يؤثر تغير المناخ سلبًا على الكائنات الحية والتنوع البيولوجي في مصر، مما تسبب في هجرة غير مبررة لبعض الكائنات البحرية، وتعريض أنواع الفراشات للخطر.
تعتبر “فراشة سيناء الزرقاء الصغيرة”، كما يسميها علماء البيئة، واحدة من أهم الكائنات المعرضة للخطر في مصر بسبب تغير المناخ.
فراشة سيناء الزرقاء هي فراشة صغيرة الحجم لم تكتشف وتسجل علميا إلا في عام 1979، وأثارت الانتباه بسبب صغر حجمها، حيث يبلغ طولها ما بين 14-18 ملليمترا.
الجانب البطني لجناح هذه الفراشة مليء بالنقط الداكنة، وتوجد بقع برتقالية على الجناح الخلفي، وقرابة 40 بالمئة من الشعر على الجناح أسود.
تعيش هذه الفراشات فقط على بقع من الزعيتران البري على سفح الجبل في ركن جاف من شبه جزيرة سيناء في مصر؛ في محمية سانت كاترين، ولا توجد في أية منطقة أخرى في العالم غير هذه المنطقة.
وتتغذى يرقة الفراشة على براعم نبات الزعيتران، بينما تتغذى الفراشة الكاملة على رحيق زهور الزعتر.
يعتبر نبات الزعيتران نفسه من الأنواع النباتية التي تظهر على قمم جبال سانت كاترين ، في مساحات صغيرة ، ولا يتواجد إلا في هذا المكان الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 1800 متر فوق سطح الأرض.
وفق دكتور سامي زلط أستاذ علم الحيوان بجامعة قناة السويس، يمر تكوين الفراشة بمراحل متعددة، البداية تكون “بيضة” في نبات “الزعيتران”، وهي المرحلة التي تواجه بعض الصعوبات بسبب النمل الذي يتغذى عليه، وبعدها تفقس لتخرج يرقة بحجم 2-3 سم بلون أصفر فاتح، وبعد فترة تصبح اليرقة بطول 5 سم ويتحول لونها إلى الأخضر.
وعندما تكبر تكون مهددة من النمل الأسود والأحمر ثم تصبح بعد ذلك عذراء “شرنقة”، وبعد 21 يومًا تخرج الفراشة وتكون أجنحتها ضعيفة فتعجز عن الطيران، فتكون عرضه لافتراس العناكب لها.
وعندما تكون قادرة على الطيران بعد فترة تتقابل الذكور والإناث عندها، ليحدث التزاوج وتبدأ دورة حياة جديدة.
اقرأ أيضًا.. 5 علامات تكشف تأثير تغير المناخ على التنوع البيولوجي والنظم البيئية للأرض
تغير المناخ يهدد فراشة سيناء
أكد العديد من العلماء المصريين خلال السنوات الماضية أن الفراشة الصغيرة مهددة بالانقراض بسبب الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة.
قالت الدكتورة ليديا محمد كامل، مدير عام الإدارة العامة لتكنولوجيا وأبحاث تغير المناخ بالإدارة المركزية لتغير المناخ بوزارة البيئة، خلال كلمة لها، الخميس، أثناء فعاليات الحوار الوطني للشباب الذي عقد في مقر وزارة البيئة، إن هذه الفراشة التي تعتبر أصغر فراشة في العالم، ويطلق عليها “Pseudophilotes sinaicus” أو فراشة سيناء الزرقاء الصغيرة، مهددة بالانقراض بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الغذاء في المكان الذي تعيش فيه.
وتفسر كامل الأمر قائلة: يؤدي تغير المناخ إلى زيادة وتيرة وشدة موجات الجفاف، التي تضر باستقرار نبات الزعتر الذي تتغذى عليه الفراشة، ما يتسبب في انخفاض عدد الفراشات ويعرضها سريعًا لخطر الانقراض.
أما محمد قطب مدير محمية سانت كاترين، فيفسر المخاطر التي تهدد الفراشة الزرقاء قائلا: الفراشة الزرقاء لها عائل واحد تضع يرقتها به وهو نبات الزعيتران والذي ينمو على قمم جبل سانت كاترين، وبالتالي فإن أي تأثير على هذا النبات يلقي بأثره على الفراشة الزرقاء وعلى دورة حياتها، وارتفاع درجات الحرارة نتيجة التغيرات المناخية، يؤثر على نمو هذا النبات.
ويضيف قطب: خطر أخر على حياة الفراشة القزمة وهو نتيجة عامل بشري، وهو الرعي الجائر للأغنام والماعز على هذا النبات في المنطقة يزيد تفاقم الأزمة ويقضي على الزهور التي تتغذي عليها الفراشات.
فراشة سيناء الزرقاء القزمة هي إحدى الفراشتين المتوطنتين بمحمية سانت كاترين كما يؤكد الدكتور محمد إدريس استاذ علم الحشرات بجامعة الازهر.
ويقول إدريس إن للفراشة أعداء طبيعيين، يهددوا بيضها ويرقتها تتمثل في النمل الاسود والاحمر، حين تبدأ حياة الفراشة في بيضة على نبات الزعيتران، وبعد فقص البيض ودخوله مرحلة الشرنقة ثم خروج الفراشة بعد ذلك تكون عاجزة عن الطيران.
