يؤدي ما يقرب من مليون شخص من المسلمين حول العالم مناسك الحج هذا العام، بعد رفع المملكة العربية السعودية القيود على التجمعات التي فرضها تفشي جائحة كورونا على مدار العامين الماضيين.
وتسعى عدد من الجهات الحكومية السعودية والمنظمات الدولية المعنية بالبيئة لجعل موسم الحج أكثر استدامة، ونشر ثقافة الحج الأخضر، فضلاً عن استغلال المحفل الديني الأكبر عالميًا في التوعية بقضية تغير المناخ والممارسات الصديقة للبيئة، واتخاذ التدابير التي تعمل على معالجة التحديات البيئية بالمشاعر المقدّسة.
وأطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية مبادرة التوعية البيئية ضمن موسم الحج هذا العام، والتي تتضمن حملة توعوية تحت شعار “لتبقى طاهرة”، وتهدف المبادرة وفق بيان للوزارة نشرته وكالة الأنباء السعودية “واس” إلى تعزيز أهمية الحفاظ على البيئة ورفع مستوى الوعي البيئي لدى الحجاج، ونشر ثقافة الحج الأخضر وذلك عن طريق منصات وطرق متنوعة من بينها توزيع كتيبات تتضمن نصائح وإرشادات بيئية باللغة العربية والإنجليزية والأردية، فضلاً عن الرسائل الإعلانية التوعوية عبر الشاشات الموجودة بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وتأتي هذه المبادرات في سياق تحقيق الأهداف التنموية لرؤية السعودية 2030.
ولإحكام عملية التخلص الآمن من مخلفات ذبح الأضاحي للحد من التلوث البيئي الذي كان ينجم سابقًا عن تراكمها ودفنها بطرق عشوائية، تعمل محطة معالجة مخلفات الذبح بمكة المكرمة بكامل طاقتها، حيث تبلغ الطاقة الاستيعابية للمحطة التي تشرف على تشغيلها هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة نحو 10 آلاف طن من مخلفات الذبائح، والتي يتم الاستفادة منها بتحويلها إلى سماد عضوي لاستخدامه في أغراض متعددة.
وأكد المهندس سعيد الغامدي مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمكة المكرمة في تصريحات إعلامية، أن الاشتراطات البيئية والصحية لعملية ذبح الهدي والأضاحي خلال مناسك الحج تطبق بصورة مُحكمة، عن طريق المحاجر الآلية المطوّرة المعتمدة من الوزارة، حيث ورد إلى منافذ الحجر خلال موسم الحج هذا العام مايقرب من مليون ونصف رأس، من بينها 400 ألف رأس تم ذبحها في المشاعر المقدسة.
اقرأ أيضا.. الأديان وتغير المناخ (1).. كيف يساعدنا الإسلام في معالجة أزمة القرن؟
الحج الأخضر
بينما توضح نهاد عوّاد مسؤولة الحملات بمشروع “أمّة لأجل الأرض” في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن “الدليل الأخضر للحج والعمرة” الذي أطلقه المشروع العام الماضي، تم تحديثه وإطلاقه هذا العام بإضافة اللغتين الماليزية والإندونيسية، من أجل الوصول لأكبر عدد ممكن من الحجاج الذين نستهدفهم، بالتوعية بخطورة التحديات البيئية والمناخية التي يواجهها العالم، ودورهم في الحد منها من خلال السلوكيات المستدامة، وليس ثمة فرصة أعظم من هذه الرحلة المقدّسة للبدء في تبني ممارسات صديقة للبيئة خلالها، وهو ما يحمله الدليل الذي يسهم في مساعدة الحجاج لاعتماد العادات الخضراء والحج الأخضر.
وتضيف في تصريحها لـ”أوزون”: هذه التوصيات تتضمن إرشادات بيئية بسيطة للحاج والمعتمر قبل توجهه لأداء المناسك وخلال قيامه بها، عن طريق منصة إلكترونية وتطبيق يمكن تحميله على الهواتف المحمولة لتصفح الدليل، ومن بين الإرشادات الحرص على ترشيد استهلاك مياه الوضوء والإبلاغ عن أي تسريب للمياه داخل المخيمات، والحد من استخدام البلاستيك بإحضار العبوات وأدوات المائدة القابلة لإعادة الاستخدام وأكياس القماش، فضلاً عن الحد من إهدار الطعام خاصة في لحوم الأضاحي، والتعامل السليم مع النفايات وغيرها. كما يتيح الدليل للمستخدمين روابط للأدوات التي تساعدهم على حساب البصمة الكربونية لمختلف الأنشطة في حياتهم اليومية.
يضم الدليل أيضًا كما تشير عوّاد توجيهات للمنظمات والحكومات وصناع القرار، كذلك الشركات السياحية والفنادق وجميع الدوائر المرتبطة بالمنظومة، وتنبع الرسائل التي يحملها من القيم الروحية والتعاليم الإسلامية التي تحث على الاستدامة والحفاظ على البيئة، والاعتدال وعدم الاسراف في استخدام الموارد الطبيعية وهي من المبادئ التي تؤكد عليها الأديان. نحن ندرك قوّة تأثير هذه القيم على المجتمعات الإسلامية التي تؤمن بها، في حثّهم نحو العمل المناخي، فالمسلمين هم ثاني أكبر مجموعة دينية في العالم، وهم قادرون على التأثير في القرارات العالمية والوطنية المتعلقة بالبيئة، خاصة وأن معظم الدول الإسلامية تقع في مناطق هي الأكثر تهديدًا بآثار تغير المناخ.
وتوضح أن تحالف “أمة لأجل الأرض” الذي دشنته منظمة غرينبيس بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يجمع منظمات بيئية وشخصيات دينية وخبراء وقادة فكر يعملون سويًّا لتمكين المجتمعات المسلمة من إنشاء حركة بيئية فاعلة بين الشباب في العالم الإسلامي، من أجل التصدي للتحديات المناخية الملحّة التي تواجه عالمنا، من نقص الموارد المائية وتدهور الأراضي وتهديد الأمن الغذائي وغيرها من التحديات، حيث بدأنا بخمسة مؤسسات ووصلنا اليوم إلى 15 مؤسسة، من بينها مؤسسة عالم واحد ومؤسسة الإغاثة الإسلامية ومنظمة البيئة السلمية الماليزية ومركز الدراسات الإسلامية بجامعة ناسيونال في إندونيسا.