طور علماء من السنغال أداة ذكاء اصطناعي لمساعدة المزارعين الأفارقة على مواجهة العقبات والأضرار الناجمة عن تغير المناخ والتغلب عليها.
خلال السنوات القليلة الماضية، ضربت موجات الجفاف التاريخية، وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ، الزراعة الأفريقية في مقتل، وصعبت الحياة على المزارعين في القارة، حيث يشكو الكثيرون من انخفاض الإنتاجية وتلف المحاصيل.
حفز ذلك مجموعة من الباحثين الأفارقة لتطوير أداة ذكاء اصطناعي، يمكنها مساعدة المزارعين على التنبؤ بظروف النمو المحتملة للمحاصيل، وأطلقوا عليها اسم Africa Agriculture Watch واختصارًا AAgWa، وبالعربية تعني مراقبة الزراعة الأفريقية.
اقرأ أيضًا.. روبوتات تيتان تجعل الزراعة أكثر استدامة.. فما قصتها؟
ابتكار من رحم الأزمة
تعاني إفريقيا من أزمة غذاء كارثية، ما فتئت تتفاقم منذ سنوات عندما بدأت أثار تغير المناخ تضرب القارة بشراسة، فأدت إلى تغيرات في أنماط الطقس تسببت في موجات جفاف تاريخية ألحقت الضرر بالزراعة.
بجانب الصدمات المناخية، تواجه أنظمة إنتاج الغذاء في إفريقيا تحديات متزايدة بسبب العديد من التهديدات الأخرى، كالأمراض النباتية وتفشي الآفات، ووباء COVID-19، وحالات الطوارئ الصحية الأخرى.
لا تتعلق التحديات التي تطرحها هذه الأزمات بمدى تعقيد الاضطرابات فحسب، بل تتعلق أيضًا بصعوبة تحديدها وتتبعها في الوقت الفعلي.
كما من الصعب، حتى في الأوقات العادية، الحصول على معلومات كاملة ودقيقة عن أنشطة المحاصيل، وبالتالي، يصبح جمع المعلومات الموثوقة أكثر صعوبة أثناء حالات الطوارئ.
عندما تضرب الأزمات، توجد صعوبات إضافية في معرفة كيف ستؤثر ظروف النمو على إنتاج المحاصيل أو ما إذا كان سيتمكن المزارعون من الوصول إلى المدخلات والعمالة التي يحتاجون إليها.
يؤكد الخبراء أنه بدون القدرة على التنبؤ بدقة وفي الوقت المناسب بالأزمات والتأثيرات على الإنتاج الزراعي، يمكن بسهولة أن تتحول الصدمة المناخية أو الأزمة الصحية إلى أزمة غذائية.
لذا سعى العلماء في AKADEMIYA2063 للتغلب على نقص المعلومات حول ظروف النمو، باستخدام التقنيات الرقمية الحالية، وطوروا منصة قائمة على الويب، ومرتبطة بنموذج تقني يستخدم تقنيات التعلم الآلي المتطورة والبيانات المستشعرة عن بُعد للتنبؤ بالمحاصيل الزراعية ومستويات الإنتاج للعديد من المحاصيل في جميع أنحاء إفريقيا.
تعتبر AKADEMIYA2063، ومقرها في كيغالي، رواندا، واحدة من المؤسسات البحثية الأفريقية المرموقة، والتي تعمل على دعم التنفيذ الناجح للبرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا والنهوض بالتحول الزراعي والتنمية في القارة.
اقرأ أيضًا.. البصمة المائية لبرامج الذكاء الاصطناعي.. 20 عملية بحث على جوجل = نصف لتر مياه عذبة
أداة ذكاء اصطناعي.. كيف تعمل؟
تستخدم أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة بيانات وصور الأقمار الصناعية لاستشعار المعلمات البيوفيزيائية للأرض وتمشيط خرائط الإنتاج التاريخية من أجل التنبؤ بظروف النمو المحتملة للمحاصيل.
كما تحلل الأداة شدة الحرارة وتأثيرها على المحاصيل ومستوى هطول الأمطار المتوقع وخصوبة التربة.
