تحول الرقم 1.5 درجة مئوية إلى هاجس لدى العالم بأكمله، دول ومنظمات ونشطاء، سعيًا إلى تدارك أزمات تغير المناخ التي تهدد مستقبل العالم بكوارث لم يشهدها من قبل.
وفق العلماء، ارتفعت درجة حرارة الأرض الآن بمقدار 1.1 درجة مئوية من مستويات ما قبل الصناعة، وكي لا نصل إلى وضع كارثي، لا بد من كبح ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية.
ما الهدف؟
يلزم اتفاق باريس المبرم في 2015 الدول بالعمل على بقاء متوسط الزيادة في درجة حرارة الكوكب تحت درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية واستهداف قصر الزيادة على 1.5 درجة مئوية.
فحتى إذا خفض العالم الانبعاثات بدرجة كبيرة خلال العقد المقبل، فقد يرتفع متوسط درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية بحلول 2040 وربما 1.6 درجة بحلول 2060 قبل أن يستقر.
وأشار التقرير إلى أن الموجات الحارة تزيد بوتيرة أكبر من أي ظروف مناخية قاسية أخرى نتيجة تغير المناخ، وأن الموجات شديدة الحرارة التي كانت تحدث مرتين في القرن فحسب قد تحدث تقريبا مرة كل ست سنوات مع ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية وهو معدل يقول التقرير أننا قد نتخطاه خلال عقدين.
لماذا يعتبر 1.5 درجة مئوية هدفا مهما؟
منذ توقيع اتفاقية باريس في 2015، أصبح العلماء أكثر يقينا من أن ارتفاع درجة الحرارة العالمية درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة سيكون كارثيا، وأن ارتفاعها أيضًا إلى 1.5 درجة مئوية لن يكون أمرًا هينًا، لكنه أفضل السيناريوهات المطروحة وأقلها ضررًا.
وفقا لـ “للتقرير الأول من التقييم السادس” الصادر عن فريق الأمم المتحدة الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، الصادر صدر في أغسطس 2021، رغم أن درجة الحرارة العالمية ارتفعت بمقدار 1.1 درجة مئوية “فقط” مما كانت عليه تاريخيا، إلا أن الموجات شديدة الحرارة التي كانت تحدث مرتين في القرن فحسب، زادت خمس أضعاف، وأصبحت تحدث مرة كل 10 سنوات، فما هو الحال إذن عند ارتفاع درجات الحرارة درجتين مئويتين؟
سيحدث الآتي: الموجات شديدة الحرارة ستتكرر بوتيرة أسرع، قد تصل لـ 14 ضعف، أي 28 مرة في القرن بدلًا من مرتين، وستكون أشد حدة.
كما أن الوصول إلى درجتين مئويتين يعني فقدان 99٪ من الشعاب المرجانية، التي تدعم سلاسل الأغذية البحرية بأكملها في المحيطات.
ويعني أيضًا ذوبان الغطاء الجليدي في غرب القارة القطبية الجنوبية للأبد، ما سوف يتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر 5 أمتار (حوالي 16 قدما)، وهو ما يكفي لإغراق أجزاء كبيرة من أغلب المدن الساحلية في جميع أنحاء العالم.
لذا فإن 1.5 درجة مئوية هو الهدف الأساسي، وكل عُشر درجة نتجاوزها فوق 1.5 درجة مئوية تجعل الأضرار المناخية أكبر بكثير، ويصعب احتواء الأزمة.
“عندما تتجاوز عتبة درجة ونصف، سوف يصبح من الصعب جدا جدا على البشر احتواء الأزمة أو التكيف مع أثارها.
اقرأ أيضًا.. ما هو تغير المناخ؟ كل شيء عن أزمة القرن الـ 21
ما الذي يتطلبه الأمر لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية؟
الخبر السار هو أن علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ومعظم الخبراء يقولون إن البشرية لديها تقريبا كل المعرفة والأدوات اللازمة للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
والتحديات، وفق الخبراء، ليست تكنولوجية في المقام الأول؛ بل هي تحديات سياسية واقتصادية.
للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية، خلص الخبراء إلى ضرورتين رئيسيتين: أولا، يتعين على الاقتصاد العالمي أن يتخلى بسرعة عن النفط والغاز والفحم وأن يتحول إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة غير الكربونية.