يتمثل التهديد الاول لها في ذلك الوقت في العناكب، وفق إدريس، ثم ياتي التهديد الاخير المتمثل في التغيرات المناخية والتي تهدد دورة حياة الفراشة القزمة.
ويشير ادريس إلى أنه منذ عدة سنوات، اختفت الفراشة الزرقاء بشكل كبير واعتقدنا وقتها أنها انقرضت تمامًا، حتى وجدها بعض الباحثين مرة أخرى في عام 2001.
اقرأ أيضًا.. تقرير: فقدان التنوع البيولوجي قد يحدث أزمة ديون سيادية عالمية.. و3 دول الأكثر تضررًا
جهود حماية فراشة سيناء
يشير مدير محمية سانت كاترين إلى أن هناك الكثير من الجهود المبذولة بغرض الحفاظ على فراشة سيناء القزمة الزرقاء، تضمنت حملات توعية بين أهالي سيناء والسائحين.
وأشار قطب إلى حملة واسعة أطلقتها وزارة البيئة قبل عامين، للتحذير من انقراض فراشة سيناء الزرقاء، تحت شعار “معاً للحفاظ على فراشة سيناء الزرقاء”، ونشرت محمية سانت كاترين مطبوعات خاصة بالفراشة لتوعية الناس بالأخطار التي تواجهها.
ونفذت المحمية برنامجًا أخر لحماية الفراشة المصرية النادرة تضمن اتفاقًا مع البدو قاطني المنطقة، للحد من الرعي في مناطق تكاثر نبات “الزعيتران” الذي تعتمد عليه الفراشة.
لكن لم يحقق هذا البرنامج جميع أهدافه، ولا تزال الفراشة المصرية مهددة بخطر الانقراض، وفق ما أكده العديد من الخبراء لـ أوزون.
يقول خبير البيئة العالمي ومستشار وزير البيئة لحماية الطبيعة الدكتور مصطفى فوده إنه “للحفاظ على هذه فراشة سيناء من الانقراض يجب منع رعي الأغنام والماعز في مناطق رفع الزعتيران نهائيًا خلال مواسم معينه لحين استعادة النباتات لعافيتها وازدياد المساحة المغطاة بالنبات وتنفيذ برامج لاستزراع الزعتيران والنباتات الطبية الأخرى”.
يضيف فوده “فراشة سيناء الزرقاء من أروع وأجمل الكائنات التي تنفرد مصر بوجودها في منطقة صغيره جدا من أرض لا تتعدى 25 كيلومترا في محمية سانت كاترين، وتحتاج منا جميعا بذل الجهود للحفاظ على وجودها وعدم اختفائها من الوجود”.
اقرأ أيضًا.. دراسة: تغير المناخ يزيد من كارثية موجات الحر.. والقادم أسوأ إذا لم نتحرك
تغير المناخ والتنوع البيولوجي
اتفق العلماء على أن مناخ الأرض يتغير بسرعة بسبب ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية خلال القرن الماضي، وذلك بسبب النشاط البشري الجائر على البيئة وحرق الوقود الأحفوري الذي يصدر للغلاف الجوي انبعاثات غازات الدفيئة المعروفة بقدرتها على حبس الحرارة داخل الأرض.
وألزم اتفاق باريس المبرم في 2015 جميع الدول الأطراف بالعمل لمواجهة أزمة تغير المناخ العالمية، عن طريق إبقاء متوسط الزيادة في درجة حرارة الكوكب تحت درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية واستهداف قصر الزيادة على 1.5 درجة مئوية.
ولتحقيق ذلك، لا بد من تقليل الانبعاثات العالمية والوصول إلى الحياد الكربوني في 2050، ما يعني التخلص من نصف الانبعاثات العالمية في 2030.
يترك التغير المناخي تأثيراً مباشراً على الاقتصاد، والصحة والأمن الكوني ويحد من آمال الأجيال القادمة بحياة أفضل، ذلك أنه يقوض قدرة الأرض على انتاج الغذاء وتوفير المياه العذبة.
تسبب الآثار الناتجة عنه الجفاف والتصحر وارتفاع درجات الحرارة، تهديدات مباشرة على التنوع البيولوجي الذي يلعب دوراً جوهرياً في بقاء واستمرار الحياة على الكرة الأرضية، ويؤثر أي اختلال في النظام البيئي على انتاج غذائنا وتوفير موارد العيش، وتوافر المياه، بجانب تأثيره السلبي على الصحة العامة.
تؤكد الدراسات الحديثة أن ما يصل إلى مليون من بين نحو 8 ملايين نوع من النباتات والحشرات والحيوانات على سطح الأرض مهدد بالانقراض، وقد ينقرض الكثير منها في غضون عقود.
وأكد العلماء أن تغير المناخ الناجم عن حرق الفحم والنفط والغاز في إطار صناعة الوقود الأحفوري يفاقم الخسارة ويساهم في فقدان التنوع البيولوجي.
بينما أكدت دراسات أخرى أن نصف الطيور والثدييات الأفريقية قد تواجه خطر الانقراض بحلول عام 2100.