الأديان وتغير المناخ (1)
في ظل نتائج أحدث البحوث العلمية التي تتوقع مزيداً من التغيرات العنيفة في مناخ الأرض فضلاً عن الإخفاق الذي منيت به قمم الأمم المتحدة بشأن المناخ في الاتفاق على صفقة عادلة ومقبولة لخفض انبعاثات العالم من غاز ثاني أكسيد الكربون، يتضح أن الوقت يداهمنا فيما يتعلق بمعالجة تغير المناخ.
فبدلاً من تحقيق زيادة منتظمة في الاهتمام الموجه نحو تغير المناخ والإجراءات المتخذة لمواجهته، يبدو أن حكومات العالم آخذة شيئاً فشيئاً في السكوت عنه نتيجة انشغالها بأمور أكثر إلحاحاً مثل البطالة والركود الاقتصادي.
هناك موضوع حصل على دَفعة جديدة نتيجة الوضع الحالي البائس، وهو الهندسة الجيولوجية التي تعرَّف بوصفها “تحويراً متعمداً في بيئة كوكب الأرض للتصدي لتغير المناخ الناشئ عن الأنشطة البشرية”.
وفي الواقع، تم مؤخراً إعطاء إشارة البدء لتجربة ميدانية يتم خلالها رش جزيئات كيمائية عاكسة للشمس من منطاد في الجو فوق مدينة فورت سَمْنَر في نيومكسيكو لتبريد الكوكب صناعياً.
مع ذلك، فإن تبني الهندسة الجيولوجية بوصفها “الخطة ب” لا يشكل خطورة فقط بسبب تعاظم الشك المحيط بنتائج التجارب التي تجرى على مستوى الكوكب، ولكنها أيضاً غير ديمقراطية، وغير مسئولة، وتتجاهل حقيقة أن لدينا “خطة أ” لا غبار عليها لخفض انبعاثاتنا.
الأديان وتغير المناخ
نحن بحاجة فقط إلى استخدام طرق أفضل لإقناع الناس باتباع “الخطة أ”.
وثمة جانب يتم تجاهله عادة عند اسكتشاف الطرق التي يمكن أن تشجع على زيادة التوعية بتغير المناخ والإجراءات المتخذة لمواجهته ألا وهو: العقيدة والدين.
فالإسلام، على وجه الخصوص، يتعرض للتهميش رغم البحوث الأكاديمية المتفرقة التي تسلط الضوء على الأفكار الجديدة التي يستطيع الإسلام أن يقدمها لكوكب معرض للخطر البيئي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن القرآن الكريم، الذي يمثل المصدر الأساسي للفكر الإسلامي وكل تطبيقاته، مليء بصور لنفحات الطبيعة، وجمالها، والحاجة إلى حمايتها.
يتم تصوير الطبيعة بوصفها تجسيداً لقدرة الخالق ومصدراً لأرزاق خلقه، كما أن البشرية نفسها مأمورة إلاهياً بأن تتحمل مسئولية رعاية العالم الطبيعي والمحافظة على التناغم والتوازن الموجودين فيه.
يسهب القرآن في “توجيه المؤمنين وتحذيرهم من إساءة استخدام سلطتهم في التعامل مع البيئة، كما يعتبر الإخلال بالنظام الطبيعي وإساءة التعامل مع مخلوقات الله، أياً كانت، من الآثام التي تستوجب العقاب”.
يحض القرآن على عدم الإسراف كما ينهى تماماً عن الإفراط في الاستهلاك أو الطمع.
اقرأ أيضًا.. ما هو تغير المناخ؟ كل شيء عن أزمة القرن الـ 21
السنة والبيئة
في الواقع، حذر رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، أصحابه من التبذير في استخدام الموارد الثمينة مثل الماء وشجعهم على حماية الأرض وتحسين خصوبتها.
مع وضع كل ما سبق في الاعتبار، لن يصعُب إيجاد صلة بين آداب الإسلام والحاجة إلى الحد من إفراطنا في استخدام الموارد غير المتجددة مثل الوقود الأحفوري الذي يسمم الهواء والأرض.
هكذا، فلدى الإسلام “القدرة على المساعدة في حل أحد أكبر مشكلات عصرنا، أي مشكلة “البيئة”.
ينبغي ألا يشكل الإسلام عقبة، لأن بإمكانه أن يساعد كثيراً على تثقيف المؤمنين بالسلوك البيئي الجيد”.
فالقاهرة، العاصمة الإسلامية ذات الألف مئذنة، تعتبر من أكثر مدن العالم تلوثاً؛ كما أن بنجلادش وجزر المالديف – وكلاهما دولتان إسلاميتان – ستكونان من أكثر بلدان العالم تأثراً بتغير المناخ بسبب موجات الفيضان والجفاف.
في الواقع، تجتاح المشكلات البيئية كثيراً من البلدان الإسلامية متجسدة في إزالة الغابات في إندونيسيا، أو التصحر والإفراط في التنمية العمرانية في الشرق الأوسط، أو الجفاف في شمال إفريقيا.
آداب الإسلام الخضراء
ستجني هذه الدول ودول كثيرة غيرها فوائد جمة نتيجة معالجة تغير المناخ وتلوث البيئة عن طريق تطبيق آداب الإسلام الخضراء.
إذ يؤثر الدين الإسلامي (بدرجات متفاوتة) في ١٨% من سكان العالم ويغطي مساحة كبيرة جداً حيث توجد بعض أكبر المشكلات البيئية.
