بعد تأجيل أكثر من ستة أشهر، انطلقت النسخة الثالثة والثلاثون من بطولة افريقيا التي تستضيفها الكاميرون، وذلك في الفترة من 9 يناير إلى 6 فبراير من العام الجاري، والتي لعب المناخ وتغيراته دورًا مهمًا في تحديد موعدها، ما جعل الحديث عن التغيرات المناخية وأثارها في الكاميرون بشكل خاص وإفريقيا بشكل عام، يعود للواجهة من جديد.
شهدت هذه النسخة من البطولة جدلًا واسعًا طوال العام الماضي بسبب قرار الاتحاد الأفريقي لكرة القدم “الكاف” تأجيلها من صيف 2021 إلى شتاء 2022، بما لا يتوافق مع قراره الصادر في عام 2017 بترحيل موعد المسابقة لتقام في الصيف بدلا من الشتاء، وهو ما طُبق في نسخة 2019 التي استضافتها مصر بين يونيو ويوليو 2019، وظل تنظيم البطولة مهددًا بالسحب من الكاميرون إلى أي دولة أخرى بسبب هذا الجدل، إلى أن حسم الكاف موقفه في النهاية وقرر إجراء البطولة في الموعد المقرر لها.
ورغم أن إقامة البطولة في فصل الشتاء تلقى امتعاض أندية عدة لاسيما الأوروبية منها، لاضطرارها للاستغناء عن لاعبين بارزين في صفوفها خلال فترة تعد مهمة بالنسبة إليها على الصعيدين الوطني والقاري، إلا أن طقس الكاميرون الصيفي ومناخها حسم الجدل.
التأجيل كان لأسباب تتعلق بالظروف المناخية لدولة الكاميرون، وفق بيان الكاف الرسمي العام الماضي، الذي كشف فيه عن استحالة إقامة البطولة الإفريقية صيفا بسبب الطقس الحار الذي تعرف به الكاميرون في هذه الفترة، خاصة أن أغلب مباريات البطولة سوف تلعب عصرا أو مساء، وهو نفس ما أشار إليه الاتحاد الكاميروني عندما أكد أن أسباب نقل البطولة من الصيف الى الشتاء تعود إلى ظروف المناخ في الصيف، حيث تصل درجة الحرارة إلى 35 درجة مئوية
ودفعت الملابسات التي حدثت على هامش النسخة الحالية من البطولة، رئيس الاتحاد الإفريقي أحمد أحمد، للتأكيد على أن موعد بطولة افريقيا لن يكون ثابتا بعد الأن، بل سيكون قابلا للتكيف مع اعتبارات عدة لاسيما منها الظروف المناخية، نظرا للارتفاع الشديد للحرارة في القارة الأفريقية خلال الصيف.
اقرأ أيضًا.. إيطالي يستيقظ من نومه فيجد منتجعه في سويسرا.. والسبب: تغيرات المناخ
بطولة افريقيا وتغيرات المناخ في الكاميرون
تقع الكاميرون في وسط غرب إفريقيا، يتغير المناخ فيها من وقت لآخر، ومن مكان لآخر أيضًا، حيث يختلف تبعا للتضاريس.
تشمل المناطق المناخية الرئيسة في البلاد مناخ شبه جاف وحار في الشمال، ومناطق السافانا المدارية في الجزء الأوسط من البلاد، والرياح الموسمية والمناخ الاستوائي في الجنوب وكذلك على طول الساحل.
في دوالا المدينة الرئيسية في الكاميرون، تتسم المدينة بمناخ استوائي حار طوال العام، مع موسم جاف من ديسمبر إلى فبراير وموسم مطير طويل من مارس إلى نوفمبر، مع هطول أمطار غزيرة من يونيو إلى أكتوبر، والذروة في أغسطس، وفي الواقع تضربها الرياح الموسمية الأفريقية مباشرة.
أما في الأجزاء الشمالية يتسم المناخ بأنه حار وشبه جاف مع شمس حارقة، وتستمر فترة سخونة الكاميرون من مارس حتى مايو، حيث يمكن أن تصل درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية، في حين يستمر موسم الجفاف من أكتوبر حتى أبريل، وتستقبل هذه المنطقة حوالي 760 ملم من الأمطار سنويًا، معظمها يحدث بين منتصف مايو وسبتمبر.
وفي الصيف تنتشر العديد من الأمراض في البلاد بسبب ارتفاع درجة الحرارة، مثل مرض “الملاريا”، الذي ينتقل عبر لدغات البعوض حامل العدوى، ويسبب إعياء شديد وقشعريرة مصحوبة برجفة للمصابين به، تحديدًا مع ارتفاع في درجة الحرارة، ويموت أكثر من 400 ألف شخص في العالم سنويا بسبب هذا المرض.
وواجهت الكاميرون تغيرات مناخية متطرفة خلال الأعوام الماضية، لعل أبرزها ما شهدته منطقة أقصى الشمال في الكاميرون بسبب غياب الأمطار في الصيف وانتشار الجفاف بالمنطقة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما أدى لاشتباكات وصراعات أدت بدورها إلى النزوح الجماعي من الكاميرون.
