يصف التنوع البيولوجي تنوع الحياة على الأرض، في الصحارى والمحيطات والأنهار والبحيرات والغابات، ويعنى ضرورة تنوع جميع الكائنات الحية على الكوكب والتفاعل فيما بينها، بدءاً من الكائنات الدقيقة التي لا ترى إلا عن طريق الميكروسكوب، وانتهاء بالأشجار والحيتان الضخمة.
يوجد ملايين الأنواع من النباتات والحيوانات على الأرض، ولا أحد يعرف عدد أنواع الكائنات الحية على الكوكب، فقد تراوحت التقديرات بين 5 و 80 مليون نوع أو أكثر، ولكن الرقم الأكثر احتمالا هو 10 مليون نوع، ورغم التقدم التكنولوجي، لم يوصف منها حتى الآن سوى 1.4 مليون نوع، من بينها 750 ألف حشرة و41 ألف من الفقاريات و250 ألف من النباتات، والباقي من مجموعات اللافقاريات والفطريات والطحالب وغيرها من الكائنات الحية الدقيقة.
كل نوع من تلك الأنواع له دور مهم في استمرار الحياة على الكوكب، ويساهم في صلاحيتها وجودتها بطرق قد لا تكون مرئية للعين، لذا فأي فقدان لهذا التنوع يسبب خللًا في البيئة المحيطة والحياة بشكل عام، ويهدد نظامنا الغذائي والصحي.
وبالرغم من أنه من العسير تحديد القيمة الاقتصادية للتنوع البيولوجي إلا أن هناك أمثلة عدة تبرهن على طرق مساهمة الأنواع البرية والجينات بشكل كبير في تطور الزراعة والطب والصناعة.
مثلاً، تبلغ قيمة الأدوية المستخلصة من النباتات البرية في العالم حوالى 40 مليار دولار سنوياً.
كما يوفر روث الحيوانات والحطب ما يزيد عن 90% من احتياجات الطاقة في أماكن كثيرة بأسيا وإفريقيا.
لذا يعد كل نوع من الكائنات الحية ثروة وراثية، بما يحتويه من مكونات وراثية، ويساعد الحفاظ على التنوع البيولوجي في الإبقاء على هذه الثروات والموارد البيئية من محاصيل وسلالات للماشية ومنتجات أخرى كثيرة.
هناك قاعدة أخلاقية عالمية تشير إلى أن كل نوع من الكائنات الحية له حق البقاء، لأنه شريك في هذا التراث الطبيعي الذى يسمى المحيط الحيوي، بالإضافة إلى العديد من القوانين والاتفاقات الدولية التي تحمي التنوع البيولوجي.
رغم ذلك، تؤكد الدراسات الحديثة أن التنوع البيولوجي يتناقص بمعدلات سريعة نتيجة للنشاطات البشرية المختلفة، فالبيانات تشير إلى أنه فى الوقت الحالي يوجد 3956 نوعاً مهدداً بالخطر و3647 نوعاً معرضاً للخطر و7240 نوعاً نادراً.
وقد ذكرت بعض التقارير أن25% من التنوع البيولوجي معرضة لخطر الانقراض خلال الـ20-30 سنة القادمة لأسباب عدة، أبرزها تدمير أو تعديل بيئة الكائنات الحية، والاستغلال المفرط للموارد، وارتفاع معدلات التلوث.
لذا اتخذ المجتمع الدولي مجموعة من الإجراءات لتشجيع صون وحماية التنوع البيولوجي واستخدامه على نحو قابل للاستمرار، مثل التدابير الرامية إلى حماية البيئة الخاصة (الموائل) مثل الحدائق الوطنية أو المحميات الطبيعية، وحماية أنواع خاصة أو مجموعات خاصة من الأنواع من الاستغلال المفرط، والحفظ خارج البيئة الطبيعية للأنواع الموجودة في الحدائق النباتية أو في بنوك الجينات، والتدابير الرامية إلى كبح تلوث المحيط الحيوي بالملوثات.
