هذا التحقيق نتاج الدورة التدريبية المتقدمة في صحافة المناخ التي نظمتها منصة أوزون بدعم من مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع للمركز الدولي للصحفيين بواشنطن ICFJ
على بُعد 600 كيلو مترًا من القاهرة، وتحديدًا بمنطقة المراقي المُغطاة بستار أخضر من أشجار الزيتون والنخيل في واحة “سيوة”، التابعة لمحافظة مطروح، يعيش “يوسف عمر”صاحب الـ 39 عامًا- وزوجته وأبنائه الأربعة، حيث يقتات رزقه من زراعة وإنتاج زيت الزيتون، الذي تشتهر به المحافظة الساحلية.
اعتاد يوسف على ادخار مبلغ مالي يصل إلى 20 ألف جنيه من عمله في الموسم السنوي لعصر الزيتون الذى يبدأ من منتصف سبتمبر حتى نهاية ديسمبر نهاية كل عام. وبهذه المبالغ يستطيع العيش طوال العام وتوفير احتياجات أسرته، في ظل ظروف اقتصادية صعبة وغلاء مستمر.
ولكن بسبب موجة حر شديدة تعرضت لها سيوة في عامي 2021، 2022، لم يتمكن يوسف من ادخار المبلغ المعتاد، حيث ضربت الحرارة محصول الزيتون في البلاد بأكملها، وضربت معه قيمة مدخرات يوسف السنوية التي هبطت للربع فقط، فلم يتمكن من ادخار سوى 5 آلاف جنيه في موسم الزيتون السنوي.
يكشف هذا التحقيق كيف تتسبب آثار تغير المناخ، من ارتفاع درجات الحرارة وزيادة نسب الجفاف وحتى شدة موجات الرياح، في تراجع إنتاجية أشجار الزيتون في مصر بشكل كبير، وتحديدًا في واحة سيوة التابعة لمحافظة مطروح، ما يؤثر بالسلب على الأمن الغذائي المصري، ويكبد قطاع زراعة الزيتون والعاملين به خسائر ضخمة، ويبعد البلاد عن صدارتها سوق صادرات الزيتون العالمي.
تضم واحة سيوة قرابة المليون شجرة مزروعة على مساحة 18 ألف و185 فدان زيتون بواقع 45 إلى 55 شجرة زيتون للفدان الواحد، بحسب نشرة المساحات المحصولية والإنتاج النباتي الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء 2018.
كما تحتضن الواحة قرابة 7% من إجمالي المساحة الزراعية المزروعة بأشجار الزيتون في مصر، والتي تصل إلى 245 ألف فدان، في 8 محافظات مختلفة، ويصل عدد أشجار الزيتون بها قرابة 55 مليون شجرة مزروعة بحسب النشرة إحصاءات للمساحات المحصولية والإنتاج النباتي 2020.
قال يوسف لـ “أوزون” :“يحتوي الفدان الواحد الممتد على مساحة 4 آلاف و200 متر مربع، على قرابة من 70 إلى 100 شجرة زيتون، بمتوسط إنتاج من 150 إلى 200 كيلو جرام للشجرة الواحدة، ليكون إجمالي الإنتاج من طن ونصف إلى طنين من الزيتون فى الإنتاجية الجيدة.”
وكشف يوسف: “ضربت موجة الحر الشديدة محصولنا-العام قبل الماضي- في مقتل، وتوقفت معاصرنا عن العمل، وانصرفنا للأعمال الأخرى مثل الفلاحة والزراعة والعِتالة والنظافة في المزارع وأعمال البناء؛ بحثًا عن لقمة عيش بديلة تُلبي مطالب معيشتنا وحاجة أسرنا وأطفالنا”.
وواصل المزارع المصري: “فقدنا أكثر من 80% من محصولنا في ذلك الوقت بسبب تأثيرات التغيرات المناخية التي تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها بشكل كبير وموجات الرياح المتكررة “المناخ المتقلب”.
