لا صوت يعلو فوق صوت سيارات الإطفاء وصرخات المُحاصرينبنيران الحرائق التي تتواصل بغابات عدد من دول البحر المتوسط، والتي تأتي ضمن تداعيات الظروف الجافة وموجاتالحر التي تسببت في وفاة المئات بعدد من الدول الأوروبية خلال الإسبوع الماضي. والتهمت الحرائق التي تُشبّه بالعواصف النارية، مساحات شاسعة من غابات دول المغرب وفرنسا وإسبانيا والبرتغال واليونان، مخلّفة خسائر فادحة للتنوع البيولوجي والغطاء النباتي، فيما أجبرت عشرات الآلاف من السكان والسائحين على النزوح إلى مناطق آمنة، في الوقت الذي يحاول آلاف من رجال الإطفاء بهذه الدول، السيطرة على الحرائق التي تتفاقم بسبب أزمة الاحترار العالمي حسبما يؤكد الخبراء.
وأوضحت وكالة الأنباء المغربية في بيان لها أن السلطات تواصل محاولاتها للسيطرة على الحرائق التي نشبت في مناطق بمحافظات الشمال، والتي تسببت في وفاة أحد المواطنين، وخلّفت أضرارًا كبيرة بإقليم العرائش حيث تضرر ما يزيد عن 4666 هكتار من أراضي الغابات. وأعلنت المديرية العامة للأرصاد الجوية أن عدد من المدن المغربية سجلت درجات حرارة قياسية تعد الأعلى منذ التسعينيات، حيث قاربت 50 درجة مئوية بعدد من المناطق. فيما أشار فؤاد العسالي مدير المركز الوطني لتدبير المخاطر المناخية في تصريحات صحفية، إلى أن الرياح الجافة العنيفة تؤجج الحرائق التي تلتهم مناطق حرجية في الشمال المغربي وتمتد إلى أقاليم وزان وتطوان وتازة.
اقرأ أيضا.. في يومها العالمي.. لماذا الغابات مهمة لحياة البشر وباقي الأنواع على الأرض؟
غابات دول البحر المتوسط في خطر
بينما أفاد التلفزيون الرسمي الإسباني أن حرائق الغابات امتدت إلى 30 بؤرة نشطة في مناطق مختلفة من البلاد، وتسببت في تدمير أكثر من 14 ألف هكتار من الغابات والمحميات الطبيعية. وفي فرنسا تتواصل سلسلة حرائق هائلة بالأقاليم الجنوبية الغربية من بينها إقليمي نوفيل-آكيتين وجيروند، اللذان شهدا إجلاء أكثر من 12 ألف شخص حسبما أفادت السلطات الفرنسية، مع امتداد الحرائق إلى غابات أخرى بالقرب من مدينة بوردو، والتي أجبرت السكان وروّاد مواقع التخييم إلى مغادرة المنطقة.
ورغم تعدد الأسباب المؤدية إلى اشتعال حرائق الغابات مابين الحرائق المُتعمّدة وتلك الناتجة عن الأنشطة البشرية، والحرائق التي تشتعل بصورة طبيعية بفعل ضربات البرق أو الاشتعال التلقائي والثورات البركانية، إلا أن تغير المناخ يعد السبب الرئيسي لتفاقم هذه الحرائق وزيادة تواترها وشدتها، وهو ما يؤكده تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP والذي يحذر من تزايد مخاطر حرائق الغابات التي يتوقع الخبراء أن ترتفع بنسبة 14 % بحلول عام 2030، و30% مع نهاية 2050، بينما قد تتضاعف وتيرة الحرائق بنهاية القرن الحالي بسبب تفاقم موجات الحر والجفاف.
وتشكّل هذه الحرائق حسب التقرير خطورة هائلة على النظم البيئية وصحة الإنسان، وتشير الأبحاث إلى أن رجال الإطفاء وكبار السن والأطفال والنساء هم الأكثر تضررًا منها خاصة في المناطق الفقيرة، ويمتد الخطر إلى المساكن الواقعة باتجاه الريح، وأحيانًا على بعد آلاف الكيلومترات من مصدر الحرائق، بسبب الدخان والجسيمات الناتجة عن الحريق.
كما تؤدي حرائق الغابات إلى تدمير النظم البيئية والموائل الطبيعية لآلاف الأنواع بما فيها الأنواع المهددة بالانقراض، ومن المتوقع أن تؤدي التغييرات في أنظمة الحرائق إلى خسائر هائلة في التنوع البيولوجي، مما يعرّض أكثر من 4.400 نوع من الأنواع البرية وأنواع المياه العذبة للخطر. حيث تصل مساحات الغابات التي تتعرض للحرائق إلى مايقرب من 423 مليون هكتارسنويًا حسبما يشير التقرير الأممي.
الطبيعة المعقدة لحرائق الغابات تزيد من صعوبة التعامل معها، إذ تمتد معظمها لأيام وتصل إلى عدة أسابيع، وتتعرض سياسات معظم الدول في التعامل مع مخاطرها إلى الانتقاد من جانب المراقبين وخبراء البيئة والمناخ، حيث تتلقى أعمال الحماية المدنية والاستجابات المباشرة للحرائق وجهود السيطرة عليها النسبة الأكبر من إنفاق الحكومات، بينما يتم تجاهل عمليات الوقاية والتأهب. وتشدد إنجر أندرسون المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في تصريحات، على أن الحد من مخاطر الحرائق يستلزم الاستعداد بشكل أفضل، وتعزيز العمل مع المجتمعات المحلية، وتحقيق الاتزام العالمي لمكافحة تغير المناخ.