في مصر، حيث الجغرافية الطبيعية المميزة وخواصها، تختلف أنواع الحياة البرية في البلاد من منطقة إلى أخرى، فالأنظمة الحيوانية الموجودة في الصحراء الشرقية ترتبط في جزئها الشمالي بتلك الموجودة في سيناء، أما في جزئها الجنوبي فلها خصائص استوائية (سودانية ديوانية).
أما الأنظمة الحيوانية في شمال الصحراء الغربية فلها خصائص حوض البحر المتوسط، وفي الجنوب لها خصائص الصحراء الكبرى.
ووفق التقارير الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يتأثر التوزيع الجغرافي للنباتات البرية بالمناخ العام في مصر، حيث تمتد الأنواع النباتية المدارية والمتسللة امتدادا محدوداً من الجنوب، كما أن الأنواع النباتية من عناصر البحر المتوسط لا تمتد بعيداً في اليابسة وتبقى محدودة داخل الحزام الساحلي الضيق للبحر الأبيض المتوسط.
أثبتت الدراسات الحديثة التي أجريت بشأن الأنواع في مصر، وجود نحو 661 نوع من البلانكتون النباتي، و980 نوع من البلانكتون الحيواني، و440 نوع من العنكبيات، و1027 نوع من الأكاروسات، و7324 نوع من الحشرات، و132 نوع من الثدييات، و91 نوع من الزواحف، و7 أنواع من البرمائيات، و515 نوع من الطيور، و250 نوع من الشعاب المرجانية، و755 نوع من الأسماك، و73 نوع من الإسفنجيات، و552 نوع من الرخويات، بالإضافة إلى 2672 نوع من النباتات الزهرية.
على الرغم من أن التنوع البيولوجي المصري يعتبر غير عال نسبياً نتيجة للمناخ القاري، إلا أن الكثير من الأنواع تتواجد في بيئات مساحتها محدودة جداً وبالتالي هناك بعض أنواع النبات والحيوانات في صحارى مصر أصبحت بالفعل مهددة بالانقراض، وكذلك بعض الطيور التي تتكاثر وتهاجر في فصول محددة إلى بحيرات شمال الدلتا وسيناء.
ووفق تقرير حول الأخطار المحيطة بالتنوع البيولوجي، صادر عن وزارة البيئة المصرية، يتعرض التنوع البيولوجي في مصر لكثير من الأخطار، ما جعل جميع النظم البيئية والموائل والأنواع النباتية المصرية لم تعد في حالة توازن بيئي، حيث أن جميع البيئات المصرية سواء المياه الداخلية، الزراعية، الصحراوية وحتى الجبلية والبحرية وخاصة المناطق العميقة جداً في البحر المتوسط قد وصلتها يد الإنسان ما أدى إلى تدهور شديد في النظم البيئية والموائل والتنوع البيولوجي.
ويستثنى من ذلك ما يقرب من 14.6% من مساحة مصر حيث توجد المحميات الطبيعية التي تمارس الكثير من الأنشطة التي تحد من التدهور البيئي وتقلل فقد التنوع البيولوجي.
وتغطى المناطق المحمية في مصر، في الوقت الراهن نحو 8% من المساحة الكلية للبلاد، وتشمل هذه المناطق 21 محمية طبيعية تم تحديدها خلال الفترة من 1983 – 1999، وتصنف تلك المحميات ضمن 3 مجموعات، 11 محمية للأراضي الرطبة، و7 محميات للمناطق الصحراوية والجبلية، و3 محميات تكوينات جيولوجية وجيومرفولوجية.