مشيراً إلى أن الشجرة في ذلك الوقت لم تُثمر ولم تؤتي أُكلها ولم تنتج سوى من 10 إلى 20 كيلو فقط، مما أدى إلى خسارة كل قوتهم.
واستطرد يوسف قائلاً: “يتعرض محصولنا الحالي لنفس الخطر، بسبب احتمالية تكرار نفس سيناريو العام قبل الماضي مستقبلًا”.
الاحترار في مصر
تعتبر موجات الحر والجفاف، من أكثر الآثار المباشرة والملموسة لتغير المناخ العالمي، ووفق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ(IPCC)، أصبحت موجات الحر أطول وأكثر تواتراً وسخونة منذ الخمسينيات من القرن الماضي بسبب الاحترار العالمي.
ويشهد كوكب الأرض احترارًا قياسيًا في العقود الأخيرة، ومن المتوقع أن تكسر درجة حرارة الأرض كل الأرقام القياسية السابقة خلال السنوات السبع القادمة، حيث ارتفع متوسط درجة حرارة الأرض بالفعل نحو 1.1 درجة مئوية خلال القرن الماضي، وفق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
ونصت اتفاقية باريس الصادرة في نوفمبر 2016، على ألا تزيد درجة الحرارة الأرض عن درجتين مئويتين حتى يمكن السيطرة عليها، ولكن التوقعات تشير إلى أن الزيادة ستصل لـ2.8 درجات مئوية في نهاية القرن الحالي، إذا استمرت معدلات الانبعاثات العالمية كما هي الآن، وقد تزيد درجة حرارة حوض البحر المتوسط بمعدل يصل إلى ضعف الرقم العالمى، لتصل لـ4 أو 6 درجات مئوية.
كما زادت تركيزات غاز ثانى أكسيد الكربون CO2 عالميًا من 360 جزء/ مليون لتصل إلى 415 جزء/ مليون، بحسب بيانات صادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية فى تقييمها.
وتشهد مصر منذ عام 2009 احترارًا غير مسبوق، حيث تعد السنوات الـ 14 الأخيرة الأكثر احترارًا في تاريخ مصر منذ بداية سجلات الطقس في عام 1880، وفق البيانات الصادرة عن البنك الدولي.
وشهدت مصر أكثر أربعة أعوام سخونة على الإطلاق في تاريخها في عام 2021، وعام 2010، الذي احتل المركز الأول، وعام 2018، الذي جاء في المرتبة الثانية، و2016، الذي حل ثالثًا.
وتُظهر بيانات البنك الدولي أن المتوسط السنوي لدرجات الحرارة المرصودة في مصر، ارتفع من 23.01 في عام 2004 إلى 23.88 في عام 2021، بمعدل زيادة قدره 3.6%. كما يشير التقرير المحدث وطنيًا التي قدمته مصر بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ الصادر في 2018 إلى زيادة الظواهر المناخية الأكثر تطرفًا على مدى العشر سنوات الماضية.
جدير بالذكر؛ يعد قطاع الزراعة في مصر أحد أبرز القطاعات التي تأثرت بالفعل من ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ، ما تسبب في فقدان كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية خلال السنوات العشر الماضية، وتراجع الرقعة الزراعية وفق البيانات الصادرة عن مركز تغير المناخ التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية.
يقول الدكتور شاكر أبو المعاطى، أستاذ التغير المُناخي بمركز البحوث الزراعية المصرية لـ "أوزون"، إنه خلال السبع سنوات الماضية كان لدينا مشكلات كبيرة في إنتاجية أشجار الزيتون بفقد تخطى الـ 70% نتيجة التغيرات المناخية.
وفق أبو المعاطي، يرجع فقدان إنتاجية أشجار الزيتون إلى احتياجات الزيتون إلى البرودة التي تساعد على زيادة نسبة الزيوت فى ثمر الزيتون، مشيرًا إلى أن متوسط درجات الحرارة حتى في فصل الشتاء، وهي الفترة -التي يحتاجها الزيتون لاحتياجات البرودة- سجلت ارتفاعًا أعلى من المعدلات المطلوبة، مما قلل فرص تزهير النبات خلال شهري فبراير ومارس.
