تلبية الطلب على الطاقة مع تقليل الانبعاثات.
يستخدم الوقود الانتقالي لسد الفجوة بين الاعتماد الحالي على الوقود الأحفوري والانتقال الكامل إلى مصادر الطاقة المتجددة، غالبًا ما يكون أقل تلويثًا من الوقود الأحفوري كثيف الانبعاثات، ولكنه لا يزال ينتج انبعاثات غازات الدفيئة.
يعتبر الغاز الطبيعي أحد أهم وأبرز أنواع الوقود الانتقالي منخفض الكربون، فعلى الرغم من كونه وقودًا أحفوريا، إلا أنه أقل تلويثًا من الفحم أو النفط، وهو مصدر وفير للطاقة، ويستخدم في مجموعة متنوعة من التطبيقات، بما في ذلك توليد الكهرباء والتدفئة والنقل.
تنتج محطات الكهرباء الحديثة التي تعمل بالغاز انبعاثات كربونية أقل بنسبة تتراوح بين 50 و 60 في المائة من نظيراتها التي تعمل بالفحم، في حين أنها أكثر كفاءة أيضا بشكل كبير، وفق دراسة بريطانية حديثة.
يوفر الغاز أيضًا مصدرًا منخفض الكربون متاحًا دائمًا لإنتاج الطاقة الأساسية خلال العقود المقبلة لتحقيق التوازن بين مشكلات التقطع المرتبطة بالاستخدام الواسع النطاق لمصادر الطاقة المتجددة.
في هذا السياق، يعتبر دور الغاز الطبيعي مؤقتًا، لأنه لا يزال يصدر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
كما يمكن تخفيض انبعاثات الغاز لأقصى قدر ممكن، في حال استخدمت تقنيات احتجاز وتخزين الكربون أثناء استخراجه وحرقه، وهي عملية تحتجز من خلالها انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن إنتاج الغاز الطبيعي أو استخدامه كوقود ومن ثم تخزينها بشكل دائم في باطن الأرض أو استخدامها في أشكال أخرى من المعالجة الصناعية.
تشمل الأنواع الأقل شهرة من الوقود الانتقالي، الهيدروجين الأزرق والرمادي، وعلى الرغم من أن الهيدروجين هو عنصر غير ملوث ولا ينتج أي انبعاثات غازات الدفيئة عند حرقه، إلا أن انتاج هذين النوعين حاليًا يعتمد على استخدام الوقود الأحفوري، مما يؤدي إلى انبعاثات غازات الدفيئة.
بشكل عام، يتمثل أحد التحديات الرئيسة للوقود الانتقالي في أنه قد لا يكون دائمًا متاحًا أو ميسور التكلفة بنفس القدر مثل الوقود الأحفوري. ومع ذلك، يعتقد العديد من الخبراء أنه ضروري لضمان انتقال سلس إلى مصادر الطاقة المتجددة.
تحول الطاقة يحتاج المزيد من العناصر الأرضية النادرة.. هل يمكن تأمينها بشكل مستدام؟
الوقود الانتقالي في مفاوضات المناخ
ينص اتفاق باريس على ضرورة إبقاء الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من درجتين مئويتين، ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وذلك للحد بشكل كبير من المخاطر المناخية، وتجنيب البشرية أسوأ كوارث تغير المناخ.
يتطلب الحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية دون تجاوز، أو مع تجاوز محدود، إجراء تخفيضات عميقة وسريعة ومستمرة في انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 43 في المائة بحلول عام 2030 و60 في المائة بحلول عام 2035 مقارنة بمستوى عام 2019، والوصول إلى صافي الصفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050.
في اتفاقية باريس، حددت العديد من الدول أهدافًا عالمية طموحة لتحقيق الاستقرار وخفض انبعاثات الكربون بشكل سريع، التي تنتج بنسبة كبيرة من إنتاج الكهرباء، للتخفيف من تغير المناخ.
أبرز هذه الأهداف الطموحة، هو اتخاذ إجراءات للتحول من مصادر الطاقة الأحفورية إلى المصادر المتجددة والنظيفة بحلول 2050، من بين أمور أخرى.
لكن حتى لا يتأثر أمن الطاقة العالمي خلال هذه الفترة الانتقالية، يشير الخبراء إلى أهمية إتمام هذا التحول بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، لأنه لا يمكن الاستغناء عن الوقود التقليدي بين عشية وضحاها.
من هنا برز دور الوقود الانتقالي في مفاوضات لمناخ باعتباره يمكن أن يحقق هذا التوازن، ويساعد في تقليل انبعاثات غازات الدفيئة لحين تطوير ونشر تقنيات الطاقة المتجددة وإتمام عملية تحول الطاقة بشكل كامل.