اقرأ أيضًا.. الاحتباس الحراري والمياه في مصر.. تعددت السيناريوهات والخطر واحد
الخطر الأول: تفتيت وتدهور الموائل
يقول د. أشرف كروان الخبير البيئي إن السياسات التنموية الزراعية غير المخطط لها بدلتا مصر في العهود السابقة، أدت إلي زيادة كميات الصرف الزراعي المنصرفة بالبحيرات الشمالية بصورة مباشرة عبر المصارف المختلفة بالدلتا، ما أدي إلي زيادة نسبة الملوثات من المعادن الثقيلة وبقايا المبيدات الزراعية والمغذيات من الأسمدة الكيميائية بالكتلة المائية في معظم تلك البحيرات، ما عدا بحيرة البردويل، وزيادة تركيزات تلك المواد بالتربة القاعية والمياه بالبحيرات وكذلك تركيزاتها الحيوية داخل أنسجة الأسماك والكائنات البحرية التي تعيش بها، ما يؤثر بشكل سلبي علي العمليات الحيوية للنظم البيئية داخل البحيرات ويؤدي ذلك إلي تدهور المخزون السمكي وضعف الجذب السياحي لشواطئها.
أجرت وزارة البيئة مسوحات ميدانية للتعرف علي حالة التنوع البيولوجي ومدي تدهوره ثم تلي ذلك التنسيق مع المؤسسات المختلفة (الزراعة – الري – المحليات – إلخ) لإنشاء محطات خلط لمياه الصرف بالمياه العذبة بالإضافة إلي محطات معالجة للصرف بالقرب من نهايات المصارف المائية المتصلة بتلك البحيرات.
كما أدى استمرار استخدام الطرق التقليدية في ري المحاصيل الزراعية، خاصة بمناطق الدلتا والواحات بالصحراء الغربية، وكذلك ضعف أنظمة الصرف الزراعي الحالية إلي زيادة نسبة الأملاح وتركيزاتها بالتربة بمناطق الزراعات والاستصلاح الزراعي، ما أدي إلي تأثر العمليات البيولوجية الحيوية بالتربة سلباً وكذلك تناقص أعداد الكائنات المجهرية المفيدة للزراعة بالتربة وظهور مشكلة تملح التربة، ما ترتب عليه انخفاض الإنتاجية الزراعية للمحاصيل المختلفة بتلك المناطق، وزيادة العجز في المخزون الغذائي سنوياً.
أجرت وزارة الزراعة دراسات بحثية لاستنباط أنواع جديدة من سلالات المحاصيل المعدلة وراثياً يتم استخدامها في الزراعة ولها قدرة عالية علي تحمل التركيزات العالية لملوحة التربة هذا بالإضافة إلي قيام وزارة الري بتغيير أنماط الري بالغمر إلي الري بالتنقيط وكذلك تنفيذ تقنيات غير تقليدية للتخلص من الصرف الزراعي بتقنيات حديثة.
كما ساهمت عمليات استصلاح الأراضي للزراعة وما يرتبط بها من خدمات، بجانب التوسع الأفقي الزراعي المتزايد خلال الأعوام الأخيرة، إلي زيادة المساحات المنزرعة في المناطق الصحراوية وشق طرق جديدة ومجاري مائية لخدمة أغراض التنمية الزراعية، ما تسبب في تدهور وتفتت لبعض البيئات الطبيعية وخاصة في المنخفضات والواحات والعيون الطبيعية، والتي كان بها بعض النباتات والحيوانات البرية.
يضاف إلي ذلك عمليات التنمية العشوائية المستمرة للمناطق الحضرية، وردم واستقطاع مساحات شاسعة من الجسم المائي للبحيرات بهدف زيادة مساحة التمدد العمراني لاستيعاب الزيادة السكانية.
وترتب علي ذلك انحسار المسطحات المائية لتلك البحيرات ونتج عن هذا تدهور في العمليات البيولوجية والإيكولوجية لتلك البحيرات ونفوق العديد من الكائنات والأسماك بها نظراً لزيادة كثافة العشائر في المسطحات المائية ونقص الغذاء والاكسجين بتلك البحيرات.
حظرت الحكومة المصرية الردم بالبحيرات وفعلت القوانين البيئية وغلظت العقوبة علي المخالفين بالإضافة إلي قيام الحكومة بوضع خطط استراتيجية لتنمية البحيرات المصرية بصورة مستدامة.
