أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تقريرًا يكشف عن ارتفاع غازات الاحتباس الحراري إلى مستويات قياسية جديدة في عام 2023، مما ينذر بارتفاع درجات حرارة الأرض لسنوات قادمة. وأشار التقرير إلى تراكم ثاني أكسيد الكربون (CO2) في الغلاف الجوي بوتيرة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، حيث زادت نسبته بأكثر من 10% خلال عقدين فقط.
وبلغت غازات الاحتباس الحراري مستويات قياسية جديدة في عام 2023، مما ينذر بارتفاع درجات حرارة الأرض، وقد يتفاقم الوضع مع تراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بوتيرة متسارعة، مما قد يُسهم في استمرار ارتفاع درجات الحرارة لسنوات طويلة؛ حيث زادت نسبة ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 10% خلال العقدين الماضيين.
أرجعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تقريرها ارتفاع مستويات غازات الاحتباس الحراري إلى عدة عوامل، أبرزها: انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرائق الغابات والنباتات، والتراجع المحتمل في قدرة الغابات على امتصاص الكربون، إضافة إلى استمرار ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري؛ بسبب الأنشطة البشرية والصناعية التي لا تزال مرتفعة دون إمكانية لخفضها.
غازات الدفيئة زادت في الغلاف الجوي بمعدل تاريخي خلال عام 2022
من جهتها، حذّرت البروفيسورة سيليستى ساولو، الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، من خطورة الوضع الراهن، قائلة: “عام جديد ورقم قياسي جديد يدقان ناقوس الخطروجه صناع القرار، ويؤكدان بُعدنا عن تحقيق هدف اتفاق باريس في الحد من الاحترار العالمي إلى أقل من درجتين مئويتين، والحفاظ على درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية”.
وأكدت ساولو أن “الأمر لا يقتصر على مجرد إحصاءات، فكل زيادة مهما صغرت في نسب غازات الاحتباس الحراري أو في درجات الحرارة لها تأثير حقيقي على حياتنا وكوكبنا”.
أظهرت بيانات عام 2023 ارتفاعًا ملحوظًا في متوسط التركيز السطحي لغازات الاحتباس الحراري، حيث بلغ 420.0 جزءًا في المليون لثاني أكسيد الكربون، و 1934 جزءًا في المليار للميثان، و 336.9 جزءًا في المليار لأكسيد النيتروز.
وأشارت التقارير إلى أن هذه القيم تمثل زيادة بنسبة 151% لثاني أكسيد الكربون، و 265% للميثان، و 125% لأكسيد النيتروز، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية (قبل عام 1750). وتعتمد هذه الأرقام على الأرصاد طويلة الأجل التي تجريها شبكة محطات الرصد التابعة لبرنامج المراقبة العالمية للغلاف الجوي.
وبحسب بيانات التقرير الجديد، فإن عام 2023 شهد زيادة في ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أعلى من عام 2022، وإن كانت أقل من الزيادة التي سُجلت في الأعوام الثلاثة السابقة. وبلغت الزيادة السنوية 2.3 جزء في المليون، مُسجلةً بذلك السنة الثانية عشرة على التوالي التي تتجاوز فيها هذه الزيادة جزأين في المليون.
“كل زيادة مهما صغرت في نسب غازات الاحتباس الحراري أو في درجات الحرارة لها تأثير حقيقي على حياتنا وكوكبنا”
البروفيسورة سيليستى ساولو، الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية
ويوضح تحليل البيانات أن حوالي نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تبقى في الغلاف الجوي، بينما تمتص المحيطات ما يزيد قليلًا عن ربع هذه الانبعاثات، وتمتص النظم الإيكولوجية الأرضية أقل من 30% منها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النسب تتفاوت من عام لآخر بفعل الظواهر الطبيعية، مثل ظاهرتي النينيو والنينيا.
إلى ذلك، حذّرت السيدة كو باريت، نائبة الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، من “حلقة مفرغة محتملة” تتمثل في تأثير التغيرات المناخية على دورة الكربون، موضحةً أنه “في المستقبل القريب، قد يُصبح تغير المناخ نفسه سببًا في تحول النظم الإيكولوجية إلى مصادر أكبر لغازات الاحتباس الحراري”.
وأشارت باريت إلى أن “حرائق الغابات قد تُطلق المزيد من انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي، في حين أن المحيطات التي ترتفع درجة حرارتها قد تمتص كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون، مما يعني بقاء المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وتسارع وتيرة الاحترار العالمي”. وخلصت إلى أن “هذه التأثيرات التفاعلية تُمثل مصدر قلق بالغ للمجتمع البشري”.
خلال الفترة من عام 1990 إلى عام 2023، ازداد القسر الإشعاعي – وهو تأثير الاحترار على مناخنا – بسبب غازات الاحتباس الحراري طويلة العمر بنسبة 51.5%، وكان ثاني أكسيد الكربون مسؤولاً عن حوالي 81% من هذه الزيادة، وذلك وفقًا للمؤشر السنوي لغازات الاحتباس الحراري.
سيستمر تراكم غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وارتفاع درجات الحرارة العالمية طالما استمرت الانبعاثات. ونظرًا إلى طول فترة بقاء ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فمن المتوقع استمرار ارتفاع درجات الحرارة لعقود حتى لو تم تخفيض صافي الانبعاثات إلى الصفر بشكل سريع.
جدير بالذكر أن آخر مرة شهد فيها كوكب الأرض تركيزًا مماثلاً لثاني أكسيد الكربون كانت قبل 3 إلى 5 ملايين سنة، عندما كانت درجة الحرارة أعلى بمقدار 2 إلى 3 درجات مئوية، وكان مستوى سطح البحر أعلى مما هو عليه الآن بمقدار 10 إلى 20 مترًا.
“قد يُصبح تغير المناخ نفسه سببًا في تحول النظم الإيكولوجية إلى مصادر أكبر لغازات الاحتباس الحراري”
السيدة كو باريت، نائبة الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية
وتُركز هذه النشرة على تقديم معلومات حول تركيزات غازات الاحتباس الحراري، وليس على مستويات انبعاثاتها. كما تُعدّ النشرة مُكمّلة لتقرير فجوة الانبعاثات الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وسيتم نشر كلا التقريرين قبل انطلاق الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والمُزمع عقدها في مدينة باكو بأذربيجان.