يظهر هذا التوازن بوضوح في النص النهائي لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين COP28، الذي يدعو الأطراف لتسريع الجهود العالمية نحو إنشاء أنظمة طاقة خالية من الانبعاثات، واستخدام أنواع الوقود الخالية والمنخفضة الكربون قبل منتصف القرن بوقت طويل أو بحلول منتصفه، ومضاعفة قدرة الطاقة المتجددة على مستوى العالم ثلاث مرات بحلول 2030، في الوقت الذي يعترف فيه بإمكانية أن تلعب أنواع الوقود الانتقالية، دورا مهمًا في تيسير التحول مع ضمان أمن الطاقة.
مميزات وعيوب
يناقش العلماء جدوى استخدام الغاز الطبيعي بينما تنضج الطاقات المتجددة تقنيًا واقتصاديًا، ورغم إقرار العديد من الدراسات بمميزاته كوقود انتقالي، إلا أن الأمر لا يخلو من سلبيات.
على الرغم من أن الغاز الطبيعي قد يساعد في تحول الطاقة عن طريق تقليل الانبعاثات مقارنة بالفحم، إلا أن هناك آثارًا أخرى طويلة المدى للاستثمار في الغاز والتي يمكن أن تعمل ضد تحقيق الأهداف المناخية.
أحد المخاوف هو أن الاستثمارات في الغاز الطبيعي قد تؤدي إلى مزاحمة الاستثمارات في البدائل المتجددة، وفق دراسة نشرت في 2020 بمجلة Science Direct.
خلصت الدراسة إلى أن الغاز الطبيعي يساعد بالفعل على تجنب وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة على المدى القصير، كما يمكن أن يساعد تقنيات الطاقة المتجددة في أوقات الانقطاع.
توفر تقنيات الرياح والطاقة الشمسية المتجددة طاقة متقطعة، تعتمد بشكل رئيس على توافر الموارد المتجددة التي توفرها الطبيعة، مما يعني أنه في حال انقطاع المورد، ستنقطع الطاقة.
على سبيل المثال، لا يمكن للألواح الشمسية توليد الكهرباء إلا عند تعرضها لكمية كافية من الأشعة الشمسية.
يعمل الخبراء على إيجاد حل لهذه المشكلة عن طريق تخزين الطاقة عبر ناقلات الطاقة المستدامة وابتكارات شبكات الكهرباء. ومع ذلك، فإن هذه الحلول ليست دائمًا قابلة للتطبيق تجاريًا أو تقنيًا أو بيئيًا.
يتمثل التحدي الآخر في ارتفاع تكاليف مصادر الطاقة المتجددة، ويعمل الخبراء أيضًا على إيجاد الحلول لتقليل التكاليف، لكن في المقابل، هناك بعض الدول الفقيرة ذات الاقتصادات الضعيفة، التي لن تستطيع تحمل أي تكاليف، حتى القليل منها، للحصول على الطاقة.
يبرز هنا الغاز الطبيعي كوقود انتقالي بسبب جدواه الاقتصادية مقارنة بتقنيات الطاقة المتجددة الناشئة، كما يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على تحول الطاقة إيجابيًا من خلال مساعدة مصادر الطاقة المتجددة على توفير الطاقة دون انقطاع، وتقليل الانبعاثات.
تشير الدراسة إلى السلبيات أيضًا، ففي حين أن استخدام الغاز كوقود انتقالي له مميزات على المدى القصير، إلا أن التأثيرات غير المقصودة على المدى الطويل قد تعيق التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، فيما عرّفه الباحثون بـ “تأثير المزاحمة”.
يحدث تأثير المزاحمة، في سياق تحول الطاقة، عندما يسحب الوقود الانتقالي الاستثمارات من التكنولوجيا الناشئة على المدى الطويل، مما يعوق التحول المنشود.
من خلال المزاحمة أيضًا، قد تؤدي الاستثمارات في الغاز الطبيعي إلى استمرار الاستثمارات في أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، بسبب ما يصاحب ذلك من تعزيز البنية التحتية للوقود الأحفوري، وتقليل الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة.
وفق الدراسة، يمكن إبطال الفوائد البيئية المباشرة للغاز إذا أدى بشكل غير مباشر إلى إطالة أمد البنية التحتية للوقود الأحفوري. كما يمكن أن يفشل دوره كوقود انتقالي إذا دعم أنواع الوقود الأحفوري الأخرى بدلاً من استبدالها.