الثعابين هي من الفقاريات آكلة اللحوم وذات الدم البارد، وبعض الأنواع تمتلك سمومًا خطيرة، تنتمي الكوبرا، الموزعة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، إلى عائلة Elapidae. والكوبرا المصرية واسمها العلمي (نجا الحاج) منتشرة على نطاق واسع في إفريقيا والشرق الأوسط، يحتوي سمها على مزيج من العديد من البروتينات المختلفة، بما في ذلك مجموعة متنوعة من الإنزيمات (البروتياز والفوسفوليباز) ، وسموم متعددة الببتيد غير إنزيمية (السموم العصبية والسموم القلبية).
من أعراض تسمم الكوبرا تلف الأنسجة الذي يمكن أن يصل إلى العديد من الأعضاء مثل الدماغ والرئة والكلى والقلب والكبد، يسبب التسمم ألمًا وتورمًا موضعيًا وقد يترافق مع ظهور تقرحات في موقع اللدغة، تتطور الأعراض السمية العصبية والجهازية في غضون ساعات قليلة ، وتحدث الوفيات في غضون 6-16 ساعة بعد لدغات الثعابين الكبيرة، على الرغم من استخدام مضادات السموم وأجهزة التنفس الصناعي، ويمكن أيضًا فقدان البصر.
ومع ذلك اقترحت العديد من الدراسات استخدام بعض مكونات السم كعوامل علاجية ومضادة للسرطان.
الاستفادة من سم الكوبرا المصرية
وفي دراسة منشورة في دورية ريسيرش جيت عام 2015 صادرة عن كليتي العلوم والطب البيطري بجامعة قناة السويس بالتعاون مع معهد ثيادور بلهارس، وفيها تم تقييم تأثير مسكن وخافض للحرارة ومضاد الالتهابات التي يمكن استخراجها من سم الكوبرا النوبية (البصق).
أظهرت الدراسة إمكانية وجود تأثير مضاد للالتهاب لكل من جرعات السم في نماذج حيوانية مختلفة، وأوصت الدراسة بالحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لعزل المكونات النشطة للسم، وفحص آلية العمل الجزيئية والأكثر تحديدًا.
عن أثر سم الكوبرا المصرية (نجا الحاج) رصدت ورقة بحثية موت الخلايا الناجم عن سم الكوبرا على خطوط خلايا الخلايا الجنينية البشرية الأولية (293T) والفأر العضلي العضلي (C2C12) على فترات زمنية مختلفة، حاولت الدراسة توفير مزيد من المعلومات حول تحفيز موت الخلايا، واقتراح طرق للقضاء على الخلايا غير المرغوب فيها مثل الخلايا السرطانية وذلك عبر استخدام سم الكوبرا، حيث يسبب سم الكوبرا موت الخلايا غير المرغوب فيها بآليتين مختلفتين.
اقرأ أيضًا.. 4 مخاطر تهدد التنوع البيولوجي في مصر “ملف”
هل انتحرت بها كليوباترا؟
كانت مدينة الإسكندرية قديمًا مهتمة بشكل خاص بعلم الأدوية والسموم الذي شهد تطورًا منهجيًا في تلك الحقبة الزمنية، وتاريخيًا تم تنفيذ عمليات إعدام في الإسكندرية من خلال لدغات الكوبرا ، وبعد أن انجذبت كليوباترا بمعرفة السموم، بدأت في اختبارها على السجناء المحكوم عليهم لمعرفة ردود الفعل المختلفة؛ لذلك من المرجح إنها عندما قررت الانتحار فإن استخدام السم سيكون منطقيًا نظرًا لإمكانية اختيار الأفضل للحصول على موت سريع وخالٍ من الألم نسبيًا. وذلك علمًا بأن السموم الفموية قد تسبب اضطرابات مثل التشنجات المؤلمة والغثيان والتشنجات البطنية والنهاية البطيئة، ومن المفترض أنها قارنت الآثار الرئيسية للدغات الأفاعي الوريدية التي تسببها الأنواع المختلفة التي تعيش في مصر.