ومن التهديدات التي تؤثر سلباً علي التنوع البيولوجي، وفق كروان، عمليات الاستكشاف واستخرج البترول والغاز والأنشطة التعدينية سواء من المناطق البحرية أو الأرضية حيث تعمل شركات البترول على البحث عن البترول باستخدام وسائل وتكنولوجيا متطورة جداً، وعندما تحدد مناطق تواجده، تقوم هذه الشركات ببناء المعسكرات والمضخات وإجراء الاختبارات على نوعيته. ويكمن الخطر هنا من حوادث التسربات البترولية وتدمير النظم البيئية الطبيعية والتأثير الطويل الأمد على الحياة الحيوانية (خاصة الطيور والكائنات البحرية) والمساهمة في هجرة الكائنات الحية لموائلها الطبيعية.
عملية استخراج البترول ينتج عنها أيضًا استخدام كميات ضخمة من المياه، والتي تلوث نتيجة الاستخدام، قبل إلقائها مرة آخري إلى الطبيعة وهو ما ينتج عنه تلوث للبيئة والمياه الجوفية.
هذه العملية تتسبب في تأثيرات حادة وقاتلة على الحياة البحرية لفترات زمنية طويلة تؤثر بشكل دائم على استمرارية التنوع البيولوجي البحري.
ويتسبب الإنشاء العشوائي المتسارع للقرى والمدن والمنتجعات الساحلية في إلقاء مخلفات الإنشاء فوق الشعاب المرجانية من أجل زيادة مساحة الشاطئ لبناء المزيد من المشاريع الإنشائية، ويضاف إلي ذلك إلقاء النفايات بالبحر، ما يؤدي إلى تدمير مباشر وكامل للنظام البيئي الخاص بالشعاب فيزداد نمو الطحالب البحرية، التي تحجب الضوء عن الشعاب المرجانية، وبالتالي تفقد طحالب “الزوزانثللي”، المتواجدة داخل الأنسجة الحية من الشعاب المرجانية، القدرة على توفير الغذاء للبوالب المرجانية وبالتالي نفوقها.
عدل جهاز شئون البيئة من خلال قطاع حماية الطبيعة قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، لتغليظ العقوبة الخاصة بتدمير الموائل الطبيعية وبالأخص الشعاب المرجانية.
اقرأ أيضًا.. الاحتباس الحراري يهدد 10 محاصيل زراعية في مصر “الطماطم في خطر”
الخطر الثاني: الأنواع الغريبة والغازية
تم إدخال الكثير من النباتات والحيوانات الزراعية إلى مصر عبر القرنين الماضين، وأصبحت ذات أهمية اقتصادية كبيرة وخاصة في قطاع الزراعة، مثل القطن، الفواكه، الأجناس الحيوانية شاملة الأسماك والدواجن وحيوانات الماشية والأبقار، ما أدى إلى إهمال الأنواع المصرية وتدهورها حتى يكاد بعضها أن يختفي.
على جانب أخر، وصل مصر الكثير من الأنواع النباتية والحيوانية سواء بطرق متعمدة، بغرض زيادة الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، أو بطريقة غير متعمدة، الأمر الذى أدى إلى وجود الكثير من الأنواع الغريبة الغازية التي أثرت سلباً على البيئة الزراعية، الآفات الزراعية مثل سوسة النخيل، والمائية مثل ورد النيل، واستاكوزا المياه العذبة، وبالتالي يتعرض حالياً التنوع البيولوجي المصري لكثير من التهديدات السلبية نتيجة إدخال الأنواع الغازية إلى مصر.
ويعتبر ورد النيل، وموطنه الأصلي المناطق الاستوائية بأمريكا الجنوبية، مشكلة تهدد المجاري المائية في 50 دولة، وتعتبر أشهر الربيع والصيف هي موسم التكاثر له ويقل نهاية الخريف ويجف ويتوقف نشاطه في فصل الشتاء.
يتكاثر ورد النيل بمعدلات سريعة جدا خاصة إذا تهيأت له الظروف المناسبة كالحرارة أو قلة الملوحة بالمياه وارتفاع نسبة المخلفات كمخلفات المصانع والأسمدة فى المصارف والترع.
