أكدت دراسة بريطانية حديثة أن العلاقة بين الاحترار العالمي وتغير المناخ من جانب وموجات الحر الشديدة والمتكررة أصبح لا جدال فيه، وأن العالم قد يتجه إلى موجات حر أشد كارثية في حال زادت درجة الحرارة العالمية إلى ما بين 2 لـ 3 درجات مئوية.
قال كبار الخبراء المتخصصين المشاركين في الدراسة في قياس تأثير تغير المناخ على الطقس المتطرف إن جميع موجات الحر التي تحدث في جميع أنحاء العالم مؤخرًا، تحمل بصمة واضحة لتأثير الاحترار العالمي .
وقالت فريدريك اوتو العالمة في معهد جرانثام في امبريال كوليدج لندن لوكالة فرانس برس “ليس هناك شك في أن تغير المناخ يغير قواعد اللعبة بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بالحرارة الشديدة وموجات الحر المتكررة”.
وأضافت: أن موجات الحر الشديدة مثل الموجة الحارة التي اجتاحت جنوب آسيا في مارس وأبريل هي بالفعل أكثر الأحداث كارثية حتى الأن.
وأكد التقرير الذي شاركت فيه أوتو مع خبراء أخرين، أبرزهم بن كلارك من جامعة أكسفورد، وأرسلت منه نسخة لوسائل الإعلام : “أن كل موجة حارة في العالم أصبحت الآن أقوى من ذي قبل ومرتبطة بتغير المناخ الذي يسببه الإنسان”.
موجات الحر وتغير المناخ
أدى حرق الوقود الأحفوري وتدمير الغابات إلى إطلاق ما يكفي من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي ما أدى لزيادة وتيرة وشدة العديد من الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات والعواصف الاستوائية، كما أوضحوا في تقرير علمي حديث.
تتزايد الأدلة على تأثير الاحتباس الحراري على الطقس المتطرف منذ عقود، ولكن في الآونة الأخيرة ازداد اليقين بالأمر، لا سيما بعد أن أقرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بذلك في تقييمها الأخير، والذي صدر على ثلاثة مراحل، أخرهم التقرير المنشور في مطلع إبريل الماضي.
ومع وجود المزيد من البيانات والأدوات المتقدمة، تمكنت أوتو وغيرها من الرواد في مجال يُعرف باسم “علم إحالة الأحداث” من حساب إلى أي مدى أصبحت عاصفة معينة أو موجة حارة بسبب الاحتباس الحراري أكثر احتمالية أو شدة، وذلك في الوقت الفعلي لحدوثها في بعض الأحيان.
على سبيل المثال ، خلص أوتو وزملاؤه في الاتحاد العالمي لإحالة الطقس (WWA) إلى أن الموجة الحارة التي اجتاحت غرب أمريكا الشمالية في يونيو الماضي- مما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة في كندا إلى مستوى قياسي بلغ 49.6 درجة مئوية (121 درجة فهرنهايت)- كان من الممكن ألا تحدث إذا لم يتغير المناخ بسبب نشاطات البشر.
وقالت أوتو لوكالة فرانس برس إن موجات الحر التي اجتاحت الهند وباكستان الشهر الماضي لا تزال قيد المراجعة، لكن الصورة الأكبر واضحة بشكل مخيف.
وقالت في إشارة إلى متوسط درجات الحرارة العالمية فوق مستويات ما قبل الصناعة: “ما نراه الآن من حيث الحرارة الشديدة سيكون طبيعيًا للغاية قريبًا، إن لم يكن أكثر برودة مما قد نراه في السنوات المقبلة، إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض لتتراوح بين درجتين وثلاث درجات مئوية”.
ارتفعت درجة حرارة العالم بما يقرب من 1.2 درجة مئوية حتى الآن، ووجدت WWA أن هذه الزيادة جعلت هطول الأمطار والفيضانات القياسية في يوليو الماضي في ألمانيا وبلجيكا يتضاعف 9 مرات، ما تسبب في مقتل أكثر من 200 شخص.