ثانيًا، يتعين على البشر أن يضعوا حدًا لإزالة الغابات، التي يرجع أسباب إزالتها بشكل كبير إلى عوامل اقتصادية، تستهدف التوسع في إنتاج لحوم البقر عبر تخصيص تلك المساحات لرعاية الماشية، أو لزراعة فول الصويا وزيت النخيل.
التحول للطاقة النظيفة
كان الفحم المحرك الرئيس للاحتباس الحراري منذ أن بدأ استخدامه عقب الثورة الصناعية في بريطانيا العظمى قبل 250 عاما.
اليوم، يجب التخلص التدريجي من الفحم في جميع أنحاء العالم، ليكون هدف 1.5 درجة مئوية في متناول اليد.
وفق تقديرات العلماء في دراسة أجريت عام 2021 في مجلة Nature، حوالي 90٪ من احتياطيات الفحم اليوم يجب أن تترك داخل الأرض ويمنع استخراجها.
أعلنت وكالة الطاقة الدولية (IEA) أن الحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية يتطلب أيضا عدم بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة بالفحم.
يجب أن تتحول المحطات الحالية بسرعة إلى استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع اجراءات لتقليل الطلب على الكهرباء من خلال تحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني والآلات، ما يوفر أيضا المال ويزيد فرص العمل.
تعد فوائد تحسين كفاءة استخدام الطاقة أداة أساسية لخفض الانبعاثات وتعزيز الاقتصاد معًا، ويجب شرحها للجمهور بمزيد من التعمق.
يجب أن ننفذ نفس السيناريو مع النفط والغاز، في هذه الحالة سنترك حوالي 60٪ من الاحتياطيات داخل الأرض.
أكدت وكالة الطاقة الدولية على هذه النقطة، مشيرة إلى أن تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية يتطلب عدم بناء بنية تحتية جديدة للوقود الأحفوري في أي مكان على وجه الأرض.
هذا يعني عدم التنقيب عن احتياطيات إضافية، وعدم وجود حقول نفط جديدة، ولا خطوط أنابيب، ولا محطات لتصدير الغاز السائل، وما إلى ذلك.
ولمنع الاقتصاد العالمي، الذي يعتمد حاليا على الوقود الأحفوري في 80٪ من طاقته، من الانهيار خلال تنفيذ هذه الاجراءات، يجب خفض الطلب على الوقود بشكل جذري، عن طريق تحولات جذرية في قطاع النقل العالمي، مثل استخدام السيارات الكهربائية، بدلًا من التي تعمل بالبنزين، كما يجب أن تستخدم السيارات بشكل أقل، من خلال إعادة تصميم المدن والضواحي بطرق تناسب تلبية احتياجات السكان من خلال النقل الجماعي وركوب الدراجات والمشي وما إلى ذلك.
يحتاج العالم أيضًا إلى إزالة الكربون من قطاع الكهرباء، عن طريق منع استخدام الغاز في محطات التوليد، واستبداله بالطاقة الشمسية وغيرها من الطاقة النظيفة، وكهربة كل ما يعمل بالوقود بالأحفوري، واستخدام بعض أنواع الهيدروجين للبقية.
وقف إزالة الغابات
على جانب أخر، تعتبر الصلة بين قطاعي الأغذية والغابات أمرًا بالغ الأهمية، فالسبب الرئيس وراء قطع الغابات حول العالم بهذه المعدلات الكارثية يتلخص في زراعة وتوفير المزيد من المنتجات الغذائية، وخاصة لحوم البقر وفول الصويا وزيت النخيل.
على سبيل المثال، تم إزالة مساحات كبيرة من غابات الأمازون المطيرة وتحويلها إلى مزارع لتربية الماشية وإنتاج الغذاء، لدرجة أن الكثير منها قد تحول من بالوعة لتخزين الكربون إلى مصدر لإطلاق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
لذا يجب أن نحافظ على سلامة الغابات حتى تستمر في امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي عن طريق عملية التمثيل الضوئي الشهيرة، ومن ثم تخزين الكربون في الأشجار والتربة.
يقترح بعض العلماء أن يغير الناس من عاداتهم الغذائية لاستهلاك كميات أقل من اللحوم، هذا أمر مفيد لكنه لن يحل المشكلة، ويشبه لحد كبير الدعوات إلى ركوب الحافلات بدلا من قيادة السيارات.
هذه التغييرات الفردية في نمط الحياة لا يمكن أن تحل المشكلة الأساسية طالما أن النظام الاقتصادي العالمي الذي يتسم بالجشع، ويسعى للنمو دون أي اعتبارات أخرى، في حين أن السياسات الحكومية تجعل تدمير المناخ أكثر ربحية من حمايته.