ومع وجود سم الكوبرا أو تسمم الدم أو السمية العصبية ، يمكن أن تحدث الوفاة في غضون نصف ساعة بسبب فشل الجهاز التنفسي والشلل العام دون ترك أي أثر على الجسد.
فرضية أن كليوباترا استخدمت الكوبرا لقتل نفسها تعتبر منطقية أيضًا من حيث الأساطير المصرية، كونها مرتبطة بتقديس الفراعنة لها، ومع ذلك هناك العديد من المشاكل في هذه النظرية، وقد جادل بعض العلماء مؤخرًا أنه من المرجح أن كليوباترا عندما تفكر في الانتحار سوف تشرب كوكتيلًا من الأدوية أو تضع مرهمًا سامًا، من خلال ورقة بحثية أعدتها الباحثة آنا ماريا روسو من الأرجنتين قامت من خلالها بمناقشة الاحتمالات المختلفة وانعكاساتها، وموازنة الصعوبات في كل حالة، لأنه حتى الآن مازالت النهاية الغامضة لكليوباترا بدون حل.
آنا ماريا روسو الباحثة الأرجنتينية المتخصصة في تاريخ الدواء وفي حديثها مع “أوزون” قالت إنه هناك الكثير من الفرضيات التي تحيط تحيط بطريقة انتحار كليوباترا لكن أقربها للتصديق هي سم الكوبرا لاسيما في بلد تسود فيه الثعابين وكنت جزء من الثقافة المصرية في ذلك الوقت.
ومن خلال الورقة البحثية التي نشرت في دورية ساينس داريكت عام 2021 قالت ماريا إنه من المرجح إن إختيار قدماء المصريين لحيوان الكوبرا ووضعها في تيجانهم هي كوسيلة للحماية وليس فقط التعبير عن القوة في مواجهة المعتدي عليها وهي من سمات الكوبرا؛ لذلك أعطوها أعلى مكانة ممكنة ، ربما حتى أكثر من الصقر، وفي انتفاخ الكوبرا في مواجهة الأعداء دلالة على القوة والشجاعة.
الطريف أن مخاوف آنا ماريا من الثعابين منذ طفولتها كانت هي الدافع لها لكتابة هذه الورقة البحثية إضافة إلى الدور الذي تلعبه الثعابين في التاريخ الفرعوني وتقديس الكوبرا أثار فضولها.
أضافت أنه ورد في العديد من الوثائق المصرية (البرديات الطبية) أن الثعابين كانت تختبئ في فتحات جدران البيوت وكان العلاج الشعبي المستخدم هو البصل والذي يعتبر من مضادات السموم.
الصيد والإتجار بها
تم تقييم الكوبرا المصرية ضمن قائمة “الأقل قلقًا” في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض الصادرة عن الإتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية.
دكتور مصطفى فودة، الخبير البيئي والرئيس السابق لقطاع حماية البيئة في وزارة البيئة قال في تصريحاته ل”أوزون” إن تجميع الكوبرا وصيدها من أماكنها الطبيعية يعتبر عمل غير مقبول أبدًا، ومجرم قانونًا كما أن عدم إدراجها ضمن الأنواع المعرضة لخطر الانقراض لا يعني الاستمرار في صيدها والإتجار بها، مضيفًا أنه لا يوجد بيانات حديثة عن أعدادها ونوعية البيئات التي أصبحت موجودة فيها.
وأكد فودة على أهمية الحفاظ على السلسلة الغذائية وبقاء الأنواع لحماية التنوع البيولوجي لأن إختفاء أي نوع يؤثر بالضرورة على باقي الأنواع.