هكذا، فإن تسليط الضوء على سكان الأرض الخضر ممن يعتنقون الدين الإسلامي سيكون له فوائد هائلة في معالجة تغير المناخ وقد تزيد فوائده مع التضاعف المتوقع في سكان الأرض المسلمين بحلول عام ٢٠٣٠ إلى ٢٦,٤%.
إذا رفع المسلمون حول العالم مستوى التوعية بواجباتهم الإسلامية تجاه البيئة، فمن المتوقع أن يتمكنوا من الضغط على حكوماتهم كي تتخذ القرارات “الخضراء” الصحيحة حينما يتعلق الأمر بالماء، والطعام، وإعادة تدوير المخلفات، واستخدام الطاقة.
سوف يعني ذلك أيضاً أن دول الخليج العربي المسلمة الغنية، مثل السعودية والكويت والبحرين، لن تقف عائقاً في قمم المناخ المهمة إذا استطاع أهلها أن يحشدوا الجهود من أجل البيئة بمساندة السكان المسلمين.
في أبريل 2020، في احتفالية يوم الأرض العالمي، دعا الأزهر إلى “عدم إلحاق الضرر بالأرض التي وهبنا الله إياها نظيفة نقية صالحة للحياة، والابتعاد عن كل الممارسات الخاطئة التي تضر بها وتؤثر على حياة البشر”.
كذلك تأسست في جامعة الأزهر لجنة “لخدمة المجتمع وتنمية البيئة” من أهدافها جعل الجامعة صديقة للبيئة ومنتجة للطاقة الشمسية. كما تبنى قطاع المعاهد الأزهرية المسؤول عن التعليم الأزهري قبل الجامعي، خلال العامين الماضيين، برنامج توعية لتلاميذ المرحلتين التمهيدية والابتدائية حول الحفاظ على البيئة
اقرأ أيضًا.. ما هو هدف 1.5 درجة مئوية الذي يسعى إليه العالم؟ وكيف يجنبنا غضبة المناخ وتغيراته؟
البيئة والفلسفة الإسلامية
بالإضافة إلى إتاحة الفرص أمام المسلمين والدول الإسلامية للتعامل مع قضية تغير المناخ، تقدم البحوث الإسلامية في هذا الصدد أيضاً مزيداً من الاستنتاجات الروحية.
تشمل هذه الاستنتاجات الاعتقاد بأن الأزمة البيئية الراهنة هي انعكاس خارجي لأزمة داخلية روحية تتعرض لها الإنسانية المعاصرة.
كما يشير الباحث مراد منجد في بحثه الذي حمل عنونا “الطبيعة والعلوم في ضوء الفلسفة الإسلامية”، ونشر في Union Theological Seminary في 2010: “لا يكمن حل الأزمة البيئية في استخدام الهندسة البيئية وحدها.
فحتى إذا نجحت الإنسانية في تقليل بصمتها الكربونية عبر أنواع متنوعة من التكنولوجيا الصديقة للبيئة، فستستمر هذه الأزمة حتى تسترجع البيئة قدسيتها في عيون من يسيئون استغلالها.
ولن يتسنى تحقيق هذا الإنجاز العظيم إلا إذا استطاعت البشرية أن تتوصل إلى السلام مع محيطها، ونفسها، والأهم من ذلك ربها”.
ويشرح مراد أنه نتيجة انفصال العلم عن الإيمان، فقدت البيئة الطبيعية قدسيتها وأهميتها الرمزية بوصفها آية من آيات الله في خلقه وأصبحت مجرد خصائص طبيعية متاحة للاستغلال والاستهلاك.
قدسية الطبيعة
“وتكمن الأهمية العملية لذلك في أن الشجرة اليوم يمكن أن تستخدم في إنتاج الورق، وقَطْر فطائر البانكيك، وغيرها من السلع الاستهلاكية، ولكنها لم تعد عموماً موضع تأمل بوصفها تجسيداً للنقاء المتجانس، ناهيك عن كونها أداة للتنوير والسمو”. لقد فشل العلم الحديث في أن يقدم للطبيعة أي شيء بخلاف سمات وخصائص طبيعية مجردة من أي قدسية، وأصبحت الطبيعة عرضة للاستغلال الجماعي وإساءة المعاملة.
وعلى المسلمين والدول الإسلامية أن تستعيد قدسية الطبيعة وتستخدمها لبناء صلات مع الحركة البيئية الأوسع مع أخذ واجباتها الإسلامية تجاه البيئة بقدر أكبر من الجدية. وفوق ذلك، ففي ظل توافقه اللاهوتي مع الديانات الغربية وأوجه التشابه المستترة التي تربطه بالديانات الشرقية، على الإسلام أن يستفيد إلى أقصى درجة من “قدراته على توفير أساس عالمي من الممكن أن يفيد الديانات الأخرى في المناهج التي تتبعها للتعامل مع الأزمة البيئية”.
بدلاً من التخلف عن الركب فيما يتصل بالتوعية والإجراءات المتخذة بشأن تغير المناخ، على الدول الإسلامية أن تقود الركب.
ولن يساعدها ذلك على حماية شعوبها المعرضة إلى أسوأ آثار تغير المناخ فحسب، بل سيساعدها أيضاً على الوفاء بواجباتها الإسلامية بوصفها حامية للطبيعة.
I have read so many posts about the blogger lovers however this post is really a good piece of writing, keep it up
Great selection of modern and classic books waiting to be discovered. All free and available in most ereader formats. download free books
whoah this blog is wonderful i really like reading your articles. Keep up the great paintings! You realize, a lot of people are hunting round for this info, you could help them greatly.
https://www.philadelphia.edu.jo/library/directors-message-library
Very nice article, I enjoyed reading your post, very nice share, I want to twit this to my followers. Thanks!.