وساهم توقف الفيضانات في انتشار ورد النيل بتلك الطريقة خاصة أن الفيضانات تكنس وتغسل النهر من بقايا النبات والمخلفات والنموات الجديدة للحشائش المائية، كما ساعد خلو النيل من الطمى على تخلل الضوء للمياه بأعماق كبيرة ساعدت على نمو الحشائش وتكاثرها خاصة ورد النيل.
أدي كل ذلك إلي زيادة مفرطة في نمو ورد النيل على أسطح الأنهار والترع والمصارف والقنوات والمستنقعات، ما أدي إلي إعاقة الملاحة وسد الترع وتعطيل الري وتجمع والتصاق القواقع والمحارات خاصة قواقع البلهارسيا بالجذور، فتقل نسبة الأكسجين الذائب في الماء ورفع درجة قلويته ما أدي أيضاً إلي انخفاض أعداد الأسماك وإعاقة الصيد.
أما المشكلة الكبرى الناتجة عن هذا النبات فهو امتصاصه الشره للمياه حيث يساعد كبر المساحة السطحية لورقة ورد النيل وطفو النبات فوق سطح المياه إلى فقدان كميات كبيرة من مياه النيل تصل لحوالي ثلاثة مليارات متر مكعب من المياه.
ويلفت مهندس حسام محرم، مستشار وزير البيئة الأسبق، في تصريحات خاصة لـ “اوزون”، الانتباه لتهديد أخر، يتمثل في أن الكثير من الكائنات والأنواع لم يتم حصرها ووصفها بشكل دقيق حتى الآن، وهو ما يمثل خطرًا على استدامتها في ظل التقدم التكنولوجي والتنمية الاقتصادية الجارية على قدم وساق منذ بداية الثورة الصناعية خلال الثلاثة قرون الأخيرة.
ويضيف: “التنوع البيولوجي يعد جزءًا أساسيًا من الثروة الوطنية الاقتصادية لأي دولة، وتحظى هذه الأنواع بـ الحماية من خلال ما يسمى بحق الملكية للدولة صاحبة هذه الأنواع، بشرط أن تقوم كل دولة بحصر ووصف تلك الأصناف وحفظ البصمة الوراثية لكل نوع منها حتى تحفظ حقوقها في ملكية هذه الأصناف، وذلك لمواجهة أي قرصنة محتملة يمكن أن تحدث في ظل الممارسات الشائعة في الاقتصاد العالمي، التي تتضمن منافسات غير أخلاقية في العديد من المجالات”.
تتلخص استجابة الحكومة المصرية تجاه مشكلة ورد النيل في تنفيذ خطط مكافحة بطول المجاري المائية والتي ترتكز علي محورين رئيسيين هما المكافحة الميكانيكية الأمنة لورد النيل والتي تكون كلفتها مرتفعة والمحور الثاني عبر المكافحة البيولوجية عن طريق استخدام أسماك مبروك الحشائش والتي تأكل جذور النبات وبالتالي القضاء عليه كلياً.
الخطر الثالث: الاستهلاك والاستخدام الجائر للمياه
نتيجة للزيادة السكانية المتزايدة في مصر حول ضفاف نهر النيل والدلتا وبعض المدن الساحلية، أصبح هناك استغلال مفرط وغير مخطط للموارد الطبيعية المتاحة صاحبه ضعف في التقنيات واستسهال في تطبيق اللوائح والنظم والقوانين، ما نتج عنه ظهور العديد من التحديات والقضايا البيئية.
في منطقة الصحراء الغربية والواحات يساء استعمال المياه وتتعرض للفقد السريع نظراً للقيام في الزراعة بعمليات الري السطحي بالغمر، وبعض النشاطات المضرة الأخرى.
كما أن الانجراف المائي نتيجة تجمع المياه والأمطار من المناطق المرتفعة فى الصحراء الشرقية وشبه جزيرة سيناء ذات المساحات الكبيرة إلى الوديان المحدودة المساحة ذات الميول السريعة وفى اتجاه المناطق الساحلية المنخفضة، تسبب السيول وتضيع معظم هذه المياه في البحر الأحمر أو في قاع الوديان بعد تجريفها للتربة أثناء تحركها حاملة معها المواد العضوية والعناصر الغذائية ويساعد على هذه العملية نقص الغطاء النباتي وتعرضه للرعي الجائر في هذه المناطق.