تقول هيئة الأمم المتحدة في تقرير لها عن الصراعات في تلك المنطقة، إن تغير المناخ بات حقيقة واقعة في هذه البقعة من الساحل حيث ترتفع درجات الحرارة فيها بمعدل 1.5 مرة بشكل أسرع من المتوسط العالمي.
تضاءلت كميات الأمطار في سهل لوغون – بيرني، مما أدى إلى جفاف الأنهار والبرك الموسمية التي يعتمد عليها السكان في كسب عيشهم.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن 80 بالمائة من أراضي المنطقة الزراعية قد تدهورت، على مدى 60 عامًا مضت، حيث انخفض سطح بحيرة تشاد، والتي يعد نهر لوغون أحد روافدها الرئيسية، بنسبة تصل إلى 95 بالمائة.
في مواجهة هذا الوضع، حفر الصيادون والمزارعون من قبيلة موسغوم خنادق شاسعة للاحتفاظ بمياه النهر المتبقية حتى يتمكنوا من صيد الأسماك وزراعة المحاصيل. لكن الماشية التابعة للرعاة العرب من قبيلة شوا عادة ما تقع في هذه الخنادق الموحلة، حيث علقت فيها مواشيهم وتكسرت أرجلها أثناء محاولتها الخروج.
وكانت مثل هذه الحوادث السبب في اندلاع الاشتباكات في 10 أغسطس الماضي، حيث تم خلالها استخدام الأسلحة التقليدية بما في ذلك الأقواس والمناجل، ليتصاعد النزاع على نحو سريع.
ونشرت الكاميرون قوات أمن وقامت بعمليات نزع السلاح وبجهود الوساطة لإنهاء الاشتباكات. وعلى الرغم من استعادة الهدوء النسبي، فإن العديد من اللاجئين، إضافة إلى 12,500 نازح داخل الكاميرون، لن يعودوا إلى مناطقهم على الفور، لا سيما أولئك الذين أحرقت منازلهم.
لم يتمكن المزارعون من رعاية محاصيلهم لعدة أسابيع في منتصف موسم الأمطار، وهو وقت في غاية الأهمية حيث تتطلب فيه المحاصيل قدراً كبيراً من العناية. لكنهم خسروا الكثير من المحاصيل حتى الآن.
خلفت الاشتباكات التي تلت ذلك بين الرعاة والصيادين 45 قتيلاً و 74 جريحاً. وتعرضت 19 قرية للحرق واضطر أكثر من 23,500 شخص للفرار.
الجفاف ونقص الأمطار ليست الأزمة الوحيدة التي تتعرض لها الكاميرون بفعل التغيرات المناخية، حيث تواجه البلاد أزمة سنوية في الجنوب بسبب السيول، تبدأ في الغالب في منتصف أغسطس من كل عام، وتتأثر بها دوالا العاصمة الاقتصادية للكاميرون، حيث تغمر مياه السيول أحياء المدينة في موسم الأمطار.
بسبب الاحتباس الحراري تشهد هذه المدينة الكاميرونية الساحلية، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، المزيد من الفيضانات سنويًا.
على صعيد أخر، تواجه بعض الأماكن في الكاميرون انقطاعات عشوائية ومفاجئة في التيار الكهربائي بسبب انخفاض إنتاج سد لاغادو في بحيرات المقاطعات الشمالية، والذي تأثر بانخفاض هطول الأمطار في منطقة تجمع نهر بينوي.
تستهلك الكاميرون ما قيمته 140 مليون فرنك أفريقي من واردات زيت الوقود كل يوم في الشمال؛ وتعاني البلاد بشدة من نقص كبير في إنتاج الكهرباء خاصة مع تناقص الأمطار.
لذا قررت الحكومة الكاميرونية الاعتماد على حلول الطاقة الشمسية لمحاولة ضمان إمدادات الطاقة للمنازل في أقصى الشمال، خاصة قبل كأس الأمم الأفريقية 2022، لضمان تلبية احتياجات الكهرباء أثناء بث المباريات.
وركبت الكاميرون، خلال العام الماضي، أربع محطات تعمل بالنظام الشمسي بقدرة 55 ميجاوات لتعزيز اتصالها بالشبكة الشمالية، مما يسمح للسكان في المناطق القريبة من الشبكة، حيث تنقص الكهرباء، بمشاهدة مباريات كأس الأمم الأفريقية دون انقطاع في الإمداد.
اقرأ أيضًا.. Don’t Look Up صرخة نجوم هوليوود لتحذير العالم من تغيرات المناخ
إفريقيا الأكثر تضررًا
وكان العديد من العلماء قد حذروا من أن الاحتباس الحرارى العالمي ربما يتسبب في نوبات جفاف شديدة في الكاميرون وباقي دول إفريقيا بالإضافة إلى زيادة فيضانات إفريقيا، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية.