وأضاف أستاذ التغير المُناخي بمركز البحوث الزراعية المصرية: "إذا حدثت عملية الإزهار - تكوين الثمرة- تحت درجات الحرارة العالية؛ فتكون عملية الإزهار مُذَكرة ولم يتم العقد بشكل كامل الأمر الذي يقلل من فرص الإخصاب والتلقيح، ما يخفض الإنتاجية بشكل كبير ومستمر نتيجة تغير وتذبذب المناخ".
وتابع قائلاً: "كما يتسبب كل من عدم استقرار المناخ والفروق الكبيرة بين درجات الحرارة ما بين الليل والنهار، وموجات الرياح، في إسقاط الزهرة المسئولة عن الثمرة، وهنا يطال التأثير كل الزراعات والأصناف وليس الزيتون فقط".
تراجع إنتاج الزيتون في مصر
يعد محصول الزيتون في مصر أحد أبرز ضحايا ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ، وتشتهر محافظة مطروح بأنها واحدة من أهم المحافظات في مصر في زراعة وإنتاج الزيتون.
بلغ إنتاج الزيتون نحو 11% من متوسط الإنتاج الكلي لمصر خلال الفترة بين عامي (2012-2016)، حيث أنتجت زراعة الزيتون قرابة 67.74 ألف طن من إجمالي 615 ألف طن "الإنتاج الكلي لمصر" بحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء .
بحسب البيانات الخاصة بمتوسطات درجات الحرارة المنشورة عبر بوابة معرفة تغير المناخ التابعة للبنك الدولي، زاد متوسط درجات الحرارة فى مصر بمعدل قياسي خلال السنوات الثلاث 2010 و2018 و2021، مُقارنة بالسنوات الثلاث في العقد الأخير.
في محافظة مطروح، سجلت السنوات الثلاث متوسطات مئوية في درجة الحرارة هي (25.68 و25.24 و25.01)، مع العلم أن متوسط درجة الحرارة يُقاس عادةً كل أربع إلى ست ساعات، وبالتالي يشمل ساعات الليل أيضًا.
في عام 2021، واجهت مصر الصيف الأكثر سخونة في تاريخها، من يوليو إلى سبتمبر حيث وصلت درجات الحرارة لذروتها، حيث بلغت أكثر من 42 درجة مئوية ، وبالتالي شهدت محافظة مطروح وواحة سيوة أرقام حرارة قياسية ذلك العام، وهو ما ألقى بظلاله على زراعة الزيتون في المحافظة، وتسبب في تلف معظم ثمار الزيتون؛ حيث سجلت الإنتاجية في عام 2010 نحو 391 ألف طن ثم زاد في عام 2018 نحو 1084 ألف طن ليتراجع الإنتاج بشكل كبير في عام 2021 إلي 491 ألف طن بسبب التغيرات المناخية.
وطبقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، وصلت المساحة المنزرعة بالزيتون خلال عامي 2019- 2020 إلى نحو 220 ألف و387 فدان، وأنتجت نحو 981 ألف طن، ثم تراجعت الإنتاجية في الموسم التالي 2020-2021 بقرابة 50% حيث سجلت 497 ألف طن.
بداية من عام 2018 ضمن سنوات الاحترار الأعلى في مصر وهي سنوات (2010 و2018 و2021) بدأ إنتاج الزيتون في التراجع من 1084 ألف طن إلى 981 ألف طن لينخفض 50% ليسجل 491 ألف طن زيتون.
يُعلق الدكتور محمد فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة، قائلاً: "علاقة الزيتون بالمناخ علاقة معقدة لأن الزيتون شجرة من أشجار البحر المتوسط حيث يتركز 98% من زراعة الزيتون حول حوض البحر الأبيض المتوسط سواء فى جنوبه مثل مصر وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، أو شماله مثل فرنسا واليونان وتركيا وأسبانيا وإيطاليا، فهذه المناطق مناخها معتدل نوعًا ما فى فصول الصيف والشتاء والربيع والخريف.