اقرأ أيضًا.. صافي صفر.. قصة أهم وأغلى 0 في العالم
صافي صفر و1.5 درجة مئوية
إحدى الطرق التي يمكن من خلالها مواجهة تغير المناخ، والحد من أثاره، هي الوصول إلى صافي صفر انبعاثات، من أجل الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
يُقصد بـ “صافي صفر” أو “الحياد الكربوني” أو “الحياد المناخي” خفض انبعاثات الكربون إلى أقصى حد، والتعويض عما لا يمكن التخلّص منه.
قد تتساءل لماذا لا نهدف الوصول إلى الصفر، أو الصفر الإجمالي، بدلاً من الصفر الصافي. قد يعني الصفر الإجمالي وقف جميع الانبعاثات، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بشكل واقعي في جميع قطاعات حياتنا وصناعتنا. حتى مع بذل أقصى الجهود لتقليلها، ستظل هناك بعض الانبعاثات الضرورية.
“صافي الصفر” يعني ببساطة أن بلدا أو شركة معينة ستخفض الانبعاثات ولكن ليس إلى الصفر المطلق؛ بدلا من ذلك، ستستمر بعض الانبعاثات الضرورية، التي لا يمكن التحكم فيها، لكن سيتم التخلص منها بتدابير تعويضية تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وبالتالي فإن النتيجة الصافية ستكون صفر انبعاثات.
من الأمثلة على هذه التدابير التعويضية، زراعة الأشجار واستعادة الأراضي الرطبة؛ كلاهما يمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء من خلال عملية التمثيل الضوئي.
تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي حاليًا وصلت إلى 414 جزءًا في المليون والارتفاع مستمر، لذا ستكون هناك حاجة ملحة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، لإعادة التركيزات إلى 350 جزء في المليون أو أقل، وهي التركيزات اللازمة لتحقيق الاستقرار في مناخ الأرض.
“صافي الصفر” ليس بالضرورة مراوغة للتهرب من الاجراءات المناخية الصارمة، وإن كان البعض يستخدمها للمراوغة فعلًا، لكن المرواغات تحدث فيما يخص التعويضات، التي لا تنفذ بالشكل المطلوب.
على سبيل المثال: شركة أو مؤسسة أو دولة تعهدت بتنفيذ التعويضات اللازمة لموازنة انبعاثاتها الضرورية، فهل زرعت كمية الأشجار التي تعهدت بها بالفعل؟ هل التزمت بجدولها الزمني؟ هل استعادت الأراضي الرطبة حقا؟
الأراضي الرطبة هي كل أرض تغمرها المياه كليا أو جزئيا، وتشير استعادة الأراضي الرطبة إلى عملية المساعدة أو السماح باستعادة أو استرجاع الأراضي الرطبة من حالتها المضطربة أو المتدهورة أو المدمرة أو المتغيرة التي تسببها الأنشطة البشرية، لحالتها الفطرية، أو استعادة التنوع البيولوجي المفقود أو الخدمات الإيكولوجية، لأن ذلك يجعلها تتمتع بإمكانيات عالية لتخزين الكربون في التربة وجعلها تعمل مرة أخرى كمخازن لثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي.
تلتزم معظم الحكومات والشركات أو ما يقرب من 80٪ من الاقتصاد العالمي بالوصول إلى صافي صفر بحلول عام 2050.
مما لا شك فيه أنه سيكون من الصعب خفض الانبعاثات بالقدر والسرعة التي يقول العلم إنها ضرورية، والسبب الرئيس وراء ذلك هو أن البشرية انتظرت طويلا للبدء في هذه المهمة.
السبب الرئيس وراء انتظارنا لفترة طويلة، وفق الخبراء، هو أن بعض المصالح الاقتصادية والسياسية كانت تعرف أن العمل المناخي سيتداخل مع أرباحها وامتيازاتها.
ورغم أننا لو بدأنا قبل 30 عاما من الآن، كما حث العلماء والمدافعون عن حقوق الإنسان في ذلك الوقت، لكنا قد حققنا ذلك الآن، إلا أنه لا يزال من الممكن السيطرة على الأمر، قبل أن يصل إلى مستوى كارثي تماما، على أن نتحرك بسرعة لكبح ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، وأن تلتزم الحكومات بالإجراءات المطلوبة.