يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية من غازات الدفيئة بحوالي النصف بحلول عام 2030 للحفاظ على الاحترار العالمي بأقل من 1.5 درجة مئوية، ذلك هو هدف العالم الآن.
ولكي يتحقق، لا بد من عدة اجراءات، أبرزها تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، لتقليل الانبعاثات المسببة لتغير المناخ.
في مصر، وكما في باقي بلدان العالم، يعتبر التحول إلى الطاقة الشمسية، كمصدر رئيس للطاقة، أحد أهم الأهداف للوفاء بالالتزامات المناخية بحلول عام 2030.
تعتبر الطاقة الشمسية أهم مصدر حميد للطاقة على الكرة الأرضية، وتعد مصر من أغنى دول العالم بالطاقة الشمسية، حيث تقع جغرافيًا في قلب الحزام الشمسي العالمي، بين خطي عرض 22 و 31.5 شمالا.
رغم ذلك، تعتبر مصر مصادر الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة، أكثر من مجرد تحرك نحو طاقة نظيفة، فـ قبل 8 سنوات، كانت احتياجات البلاد من الكهرباء تخطت حاجز 28 جيجاوات سنويًا، في حين كان إنتاجها 24 جيجاوات فقط، ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر في جميع أنحاء البلد الذي تخطى سكانه حاجز المئة مليون نسمة.
وضعت الحكومة المصرية في العام 2014 خطة لمضاعفة طاقتها الكهربائية، عبر تأسيس مزيج من محطات الطاقة الشمسية والكهرومائية والغاز الطبيعي، تتماشى مع استراتيجية أخرى تهدف للوصول إلى طاقة مستدامة بحلول 2035، أطلقتها الحكومة المصرية في نفس العام.
في سبتمبر 2014، صدر قرار جمهوري بشأن مشروع مجمع بنبان للطاقة الشمسية على أرض محافظة أسوان، التي تقع على بعد حوالي 650 كيلومترا جنوب القاهرة. كأول منشأة للطاقة الشمسية في البلاد على نطاق المرافق، وواحدة من أكبر منشآت الطاقة الشمسية في العالم.
وفي عام 2015 بدأ العمل على المشروع، وفي البداية، طلبت الحكومة المصرية من وكالة ناسا الأمريكية مساعدتها من أجل العثور على أفضل موقع لإنشاء مجمع الطاقة الشمسية الضخم.
تقول وكالة ناسا في تقريرها عن مجمع بنبان، إنها استقرت مع الحكومة المصرية على الموقع الحالي للمشروع بعد مسح متطور باستخدام الأقمار الصناعية لتحديد أنسب مكان على أرض مصر لاحتضان المشروع.
ووفق ناسا، سوف يغطي المشروع، عند الانتهاء منه، حوالي 37 كيلومترا مربعا بأكثر من 7 مليون لوحة شمسية ضوئية، بتكلفة تبلغ 4 مليارات دولار.
ووفق الموقع الرسمي للمشروع، تعتبر الحكومة المصرية مشروع بنبان أحد أهم مشاريع البنية التحتية في البلاد لتوليد الكهرباء من الطاقة الجديدة والمتجددة.
حيث تشير الحكومة إلى أن المجمع سوف يمد مصر بما يعادل 90٪ من الطاقة المنتجة من السد العالي، وذلك في إطار الاستراتيجية التي وضعتها هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، وتستهدف أن يكون 20٪ من إنتاج الكهرباء في مصر من الطاقة النظيفة بحلول عام 2022.
اقرأ أيضًا.. نعم.. التغيرات المناخية هي السبب في ثلوج الإسكندرية “3 خبراء يؤكدون”
بنبان على أرض أسوان
لطالما اعتمدت مصر على الوقود الأحفوري لتزويد مدنها وقراها بالطاقة بسبب ارتفاع أسعار مكونات الطاقة الشمسية، لكن بعد انخفاض الأسعار عالميًا، قررت مصر تدريجيًا التحول نحو الطاقة الشمسية، وبدأت بمشروع بنبان.
يقع مجمع بنبان للطاقة الشمسية على مساحة 37.2 كم مربع في صحراء محافظة أسوان، وسمي المجمع على اسم قرية بنبان المطلة على نهر النيل، والقريبة من موقع المشروع.
تنقسم المساحة إلى 41 قطعة أرض منفصلة مرتبة في 4 صفوف، ومساحة كل قطعة من 0.3 كم مربع إلى 1 كم مربع، وستكون كل قطعة أرض متاحة لشركات مختلفة لتطوير 41 محطة، وسيتم ربط المحطات بشبكة الجهد العالي.