في السياق ذاته تحدث دكتور شريف بهاء الدين رئيس الجمعية المصرية لحماية الطبيعة، ومؤلف كتاب:”دليل الزواحف والبرمائيات في مصر” والذي أكد في حديثه ل”أوزون” على أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي لأن كل كائن له دور طبيعي والقضاء عليه سوف يؤدي لحدوث خلل، وعلى سبيل المثال الكوبرا تتغذى على الفئران والقضاء عليها أو صيدها بكثافة يمكن أن يؤدي إلى زيادة أعداد الفئران، وأشار إلى أن عمليات الصيد للحيوانات البرية مجرمة وفقًا لقانون البيئة رقم 9 لسنة 2009.
ولفت إلى أن عمليات تبطين الترع التي تنفذها وزارة الري الآن بهدف توفير المياه يمكن أن تقضي على البيئة الطبيعية التي تعيش فيها الكوبرا والتي تحفر لها جحور في أماكن رطبة وهي عادة بالقرب من الترع، كمان أنها تضع بيضها في هذه الأماكن وتبطين الترع يمكن أن يؤثر على معيشتها وتكاثرها، والأمر نفسه بالنسبة للسمك البلطي الذي يتكاثر في نفس البيئة، وهي مخاطر تهددها بالإضافة للصيد.
وقال بهاء الدين إنه من الصعب وضع تقدير عددي للكوبرا المصرية والتي تجيد الإختباء ورغم انتشارها ووجود أثرها يصعب العثور عليها وهي أكبر ثعبان في الريف المصري، وتتواجد في الدلتا ووادي النيل، ويوجد نوع يميل لونه إلى السواد يتواجد في المنطقة من الإسكندرية حتى السلوم، ويوجد نوع اسمه الكوبرا البخاخ وتتواجد في الجنوب بداية من محافظة قنا وحتى بحيرة ناصر تم رصدها أيضًا في محمية جبل علبة.
وأضاف بهاء الدين أن الحيوانات البرية عادة باستثناء الحيوانات المفترسة لا تبدأ بالهجوم، وعادة ما تحاول الكوبرا الهروب أو تنتفخ ويزداد حجم رأسها، وتلجأ للدفاع عن النفس إذا تعرضت للإيذاء، وتهجم فقط على فريستها التي ترغب في أكلها مثل الفأر أو الدجاجة وهي عادة حريصة على مخزون السم لديها وهو وسيلتها للتغذية وليس الدفاع، وأحيانًا تلجأ للعض بهدف الدفاع عن نفسها بدون إفراز السم وتسمى False bit، كما أوضح أن استخلاص السم منها ليس نهائيًا لأنها تعيد إفرازه مرة أخرى؛ بالتالي فإن استخدامها في عروض السيرك ليس آمنًا بدرجة كافية ونشرت أخبار عن تعرض عارضين للدغات قاتلة أثناء تقديم عروضهم.
وتحدث بهاء الدين عن واقعة إنقاذ ومصادرة جهاز شؤون البيئة لأفاعي من سوق الجمعة تبين خلالها قيام البعض بخياطة فم الكوبرا لكي يتم استخدامها في العروض بأمان وبعد فترة تموت، وحاول فك السلك وتطهير الفم لكن كانت تعرضت للعدوى، وتم حينها إعادة توطين الثعابين في بيئتها الطبيعية.
(إبراهيم كوبرا) هذا هو اسم شهرته وهو صائد للثعابين يعمل في السيرك قال إنه ورث مهنته عن والده وجده من قبله، ويتطوع لمساعدة من يحتاج لصيد ثعبان دخل إلى منزله إذا كان في نطاق جغرافي قريب منه، ويمارس والده تجارة الأفاعي والزواحف مثل الحرباء والقنفذ والسحلية وهي التجارة التي تتعرض للتضييق من الدولة بحسب ما ذكر، كما أنه في المقابل يستورد أنواع من الثعابين غير المتوفرة في البيئة المصرية لاستخدامها في العروض، مشيرًا إلى أن عمليات التصدير تتم بهدف عرض الحيوانات في دول أخرى أو التزاوج ما بين أنواع الأفاعي للحصول على ألوان متنوعة منها.