شارك جهاز شئون البيئة في المخطط الوطني للسدود والذي تم وضعه من قبل وزارة الري ونتج عنه تنفيذ سدود وخزانات تجميع مياه بالأودية الرئيسة ببعض المحميات والمناطق المحيطة بها.
بالإضافة إلى عمليات الرعي الجائر فى أراضي الساحل الشمالي لسيناء وتآكل الغطاء النباتي بدرجات متفاوتة نتيجة لزيادة الحمولة الرعوية وزيادة عدد رؤوس الحيوانات وأيضا تحويل مساحات كبيرة من الأراضي الرعوية الطبيعية إلى زراعات مطرية والتي تعتبر من عوامل تدهور التربة بهذه المنطقة نظراً لفقد الغطاء النباتي الطبيعي .
أما التوسع العمراني والحضري على السواحل، فقد أدي إلي تدمير معظم الأراضي على الشريط الساحلي الغربي والتي كانت مزروعة بالتين والزيتون على مياه الأمطار منذ سنوات عديدة كما ساهم التوسع في القرى السياحية على ساحل البحر الأحمر إلى فقد لبيئة المنجروف الهامة كموطن لبعض الأسماك والقشريات والشعاب المرجانية وأدى كل ذلك إلى إزالة الغطاء النباتي الكثيف الموجود بتلك السواحل وبالتالي القضاء على العديد من الكائنات الحية التي تعتمد عليه وتقليص التنوع البيولوجي الخاص بهذه المناطق والتأثير السلبى على السياحة البيئية.
وضع قطاع حماية الطبيعة مخطط يهدف لإعلان محميات جديدة من أجل الحفاظ علي ما تبقي من النظم الساحلية بصورتها الطبيعية.
اقرأ أيضًا.. تسخير الشمس في أسوان.. “بنبان” قفزة مصرية نحو طاقة نظيفة ومستدامة
الخطر الرابع: التغيرات المناخية
مهندس حسام محرم أكد أن التغيرات المناخية تمثل تهديدًا كبيرًا للتنوع البيولوجي، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع أو هلاك في بعض الأنواع الحيوية، وما يمثله ذلك من خسارة هائلة للبشرية جمعاء وليس لمصر فقط.
حيث أن المناخ في مصر قد تغير بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وتشير العديد من الدراسات حول توزيعات درجات الحرارة الموسمية في مصر في أعوام 2005، 2025، 2050، 2075، 2100، إلى أنه من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في جميع الفصول الأربعة، وسوف تنتقل درجة الحرارة العالية من الجنوب إلى الأجزاء الشمالية من مصر في 100 عام المقبلة، مما سوف يؤدي إلي حدوث انكماش في مساحة الأرض الصالحة للزراعة وأيضاً حدوث تحول في توقيتات الدورات الزراعية.
وتؤكد التقارير الصادرة عن وزارة البيئة المصرية أن ذلك سيترتب عليه حدوث تغيير في أنظمة إنتاج المحاصيل والتي ستكون تحت ضغط شديد لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء فى المستقبل، وهذا سوف يؤدي بالتبعية إلي انخفاض مستويات البروتين في بعض المحاصيل البقولية.
أنشأت الحكومة المصرية المجلس القومي للتغيرات المناخية والذي سوف يقوم بدراسة وإقرار الحلول والمشروعات التي سوف تساهم في الجهود الوطنية للتكيف مع سيناريوهات تغير المناخ المتوقعة.
بجانب أن ارتفاع درجات الحرارة نتيجة تغير المناخ أدي إلي حدوث تغير في أنماط وتواجد ونمو العديد من الكائنات النباتية والحيوانية مما ترتب عليه قلة تلك الكائنات نتيجة هجرتها لأماكن تواجدها الطبيعة ولهذا فقد قام العديد من العاملين بقطاع حماية الطبيعة بتنفيذ عدد من الدراسات على نمذجة توزيع الأنواع لتقييم تأثير تغير المناخ على التنوع البيولوجي فى مصر.