خصصت قطع الأراضي لما يقرب من 30 مطورًا قاموا بتركيب الألواح الشمسية والمحولات والأجهزة الأخرى على الطرود الخاصة بهم، وسوف ينتج المطورون الطاقة ويعيدون بيعها إلى المرافق الحكومية.
تولت الحكومة المصرية بناء الطرق والبنية التحتية للمشروع، بما في ذلك التوصيلات بشبكة الكهرباء، التي نفذتها الشركة القابضة لكهرباء مصر المملوكة للدولة،
كما مدت شركة المياه خط أنابيب لإمداد المياه بطول 16 كيلومترًا من نهر النيل لتوفير المياه اللازمة للعمليات في الموقع.
وقامت وزارة الكهرباء مؤخراً بإنشاء 4 محطات محولات لربط محطات التوليد بالشبكة الموحدة، وبإجمالي أطوال كابلات ربط محطات التوليد بمحطات المحولات تصل إلى 1000 كم، ستتصل هذه المحطات الفرعية بدورها بخط موجود بجهد 220 كيلو فولت يمر بالقرب من موقع “بنبان” على مسافة 12 كيلومترًا تقريبًا.
في مرحلة لاحقة، قد تقوم الشركة المصرية لنقل الكهرباء أيضًا بإنشاء اتصال إضافي بخط 500 كيلو فولت المجاور.
وفقًا للقياسات الواردة في تقرير التقييم البيئي والاجتماعي للمشروع، تبلغ موارد موقع الطاقة الشمسية حوالي 2300 كيلووات ساعة/سنة، بافتراض أن ذروة التشميس تبلغ 1000 وات/متر مربع، فإن هذا يترجم إلى عامل قدرة مصنع محتمل يقارب 26٪، أي أن متوسط السعة سيكون 26% من سعة اللوحة.
إذا تم استخدام القدرة المخطط لها البالغة 1,8 جيجاوات، فسيكون إنتاج الطاقة السنوي المحتمل أكثر بقليل من 4 تيراوات ساعة/سنة.
في سبتمبر الماضي، انتهت شركة جنرال إلكتريك الأمريكية من تنفيذ وتشغيل أول مركز للتحكم والمراقبة لأداء مجمع بنبان، والذي يحتوي على معدات المراقبة والاتصالات للمحطات الفرعية.
وفي 13 مارس 2018، افتتح الجزء الأول من المجمع بحضور وزير الكهرباء المصري الدكتور محمد شاكر، بإنتاجية تبلغ 64.1 ميجاوات.
في أكتوبر من نفس العام، انتهى العمل في انشاءات 32 محطة شمسية وتشغيلها بنظام التملك والبناء والتشغيل “بي أو أو “، الذى يعنى تملك الجهة المستثمرة تملكا كاملا للمشروع مقابل دفع قيمة محددة متفق عليها.
وفي ديسمبر 2019 تم الانتهاء من ربط الـ 32 محطة شمسية بالشبكة القومية للكهرباء وتشغيلها تجاريا.
وفي ديسمبر 2021 قال الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، إنّ الطاقة التي ينتجها مجمع بنبان للطاقة الشمسية أضيفت للشبكة القومية للكهرباء بالفعل.
ووفق الدكتور شاكر، تعتبر محطة بنبان الرابعة على مستوى العالم، من ناحية القدرة الكهربائية، ولكن عند إدخال عنصر الكفاءة تعتبر أكبر محطة على مستوى العالم ذات كفاءة عالية.
اقرأ أيضًا.. الاحتباس الحراري يهدد 10 محاصيل زراعية في مصر “الطماطم في خطر”
التمويل
تأسس المشروع بالشراكة مع القطاع الخاص والخبرات الدولية المتخصصة، بإجمالي تكلفة حوالي 4 مليارات دولار، لم تتحمل خزينة الدولة أي مبالغ منها، وفق وزارة الكهرباء.
قادت مؤسسة التمويل الدولية، التابعة للبنك الدولي، وهي أكبر مؤسسة إنمائية عالمية يركز عملها على القطاع الخاص في البلدان النامية، تحالفًا استثماريًا لتمويل المشروع.
التحالف مكون من بنك التنمية الأفريقي، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وبنك البحرين العربي، ومجموعة سي دي سي، والبنك العربي الأوروبي، وصندوق جرين فور جروث، وفين فاند، والبنك الصناعي والتجاري الصيني من خلال التعهد بتقديم مبلغ 653 مليون دولار أمريكي لتمويل البناء، وتشغيل 13 محطة من قبل ست مجموعات من شركات الطاقة الخاصة.