ويضيف فهيم: "تغير المناخ في المنطقة، سواء الارتفاع فى درجات الحرارة أو تداخل الفصول والشتاء الدافئ، أثر بشكل سلبي على استجابات الأشجار وخفّض إنتاج البساتين الفردية إلي أكثر من 80%، حيث يتأثر الزيتون بالرمال والبساتين".
وتابع رئيس مركز معلومات تغير المناخ: "شهد موسم 2018 خسائر كبيرة عندما اصطدمت أشجار الزيتون بالمناخ القاسي مما أدى إلى تدهور انتاجيته بدرجة غير مسبوقة".
وصلت الخسائر في بعض المزارع لأكثر من 60 إلى 80 %، وفق فهيم، وذلك يرجع إلي عدم استيفاء احتياجات البرودة اللازمة للمحصول، مما أدى إلى نقص فى الإنتاجية تجاوز 30% للأصناف الأجنبية مثل أصناف (مانزانلو وبيكول (الإسبانية)، كالاماتا (يوناني)، فضلاً عن تعرض المحاصيل لموجات خطيرة من رياح الخماسين أثناء التزهير والتلقيح والإخصاب والعقد.
يواصل "فهيم": "الموجات الحارة المتتالية التي حدثت في شهور (مايو – يونيو –يوليو – أغسطس – سبتمبر) في عام 2018 تسببت في حدوث نضج مبكر للثمار مما أثر على حجم الثمرة والمادة الجافة ونسبة الزيت، وكان التأثير أكبر على الأصناف الأجنبية، ما أدى في النهاية إلى نقص فى الكميات النهائية للمحصول بمعدل 20-35% تقريبًا، مقارنة بكمية المحصول المقدرة (على الشجر) في بداية الصيف".
تكرر نفس سيناريو الموجات الحارة المتتالية في شهور (مايو – يونيو –يوليو – أغسطس – سبتمبر) في عام 2019، ما أدى إلى انخفاض كمية المحصول النهائي في هذا العام بمعدل يتراوح من 10 إلى 25% عن المحصول المقدر (على الشجر) في بداية الصيف.
تكرر نفس سيناريو الموجات الحارة المتتالية في (مايو – يونيو –يوليو – أغسطس – سبتمبر) 2019، ما أدى إلى انخفاض كمية المحصول النهائي في هذا العام بمعدل 10 إلى 25% عن المحصول المقدر (على الشجر) في بداية الصيف.
وفي موسم 2020، تعرض "الزيتون" إلى رياح باردة فى أول الربيع ثم أمطار غزيرة في مارس 2020، وتراجعت معدلات الإخصاب والعقد وانخفضت الإنتاجية أيضًا؛ وفقًا لفهيم.
اقرأ أيضًا.. مصر تكافح تغير المناخ بمشروع أشجار المانجروف في 6 مناطق على ساحل البحر الأحمر
خسائر متتالية
بحسب تحليل البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء خلال عشر سنوات (2010-2021)، فيما يخص نصيب الفرد من إنتاجية الزيتون في مصر، كانت 2010 أكثر السنوات تراجعًا، حيث بلغ نصيب الفرد 3.8 كيلو جرام، فضلا عن عامي 2011 و2013، حيث سجل نصيب الفرد 4.3 كيلو جرام، وأخيرًا عام 2021 حيث سجل نصيب الفرد 4.1 كيلو جرام.
بحسب الأرقام الصادرة عن المجلس الدولي للزيتون التابع للأمم المتحدة، تعتبر مصر هي الدولة الأولى عالميًا في إنتاج زيتون المائدة في عام 2019.
أنتجت مصر خلال هذا العام 610 ألف طن وتفوقت على إسبانيا التي أنتجت وقتها 500 ألف طن فقط، بينما استمرت إسبانيا الأولى عالميًا في إنتاج الزيتون منذ 2020 وحتى الآن.