الدولة وحماية التنوع البيولوجي
صدقت مصر خلال الـ 80 عام الماضية على 9 اتفاقيات إقليمية وعالمية لها اتصال وثيق بتنفيذ تدابير صون التنوع البيولوجي، أخرها اتفاقية التنوع البيولوجي التي تم التوقيع عليها أثناء قمة الأرض في (1992)، وصدقت مصر عليها في (1994).
كما أصدرت مصر عدداً من القوانين واللوائح التي تحمى أنواع الحيوان والنبات وتحظر صيد الحيوانات البرية أو إتلاف أوكارها.
ومنذ أن وقعت مصر عام (1992) على اتفاقية التنوع البيولوجي، أنشأ جهاز شئون البيئة الوحدة الوطنية للتنوع البيولوجي في إطار إدارة المحميات الطبيعية بالجهاز، وجعل للوحدة تنظيم يحقق التعاون بين الهيئات العلمية والتنفيذية والمنظمات الأهلية (الجمعيات).
ومع انتهاء الإطار الزمني للخطة، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمة أمام مؤتمر التنوع البيولوجي في الصين نهاية العام الماضي، أن مصر عملت بجهد دؤوب منذ مؤتمر أطراف شرم الشيخ عام 2018، على إطلاق مرحلة جديد للعمل الجماعي وصياغة إطار عالمي للتنوع البيولوجي لما بعد 2020، ووضع أهداف قابلة للتحقيق مدعومة بآليات واضحة للتنفيذ”.
استضافت مصر مؤتمر الأطراف الرابع عشر لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، 3 سنوات متتالية، فى الفترة من نوفمبر 2018 إلى أكتوبر 2021، وهي أطول فترة فى تاريخ اتفاقية الأمم المتحدة لـ التنوع البيولوجي.
يقول مهندس حسام محرم إن مصر أصدرت استراتيجية وطنية للتنوع البيولوجي تغطي الفترة من 2015 وحتى 2030، والتي تعد امتدادًا وتحديثًا لخطط مماثلة سابقة.
ويضيف: “تتضمن هذه الاستراتيجية وصفًا للثروة الأحيائية والجيولوجية والتراثية لمصر، ووصف للمحميات الطبيعية، وتتطرق لخطة العمل الخاصة بحماية هذا التنوع الأحيائي الذي تمتلكه مصر، ويعد جزءًا من ثروتها الاقتصادية، واحتياطي استراتيجي للعملية التنموية في مصر، في ظل تزايد الاحتياجات المجتمعية مع تزايد تعداد السكان المتوقع خلال العقود المقبلة”.
وفي العام الماضي، 2021، وضعت الدولة أول مسودة لخارطة الطريق للحفاظ على التنوع البيولوجي، ونوقشت في أغسطس 2021 على مستوى مجموعات العمل ، وتضمنت المسودة إعادة النظم البيئية مرة أخرى والحفاظ على البيئة البحرية التي تمثل أكثر نصف العالم والحفاظ على الأنواع المعرضة للانقراض سواء نباتات أو حيوانات وكيفية استخدام أنواع معينة من النباتات في الدواء ووقف الانتهاكات التي تحدث في الغابات في دول أخرى والاتجار غير المشروع في الحياة البرية خاصة في الدول التي يعتمد اقتصادها على فكرة السفاري .
ووفق المسودة، تعمل الدولة على مجموعة محاور في نفس الوقت، تضم أهداف معالجة أسباب التنوع البيولوجي والحد من الضغوط عليه، مع تعزيز الاستخدام المستدام، ودمج حماية النظم الإيكولوجية، والأنواع والتنوع الجيني، بالإضافة إلى تعزيز المنافع من التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، إلى جانب تنفيذ الخطة من خلال التخطيط التشاركي وبناء القدرات.