ولفت إلى أن تربية الأفاعي هواية لدى الكثيرين وهي مطلوبة؛ لأنها رمز للقوة ويحاول من خلال قناته على اليوتيوب توضيح تعليمات العناية بها ودرجة الحرارة المناسبة لمعيشتها وطبيعة طعامها وغيرها من الأمور التي عرفها بالفطرة من الخبرة المنقولة إليه من والده، لافتًا إلى أن الكوبرا من أكثر الأنواع المطلوبة سواء داخل مصر أو خارجها.
تتراوح أسعار الكوبرا في سوق الجمعة من 350 وحتى 1200 جنيهًا وتتغذى على الفئران أو الدجاج أو الحمام.
اقرأ أيضًا.. فهود ونمور وقردة.. فيسبوك يسهل بيع الحيوانات والطيور النادرة
أقدم حفرية للكوبرا
(سلام لاب) هو اسم الفريق العلمي الذي أسسه ويقوده الدكتور هشام سلام، أستاذ الحفريات بالجامعة الأمريكية ومؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية ومكتشف الديناصور المصري (منصوراسوروس)، ,في شهر سبتمبر عام 2021 أعلن فريق بحثي من (سلام لاب) عن اكتشاف أقدم حفرية للكوبرا وأسلاف الثعابين الحديثة وأضخم السحالي عديمة الأرجل في الفيوم وتاريخ الحفريات يعود إلى 37 مليون سنة تقريبًا.
مروة علي الحارس مدرس مساعد في قسم علوم الحيوان في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية، والمؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في دورية تايلور وفرانسيس قالت في تصريحاتها ل”أوزون” إن سبب اختيار منخفض الفيوم لإجراء البحث يعود إلى أن عمره يترواح بين العصر الباليوجيني وعصر الباليوجين كما أنه هو الأقرب في تنوعه البيولوجي للحيوانات الحديثة المعاصرة، واختيار العصر الباليوجيني تم بالتحديد لأنه أقدم طبقات الباليوجين الموجودة في الفيوم و بذلك يسهل إيضاح أصول الحيوانات الحديثة.
وأضافت الحارس أن البحث سجل حفريات جديدة لمجموعة الحرشفيات وهي مجموعة من الزواحف، وسجل أيضًا حفرية لنوع من السحالي عديمة الأطراف تعرف بالAmphisbaenia أيضًا تم تسجيل أسلاف الثعابين الحديثة و المعروف بالcolubroides، وتم تسجيل الجد الأقدم لثعبان الكوبرا وأيضًا الأفعى المقرنة، وأهم الصفات التي تم رصدها هي أنها رغم صغر حجم الفقرات إلا أن نتوءاتها كثيفة من حيث الكتلة العظمية.
بدأت الباحثة مروة الحارس العمل مع سلام لاب في عام 2017 واستغرقت عمليات التدريب على العمل الحقلي والتعرف على العينات حوالي عام، حتى تم تخصيص العينات لنقطة بحثية وتسجيل النقطة البحثية كرسالة ماجيستير في عام 2018 وتم نشر الورقة البحثية في عام 2021 .
تحدثت الحارس عن الصعوبات التي واجهت فريق العمل منها العمل في المخيمات في الصحاري وسط أجواء مناخية صعبة تراوحت بين الحرارة الشديدة في النهار والبرودة الشديدة ليلًا، هذا بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجه أي باحث علمي من متابعة تطور الأبحاث العالمية ومعرفة المفيد منها وطرق ربط كل المعلومات للحصول على نتائج أكثر دقة والقدرة على رسم النمط الأقرب للحياة القديمة، وختمت حديثها قائلة:”يظل دائمًا الحصول على النتائج المرضية هي اللحظة التي تعوض الباحث كل الصعوبات التي مر بها”.