تنشئ الأداة بيانات أكثر وأفضل من خلال جمع صور الأقمار الصناعية المستشعرة عن بُعد، والتي يمكن أن توفر نطاقًا واسعًا من المعلومات، من كميات إنتاج المحاصيل المتوقعة، والعوائد المستقبلية المقدرة، وتحليل الاتجاهات للمعلمات الجيوفيزيائية مثل درجة حرارة سطح الأرض، وهطول الأمطار، ومؤشرات الغطاء النباتي ، من بين أمور أخرى.
كل هذه العوامل أساسية لنمو المحاصيل وتزود الجهات الفاعلة على الأرض بمعلومات أكثر قيمة لعمل تنبؤات فعالة فيما يتعلق بإنتاج الغذاء.
قال راسين لي، مدير إدارة البيانات في مؤسسة الأبحاث الأفريقية غير الربحية Akademiya 2063: “أي اضطراب تراه في ظروف النمو سينشر في نماذجنا، ومن ثم سيظهر تأثيره على الإنتاج”.
أضاف: “تمكنك الأداة بشكل أساسي من الحصول على خريطة لمعرفة المحاصيل الأكثر احتمالا للنمو، والتي يمكنك زراعتها في منطقة معينة بناء على اتجاهات حالة النمو.”.
تجمع أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة البيانات المستشعرة عن بُعد، لعمل تنبؤات بالإنتاج الزراعي لتسعة محاصيل رئيسية في 47 دولة أفريقية، بمعدل دقة يبلغ 94 بالمائة.
يشمل ذلك السلع المتداولة عالمياً مثل الذرة والقمح، وكذلك السلع الأساسية لأصحاب الحيازات الصغيرة في أفريقيا مثل الكسافا والذرة الرفيعة، التي تعتبر مهمة بشكل خاص في المناطق الريفية، ولا سيما المعرضة للاضطرابات التي تؤثر بشدة على سبل العيش والأمن الغذائي.
يشكل المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة ما لا يقل عن 60 في المائة من إجمالي سكان أفريقيا، ومع ذلك في كثير من الأحيان يفتقرون إلى الوصول إلى البيانات الحيوية لمواجهة التحديات المتزايدة لإنتاجهم الزراعي وسبل عيشهم بشكل عام.
تزود المنصة هؤلاء المزارعين بالبيانات والتحليلات اللازمة للاستعداد للأزمات قبل حدوثها، وتوفر معلومات قيمة لدعمهم.
بالتوازي، تساعد المنصة واضعي السياسات وصناع القرار، في إدارة الأزمات وجهود المراقبة والتخفيف في المجتمعات المحلية، وتحسين عملية صنع السياسات في القطاع الزراعي، وتوقع السيناريو الأكثر ترجيحًا من حيث الإنتاج الزراعي قبل فترة الحصاد في البلدان الأفريقية.
قال لي: “هناك طريقتان لزيادة إنتاج الغذاء، الأولى إدارة المحاصيل بشكل جيد، والثانية هي تقليل الخسائر. وهذا ما تركز عليه أداة AAgWa “.
حظت أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة بترحيب كبير من قبل المزارعين الأفارقة، وأشادت بها العديد من المنظمات غير الحكومية بالقارة.
قال كانيسيوس كانانجير، المدير التنفيذي للمؤسسة الأفريقية للتكنولوجيا الزراعية: “إنه عمل رائع، لأنه في القارة الأفريقية، وخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، من الصعب للغاية التنبؤ بكمية المحصول الذي سيحصل عليه المزارعون”.
كما سلط المدير التنفيذي للمؤسسة الأفريقية للتكنولوجيا الزراعية الضوء على مدى أهمية كون هذا المشروع ابتكارًا أفريقيًا خالصًا، مؤكدًا أن ذلك سيحقق أمرين إيجابيين، أولهما أنه سيجعل الأداة تتكيف مع ظروف القارة الأفريقية، وثانيًا سيضمن استمرار هذه التقنيات.
وقال: “علاوة على ذلك، من شأن تلك التقنيات الجديدة الواعدة أن تساعد المزارعين الأفارقة على التغلب على المجهول في المستقبل فيما يتعلق بالمناخ والصراع وتحديات الآفات والأمراض، قبل أن يظهر تأثيرها الكامل على أنظمة إنتاج الغذاء”.