وكانت القارة الأفريقية، من أكثر بقاع العالم تأثرًا بأزمة تغير المناخ خلال العام الماضي، حيث شهدت العديد من بلدان القارة فيضانات وجفافًا وموجات حر وحرائق ومجاعات اجتاحت، مع ارتفاع غير مسبوق في التكلفة البشرية لتغير المناخ وأثاره في القارة.
ويقدّم تقرير حالة المناخ في أفريقيا 2020، الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، لمحة عن اتجاهات تغيّر المناخ وآثاره، بما يشمل ارتفاع مستوى سطح البحر وذوبان أشهر الأنهار الجليدية في القارة.
ويسلّط التقرير الضوء على التأثر الزائد لإفريقيا بتغيّر المناخ، ويبيّن أن المنافع المحتملة للاستثمار في إجراءات التكيّف مع تغيرات المناخ، وخدمات الطقس والمناخ ونظم الإنذار المبكر تفوق بكثير تكاليف الأثار السلبية المحتملة.
ويشير التقرير إلى أن مؤشرات المناخ في أفريقيا اتسمت باستمرار درجات الحرارة المرتفعة، وتسارع ارتفاع مستوى سطح البحر، وظواهر الطقس والمناخ المتطرفة، كالفيضانات والجفاف والانهيارات الأرضية، وما نجم عنها من آثار مدمرة.
كما ينذر الانحسار السريع لآخر الأنهار الجليدية المتبقية في شرق أفريقيا، والمتوقع أن يذوب كلياً في المستقبل القريب، بخطر حدوث تغيّر وشيك، لا رجعة فيه في نظام الأرض.
الدكتور لوك هارينجتون، الباحث البارز فى علوم المناخ، بجامعة فيكتوريا فى ويلينجتون فى نيوزيلندا قال لصحيفة الإندبندنت البريطانية، سبتمبر الماضي، إن تواتر موجات الحر الشديدة بشكل غير عادى يتزايد بسرعة فى جنوب الصحراء الكبرى بالقارة الإفريقية بسبب تغير المناخ.
وحذر هارينجتون من أن درجات الحرارة الشديدة فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا يتم الإبلاغ عنها حاليًا بشكل مزمن، وذكر أن أكبر قاعدة بيانات لأحداث الطوارئ فى العالم لاحظت موجتين حرارتين فقط فى أفريقيا جنوب الصحراء منذ بداية القرن العشرين، وإن قلة الإبلاغ عن موجات الحر في أفريقيا جنوب الصحراء يمكن أن يعرض الناس للخطر، لأن السجلات مطلوبة لفهم عدد الأشخاص الذين يموتون في ظواهر الحرارة الشديدة. وأكد أن صانعو السياسات بدون هذه المعلومات، سوف يكونوا أقل قدرة على وضع التدابير اللازمة لمساعدة الناس على التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة القصوى.
على جانب أخر، كشف بحث أجراه العلماء بـ مكتب الأرصاد الجوية بالتعاون مع الباحثين فى معهد علوم المناخ والغلاف الجوى بجامعة ليدز عام 2019، عن التأثير المحتمل لارتفاع درجات الحرارة على أفريقيا، مؤكدًا أن المناطق الغربية والوسطى ستعانى من أسوأ آثار اضطرابات الطقس.
ستشهد القارة العديد من نوبات هطول الأمطار الغزيرة خلال الثمانين عاماً القادمة، وفق الدراسة، والتى من شأنها أن تؤدى إلى الفيضانات المدمرة والعواصف وتعطيل الزراعة.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تتخلل هذه الأحداث المزيد من حالات الجفاف المعطلة خلال موسم النمو ما قد يؤدى أيضًا إلى تلف إنتاج المحاصيل والأغذية.
الدكتور علي قطب، أستاذ المناخ بجامعة الزقازيق، يؤكد أيضًا أن أفريقيا أكثر قارة متضررة من التغيرات المناخية، ومن هنا تأتى أهمية عقد مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ القادم “COP 27” بشرم الشيخ في العام المقبل.
وقال قطب إن قمة المناخ العام المقبل ستناقش سبل توفير تمويل المشروعات التي تواجه التغيرات المناخية خاصة في إفريقيا.
ويرى الخبراء أن القمة المصرية أمامها تحديات كبرى وأهداف يجب تحقيقها، واتفاقات والتزامات يجب مراجعتها ومراقبتها، حيث ينتظر العالم من قمة المناخ المقبلة المزيد من التحرك نحو هدف اتفاقية باريس بالحفاظ على متوسط تغير درجة الحرارة العالمية لأقل من درجتين مئويتين وأقرب ما يمكن من 1.5 درجة مئوية.
كما ينتظر العالم من القمة المصرية تقدمًا ملحوظًا في ملف مشاركة الدول الغنية ودعمها للدول الأخرى، وتحديدًا البلدان النامية في إفريقيا، باعتبارها الأكثر معاناة من الآثار المدمرة لتغير المناخ رغم أنها تساهم بأقل قدر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والاتفاق على مزيد من الاستثمارات والدعم المالي لزيادة مرونة هذه البلدان في مختلف القطاعات من البنية التحتية الخضراء والزراعة والتعليم.