ونال المشروع المركز الأول على مستوى المشروعات التي ينفذها البنك الدولي في مختلف دول العالم.
كما ستوفر وكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف 210 مليون دولار أمريكي في صورة تأمين ضد المخاطر السياسية لـ 13 مشروعًا داخل بنبان.
على جانب أخر، يشارك البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بتمويل 16 مشروعًا بقدرة إجمالية 750 ميجاوات، بموجب اتفاقية بقيمة 500 مليون دولار لتمويل الطاقة المتجددة في مصر.
ويستثمر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في المشروع، باعتباره جزءًا من تحالف يقوده تمويل التنمية الدولية، لاستثمار 335 مليون دولار في محطات الطاقة التي تطورها شركة سكاتيك سولار.
ويشمل التحالف أيضًا صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة (GCF)، والبنك الهولندي للتنمية، ومؤسسة FMO، والبنك الإسلامي للتنمية (IsDB)، والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص (ICD).
بينما يقوم بنك بايرن إل بي الألماني بتمويل 85% من الدين، كجزء من برنامج تعزيز التجارة الخارجية الألمانية لدعم هدف مصر المتمثل في تلبية أكثر من ثلث احتياجاتها من الطاقة بحلول عام 2035 من خلال الطاقات المتجددة.
فيما أتت نسبة الـ 15% المتبقية من البنك العربي الأفريقي الدولي.
اقرأ أيضًا.. انبعاثات الكربون في مصر والقطاعات المتسببة فيها “خريطة كاملة”
المناخ
بالإضافة إلى أهمية المشروع الاقتصادية، سيساعد مجمع بنبان على الحد من انبعاثات الكربون في مصر وفق تقرير للبنك الدولي.
من المتوقع أن يحد المجمع بأكمله ما يعادل 2 مليون طن من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري سنويًا، أي ما يعادل إنتاج حوالي 400 ألف سيارة من الانبعاثات.
سيساعد المشروع مصر أيضًا على تقليص استخدامها للوقود الأحفوري باهظ التكلفة والتلوث، والاستفادة من إمكاناتها الهائلة للطاقة الشمسية.
يقول تقرير البنك الدولي أن هذه العوامل مهمة للغاية مع شبح تغير المناخ الذي يلوح في الأفق، ويدفع مصر نحو تنمية خضراء مستدامة.
وتشير الأرقام إلى أن انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون في مصر في عام 2016 بلغت حوالي 310 مليون طن، وهو ما يعادل 0.65 ٪ من الإجمالي العالمي البالغ 49.3 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون ويمثل ما يقرب من 10 ٪ من انبعاثات الشرق الأوسط. حيث تأتي 3.3 مليار طن من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
على صعيد أخر، تخلق الاستثمارات المتدفقة على بنبان فرص عمل كثيرة، حيث شارك أكثر من 10000 شخص في العمل داخل الموقع أثناء البناء، وهناك الأن أكثر من 6 ألاف عامل داخل القطاعات المختلفة بالمجمع، ومن المتوقع أن يصل عدد الموظفين بعد تشغيل المحطات بالكامل إلى 4000 شخص، هذا أمر حيوي في جنوب مصر، حيث البطالة متفشية منذ عقود.
رغم كل تلك الإيجابيات، إلا أن وكالة ناسا تحذر من بعض السلبيات التي قد تلوح في الأفق بسبب مناخ المنطقة الصحراوي، والذي قد يؤثر على إنتاجية المشروع، وهي أمور لا بد للإدارة المصرية من مراعاتها.
تقول ناسا إن محطات الطاقة الشمسية في الصحراء تواجه بعض التحديات، بسبب درجات الحرارة المرتفعة للغاية، حيث تؤدي في بعض الأحيان إلى إتلاف العاكسات، والتي تحول طاقة التيار المستمر التي تنتجها الخلايا الكهروضوئية إلى طاقة التيار المتردد اللازمة للشبكة، كما يمكن أن يقلل الغبار والعواصف الرملية أيضًا من قدرة الألواح على تجميع أشعة الشمس، لذا فإن الجرارات المصممة خصيصًا لتنظيف الأسطح بشكل مستمر، يجب أن تعمل هناك عدة مرات في الشهر.
جدير بالذكر أن وزير الكهرباء المصري صرح في 2019، بأن وزارته والجهات المتخصصة وضعت مسألة ارتفاع درجات الحرارة في محيط مجمع بنبان في الحسبان، وأكد أن المحطات تستخدم أحدث الجرارات في العالم لتنفيذ عمليات التنظيف أكثر من مرة في الشهر.