ويقول العلماء إن الاقتصاد العالمي لا بد أن يتخلص من الوقود الأحفوري في أسرع وقت ممكن، مع ضرورة التزام جميع دول العالم بتعهداتها للوصول إلى صافي صفر انبعاثات في 2050 كي نتمكن من الحد في ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية، ما قد يجنبنا سيناريوهات كارثية لا قبل للبشرية بها.
لكن، وفق الخبراء، ليس الاحتباس الحراري هو المسؤول دائمًا عن أحداث الطقس المتطرفة، حيث أفاد الخبراء أن موجة الجفاف التي استمرت لمدة عامين في جنوب مدغشقر وأدت إلى شبه مجاعة، ونسبتها الأمم المتحدة إلى تغير المناخ، كانت في الواقع نتاج تقلب طبيعي في الطقس.
اقرأ أيضًا.. تغير المناخ والحرب.. طعنات في قلب الأمن الغذائي الإفريقي من كل اتجاه
تقرير الأمم المتحدة وموجات الحر
كانت صحيفة دير شبيجل الألمانية قد نشرت تقريرًا ذكرت فيه أن تقارير صادرة عن الأمم المتحدة حذّرت من موجة جفاف عالمية قد تؤثر على ثلاثة أرباع سكان الأرض مع حلول عام 2050.
ونوّهت الصحيفة إلى أن تقرير الأمم المتحدة “الجفاف بالأرقام-2022″ أشار إلى أن نسبة الجفاف في العقدين الأخيرين ازدادت على الأرض بنسبة 29%.
وفق الصحيفة فإن العديد من البلدان الإفريقية تعاني أكثر من غيرها حاليا من عواقب الظواهر الطبيعية وموجات الحر والجفاف، لكن هذه المشكلات بدأت تتزايد بشكل أكبر في بلدان أخرى من العالم ما يدعو لـ”دق ناقوس الخطر” لأوروبا أيضا.
فوفقا للأمم المتحدة يعيش حاليا نحو 3.6 مليار شخص مناطق تعاني من نقص المياه لمدة شهر واحد على الأقل سنويًا ، وبحلول عام 2050 يمكن أن يرتفع هذا الرقم إلى ثلاثة أرباع سكان العالم.
ومن جهته قال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إبراهيم ثياو: “إنه من المرجح أن يؤدي الاحترار العالمي إلى تفاقم الوضع في العديد من مناطق العالم، وأن الجفاف هو أحد أكبر التهديدات للتنمية المستدامة”.
ووفقا لتقارير الأمم المتحدة فإن البلدان النامية هي أكثر المناطق التي تعاني من مشكلات الجفاف، ومنها مناطق الساحل الإفريقي على سبيل المثال، وتؤدي عواقب الجفاف هناك لنقص حاد في المياه وتدهور التربة والتصحر المستمر”.
كما أشارت التقارير إلى أن المائة عام الماضية شهدت الأرض أكثر من 300 حالة جفاف، وشهدت القارة الإفريقية نحو 44% من هذه الحالات، وبالإضافة إلى ذلك فإن إفريقيا ومناطق الساحل الإفريقي الجنوبية تعاني بشكل واضح من آثار تغيرات المناخ مثل موجات الحر الشديدة والجفاف الذي بات يظهر هناك بشكل أكثر شدة.
شهدت أوروبا أيضًا 45 حالة جفاف كبرى في القرن الماضي، ما أثر على ملايين الأشخاص وتسبب في خسارة اقتصادية إجمالية قدرها 27.8 مليار دولار، وتبعا لتقارير الأمم المتحدة يتأثر حاليًا حوالي 15 ٪ من أوروبا وحوالي 17 ٪ من سكان الاتحاد الأوروبي بسبب الجفاف، و تبلغ الخسائر الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة الآن 9 مليارات يورو سنويا بسبب الجفاف.