جاءت أزمة تغير المناخ العالمية على رأس قائمة الأولويات في أجندة قمة جدة للأمن والتنمية، والتي عقدت في مدينة جدّة بالمملكة العربية السعودية، اليوم السبت، وشارك فيها قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية العراق.
خلال كلمته في قمة جدة، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إن التحديات الكبرى التي تعرض لها العالم مؤخرا بسبب جائحة كوفيد-19، والأوضاع الجيوسياسية، تستدعي مزيداً من تضافر الجهود الدولية لتعافي الاقتصاد العالمي، وتحقيق الأمن الغذائي والصحي.
وأكمل بن سلمان: “كما أن التحديات البيئية التي يواجهها العالم حالياً وعلى رأسها التغير المناخي، وعزم المجتمع الدولي على الإبقاء على درجة حرارة الأرض وفقاً للمستويات التي حددتها اتفاقية باريس؛ تقتضي التعامل معها بواقعية ومسؤولية لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال تبني “نهج متوازن” وذلك بالانتقال المتدرج والمسؤول نحو مصادر طاقة أكثر ديمومة الذي يأخذ في الاعتبار ظروف وأولويات كل دولة”.
وقال بن سلمان: “إن تبني سياسات غير واقعية لتخفيض الانبعاثات من خلال إقصاء مصادر رئيسية للطاقة دون مراعاة الأثر الناتج عن هذه السياسات في الركائز الاجتماعية والاقتصادية للتنمية المستدامة وسلاسل الإمداد العالمية سيؤدي في السنوات المقبلة إلى تضخم غير معهود وارتفاع في أسعار الطاقة وزيادة البطالة وتفاقم مشكلات اجتماعية وأمنية خطيرة بما في ذلك تزايد الفقر والمجاعات وتصاعد في الجرائم والتطرف والإرهاب”.
وأكد بن سلمان أن نمو الاقتصاد العالمي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستفادة من جميع مصادر الطاقة المتوفرة في العالم بما فيها الهيدروكربونية مع التحكم في انبعاثاتها من خلال التقنيات النظيفة مما يعزز إمكانية وصول العالم إلى الحياد الصفري في عام 2050م أو ما قبله مع المحافظة على أمن إمدادات الطاقة.
وأضاف: “لذلك تبنت المملكة نهجاً متوازناً للوصول للحياد الصفري لانبعاثات الكربون باتباع نهج الاقتصاد الدائري للكربون بما يتوافق مع خططها التنموية وتمكين تنوعها الاقتصادي دون التأثير في النمو وسلاسل الإمداد مع تطوير التقنيات بمشاركة عالمية لمعالجة الانبعاثات من خلال مبادرتي “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر” لدعم تلك الجهود محلياً وإقليمياً”.
وأكد ن سلمان على أهمية مواصلة ضخ الاستثمارات في الطاقة الأحفورية وتقنياتها النظيفة وتشجيع ذلك على مدى العقدين القادمين لتلبية الطلب المتنامي عالمياً مع أهمية طمأنة المستثمرين بأن السياسات التي يتم تبنيها لا تشكل تهديداً لاستثماراتهم لتلافي امتناعهم عن الاستثمار وضمان عدم حدوث نقص في إمدادات الطاقة من شأنه أن يؤثر في الاقتصاد العالمي.
وأعلن بن سلمان في قمة جدة أن المملكة ستقوم بدورها في هذا المجال حيث أنها أعلنت عن زيادة مستوى طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً وبعد ذلك لن يكون لدى المملكة أي قدرة إضافية لزيادة الإنتاج.
اقرأ أيضًا.. مصر تعلن محاور الاستراتيجية الوطنية لـ تغير المناخ “التفاصيل الكاملة”
رؤية مصرية في قمة جدة
قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال كلمته بـ قمة جدة، إن هناك ضرورة لتعزيز التعاون والتضامن الدوليين لرفع قدرات دول المنطقة في التصدي للأزمات العالمية الكبرى والناشئة، كقضايا نقص إمدادات الغذاء، والاضطرابات في أسواق الطاقة، والأمن المائي، وتغير المناخ، بهدف احتواء تبعات هذه الأزمات والتعافي من آثارها، وزيادة الاستثمارات في تطوير البنية التحتية في مختلف المجالات، وبما يسهم في توطين الصناعات المختلفة، ونقل التكنولوجيا والمعرفة، ووفرة السلع.
وأكد السيسي أنه يتعين على القادة الاستمرار في العمل الجماعي المشترك في الأطر الدولية متعددة الأطراف ذات الصلة بهذه القضية المهمة، وفي مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ واتفاق باريس، وذلك لضمان تحقيق الأهداف التي اتفق عليها وفقًا للقواعد والمبادئ التي ارتضيناها.
وأكد السيسي في هذا الإطار على أن منطقتينا العربية والإفريقية تعدان إحدى أكثر مناطق العالم تضررًا من الآثار السلبية لتغير المناخ، وما يترتب على ذلك من انعكاسات على الأمن الغذائي، وأمن الطاقة والمياه، والسلم المجتمعي والاستقرار السياسي، ومن ثم يتعين علينا التوافق حول رؤية شاملة لدعم الدول العربية والإفريقية، وتمكينها من الوفاء بالتزاماتها الدولية ذات الصلة، ورفع قدرتها على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، بحيث تساهم تلك الرؤية في معالجة أزمة السيولة المالية وتكثيف تمويل المناخ الموجه إلى هذه الدول، فضلًا عن دعم وتعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة.
