إذا كان على كوكب الأرض أن يستمر في إطعام البشر بجانب النجاح في مكافحة تغير المناخ، يجب على الدول الغنية أن تقلل بشكل كبير من استهلاكها للحوم، وبنسبة لا تقل عن 75 في المائة بشكل مثالي، حسبما قال باحثون من جامعة بون بألمانيا.
تستعرض الدراسة الأبحاث الحديثة حول مختلف جوانب استهلاك اللحوم، بيئيًا واقتصاديًا، وتشير النتائج، المنشورة في المراجعة السنوية لاقتصاديات الموارد إلى أن انخفاضًا بنسبة 75 في استهلاك اللحوم ضروري لتحقيق الأهداف المناخية.
يقول البحث الجديد: “يستهلك كل مواطن في الاتحاد الأوروبي حوالي 80 كيلوجرامًا من اللحوم سنويًا”. “لكن كل شريحة لحم شهية، وكل نقانق لذيذة لها ثمن لا ندفعه على المنضدة، لأن تربية الماشية تدمر المناخ والبيئة.”.
وتشير الدراسة، التي تحمل عنوان “استهلاك اللحوم واستدامتها”، بشكل خاص إلى غاز الميثان الذي تنتجه الحيوانات المجترة التي تربى في المزارع من أجل إنتاج الغذاء، وهي الأبقار والأغنام.
اللحوم ومكافحة تغير المناخ
في الجزء الأخير من التقرير السنوي السادس حول تغير المناخ، حثت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على خفض انبعاثات الميثان بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2025.
قال مؤلف الدراسة البروفيسور الدكتور ماتين قايم من مركز أبحاث التنمية (ZEF) في الجامعة: “إذا استهلك كل البشر نفس القدر من اللحوم مثل الأوروبيين أو الأمريكيين الشماليين، فسوف نفقد بالتأكيد أهداف المناخ الدولية وسوف تنهار العديد من النظم البيئية”.
وأضاف: “لذلك، ومن أجل مكافحة تغير المناخ، نحتاج إلى تقليل استهلاكنا للحوم بشكل كبير، من الناحية المثالية، نحتاج إلى خفض الاستهلاك السنوي إلى 20 كيلوجرامًا للفرد أو أقل”.
يقول الباحثون إن نصف الحبوب في الوقت الحالي تذهب لإطعام الماشية، لذا أضطرتنا الحرب في أوكرانيا وما نتج عنها من تخبط في الأسواق الدولية بسبب نقص الحبوب، لخفض كمية الحبوب المستخدمة لإطعام وتغذية الحيوانات من أجل دعم الأمن الغذائي للبشر.
اقرأ أيضًا.. تغير المناخ وتلوث الغذاء.. نظام حاسوبي يكشف آثار التدهور البيئي على الطعام
في الدول الغنية فقط
لا يدافع الباحثون عن التخلص الكامل من اللحوم في نظامنا الغذائي، بل تستشهد الدراسة بالتحديات في المناطق التي لا يمكن فيها زراعة الأطعمة النباتية على نطاق واسع، والمجتمعات التي تعتمد على البروتين الحيواني، لا سيما في المناطق المتخلفة والنامية من العالم.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة الدكتور مارتن بارلاسكا: “في مثل هذه الحالات، وتحديدا في الدول النامية والفقيرة، غالبًا ما تكون الحيوانات عنصرًا أساسيًا في نظام غذائي صحي، كما أنها مصدر مهم للدخل بالنسبة لكثير من الناس، فإذا ضاعت عائدات الحليب والبيض واللحوم، فقد يهدد ذلك سبل عيشهم”.
يقول الباحثون إن هذه المناطق ليست هي المشكلة، إن الدول الأكثر ثراء هي التي تقود الجزء الأكبر من الانبعاثات، ما يقوض عملية مكافحة تغير المناخ بشكل كبير.
أظهرت دراسة أجريت العام الماضي زيادة انبعاثات الكربون في أغنى 20 دولة في العالم مع تخفيف القيود على انتشار الأوبئة. وفقًا لتقرير الشفافية المناخية، تشكل هذه البلدان حوالي 75 بالمائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية .
يقول الباحثون إن زيادة الضرائب على اللحوم يمكن أن تكون أحد الحلول، خاصة في المناطق التي يتم فيها استهلاك اللحوم بمستويات عالية، مثل أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا.
يقول كيم: “هذا بالتأكيد لن يحظى بقبول المستهلكين، خاصة وأن رسمًا إضافيًا بنسبة عشرة أو عشرين بالمائة لن يكون كافيًا على الأرجح، ما يعني أننا نحتاج لفرض ضريبة أعلى من ذلك على اللحوم إذا أردنا أن نحقق تأثير حقيقي”.
ومع ذلك، فإن اللحوم لها تكلفة بيئية عالية لا تنعكس في الأسعار الحالية. سيكون من المعقول والعادل تمامًا أن يشارك المستهلكون المزيد من هذه التكاليف.
اقرأ أيضًا.. ماذا يعني الغزو الروسي لأوكرانيا بالنسبة للطاقة والغذاء وتغير المناخ؟
الاستهلاك المستدام
يقترح الباحثون أيضًا أن التعليم يلعب دورًا في كبح شهيتنا للحوم. يقترح المؤلفون أن يصبح “الاستهلاك المستدام” جزءًا من المناهج الدراسية.
يقول المؤلف الرئيس: “نحن بحاجة إلى أن نصبح أكثر حساسية للتأثير العالمي لقراراتنا”. “هذا لا ينطبق فقط على الطعام، ولكن أيضًا على القميص الذي نشتريه من متجر التخفيضات لارتدائه في أمسية واحدة في حفلة.”
كانت هناك العديد من الدراسات والتحذيرات من كبار علماء المناخ حول استهلاك اللحوم وتغير المناخ.
وتردد النتائج الجديدة صدى ذلك، لا سيما مع استمرار ارتفاع استهلاك اللحوم العالمي في المناطق المنخفضة والمتوسطة الدخل.
أشار المؤلفون إلى أن “إنتاج اللحوم يتطلب مساحة أكبر من الأراضي والمياه مقارنة بإنتاج الأطعمة النباتية وله آثار بيئية ومناخية أكبر بكثير”. “وبالتالي، على خلفية الحدود الكوكبية، فإن مستويات استهلاك اللحوم المرتفعة والمتزايدة أمر مثير للقلق.”
يقول الباحثون: “لذلك، فإن التخفيضات الملحوظة في مستويات استهلاك اللحوم ستكون مفيدة ومهمة من حيث أبعاد الاستدامة المختلفة، على الأقل في البلدان ذات الدخل المرتفع”.
وأضافوا: “ذلك بجانب تقليل الآثار الصحية السلبية على صحة الإنسان ورفاهية الحيوان المرتبطة بالإنتاج المكثف للحوم والاستهلاك المفرط”.