وفي هذا الصدد، قال السيسي إنه ي تطلع لاستقبال قادة قمة جدة بمدينة شرم الشيخ في القمة العالمية للمناخ COP27 في نوفمبر ۲۰۲۲ لمواصلة التأكيد على الالتزام الراسخ تجاه جهود مواجهة تغير المناخ، على حد وصفه، وتحويل التحدي إلى فرصة حقيقية للتنمية والانتقال إلى أنماط اقتصادية خضراء أكثر استدامة لصالح شعوب الأرض جميعًا.
فيما قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إن منطقة الشـرق الأوسط تضررت بصورة ملموسة من تبعات التغير المناخي وأزمة المياه ومخاطر التصحّر.
بالإضافة إلى التحديات الصحية إثر ظهور وانتشار الأوبئة مثل جائحة كورونا، الأمر الذي يستدعي التحرك متكاتفين وموحدين لمواجهتها، مؤكدا أن تداعيات الأزمة في أوكرانيا تتطلب تكثيف الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد الحلول السـريعة وتوحيد المساعي في مجال ضمان الأمن الغذائي للشعوب وتأمين إمدادات الطاقة.
واقترح الكاظمي – خلال كلمته في قمة جدة للأمن والتنمية بالسعودية – إنشاء بنك الشرق الأوسط للتنمية والتكامل بالشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن.
يهتمّ البنك بالتنمية الإقليمية المستدامة عبر تمويل المشاريع في البنية التحتية التي من شأنها أن تساعد في ربط اقتصادات المنطقة، ويضع البنك في أولوياته تطوير شبكات الكهرباء الإقليمية، وخطوط أنابيب النفط والغاز، وشبكات الطرق السـريعة، والموانئ والمطارات والصناعات الثقيلة ذات السوق الإقليمية الواسعة، كما يموّل مشاريع في مجال إدارة الموارد المائية والتصحر والتخفيف من آثار تغيّر المناخ.
اقرأ أيضًا.. التغيرات المناخية في السعودية.. درجة الحرارة ستصل إلى رقم مرعب في 2050
اتفاق جانبي الإمارات والولايات المتحدة
من جانبه قال الشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات في كلمته أمام قادة قمة جدة: “نثق بأن منطقتنا قادرة على أخذ زمام المبادرة وتحمُّل مسؤولياتها إزاء قضاياها وأن يكون لها دور رئيس في العديد من القضايا التي تواجه الإنسانية، وفي مقدمتها تحديات التغير المناخي والطاقة المستدامة والأمن والغذائي “.
فيما قال أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، خلال كلمته بـ قمة جدة، إنه فيما يتجاوز مسؤولياتنا الإقليمية، لا ننسى مسؤولية المشاركة في مواجهة التحديات التي تواجه الإنسانية جمعاء ومنها قضية التغيّر المناخي. ونتطلع أن يحقق مؤتمر الأمم المتحدة COP27 القادم في جمهورية مصر العربية توقعات المجتمع الدولي في هذا الشأن.
كما أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال كلمته في قمة جدة، عن تطلعه لاستضافة مصر لقمة المناخ، وقال بشأن أزمة المناخ: ” إننا نستثمر معًا مليارات الدولارات ومئات المليارات لزيادة طموحاتنا البيئية والعمل معًا لتنويع الامدادات ولنستثمر في البنية التحتية المهمة. أتطلع إلى مصر وللإمارات العربية المتحدة لاستضافة مؤتمري المناخ”.
ورحب الرئيس بايدن بالتزام دولة الإمارات الطويل الأمد بأمن الطاقة العالمي كمورد موثوق ومسؤول ونوّه بدورها الرائد في دفع العمل المناخي وتحول الطاقة وتطوير تقنيات الطاقة النظيفة.
ووجه رئيس دولة الإمارات الدعوة إلى الرئيس بايدن لحضور مؤتمر الدول الأطراف “COP28” المقرر عقده في دولة الإمارات في سنة 2023.
وأشار الشيخ محمد بن زايد والرئيس الأمريكي إلى أهمية إطلاق تسوية المياه والطاقة الشمسية بين إسرائيل والأردن بدعم واستثمار إماراتي وأميركي كنموذج للشراكات المستقبلية في المنطقة.
وطلب الجانبان من مبعوثيهما المعنيين بشؤون المناخ، جون كيري والدكتور سلطان الجابر، استكشاف فرص جديدة في مجال المناخ والطاقة النظيفة لدفع النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.
وفي البيان الختامي لـ قمة جدة أشاد القادة بمبادرتي “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر” اللتين أعلنهما صاحب ولى عهد المملكة العربية السعودية.
وأعرب قادة قمة جدة عن تطلعهم للمساهمة الإيجابية الفاعلة من الجميع في سبيل نجاح (مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي السابع والعشرين) الذى تستضيفه جمهورية مصر العربية، ومؤتمر (الأمم المتحدة للتغير المناخي الثامن والعشرين) الذى تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة، و(المعرض الدولي للبستنة 2023) الذى تستضيفه دولة قطر، بعنوان “صحراء خضراء، بيئة أفضل 2023 – 2024”.