كما سجل محصول عام 2020 في مصر، والذي أعلنت نتائجه في يناير 2021، نفس الكمية وهي 610 ألف طن من زيتون المائدة، ولكن إسبانيا أنتجت في تلك السنة 700 ألف طن، ومن ثم استعادت إسبانيا الصدارة عالميًا في إنتاج زيتون المائدة كما استمرت في صدارة إنتاج الزيتون.
أما محصول عام 2021 والذي أعلنت نتائجه في يناير 2022، فقد تضمن انخفاضًا في إنتاج مصر من زيتون المائدة إلى الثلث، ولم يتجاوز ما بين (320- 491) ألف طنًا، بعدما كان متوقعا أن يصل إلى 900 ألف طن.
عن خسائر المزارعين، يقول "يوسف"، مزارع بمحافظة مطروح، لـ"أوزون": "أحرقت موجات الحر والرياح الشديدة أزهار الزيتون في العام قبل الماضي 2020-2021 ما خسّرنا أكثر من ثُلثي المحصول، وتوقفت معاصر الزيتون عن الدوران، وقطعت معها أرزاقنا.
وفق يوسف، تنتشر فى سيوة من 8 إلى 10 معاصر بطاقات مختلفة، فالمعاصر الصغيرة تبدأ من 125 كجم إلى 250 كجم (ربع طنًا) و الأكبر تتراوح قوتها من طن واحد حتى 3 طنًا في الساعة.
كما تحتاج المعصرة الصغيرة عمالة من 2 إلى 4 عمال، بأجر يومي يتراوح من 100 إلى 150 جنيه في الوردية التي تبلغ 8 ساعات، وتزيد الأعداد بحسب حجم الطاقة.
أضاف يوسف: "يبدأ موسم عصر الزيتون كل عام من منتصف سبتمبر حتى منتصف يناير من العام الذي يليه، ويوجد لدينا أكثر من 5 أنواع يتم عصرها لاستخراج زيت الزيتون، منها "الإسباني والوطيجن والشملالي والمراقي وغيرهم"، تكون نسبة الزيوت قليلة فى العصرة الأولي، لا تتجاوز الـ 10%، وكلما نزل الصقيع وانخفضت درجات الحرارة زادت نسبة زيت الزيتون، لتصل إلى ذروتها في أواخر نوفمبر وديسمبر، حيث تتراوح النسبة من 18 إلى 20%."
وتابع: "عقب خسارة المحصول اشتعلت أسعار الزيتون فارتفعت من 5 إلى 17 جنيه للكيلو الواحد، كنتيجة لارتفاع سعر طن الزيتون ما بين 17 إلى 20 ألف جنيه، كما قفز كيلو زيت الزيتون من 45 و60 إلى 140 جنيه، حيث يستخلص من الطن الواحد نحو 150 كيلو جرام من الزيت.
يقول أحمد باكور، أحد مزارعي واحة سيوة: "تسبب المناخ أيضًا في اختلاف توقيتات نضوج الأصناف الخاصة بالزيتون، فمثلا "التفاحي" هو الصنف الأول فى النضج ما بين شهري "سبتمبر وأكتوبر"، والأن ينضج فى وقت متأخر ما بين شهري "نوفمبر وديسمبر". كما تنضج الأصناف الزيتية قبل شهر أكتوبر وبذلك تفقد "الصقيع" الذي بدوره يساهم في رفع نسبة الزيت في الزيتون." مشيرًا إلى أن مسألة النضج المبكر قبل التعرض لـ"الصقيع" تفقدنا قرابة 7% من إنتاج زيت الزيتون بعد عصره، من 25% فى الطن، وزن 1000 كجم، إلى 18% فقط .
ويواصل "باكور": بدأ المزارعون في اللجوء إلى أصناف مثل "المنزللو" لأنه الأكثر تحملاً لدرجات الحرارة ويحافظ على اخضراره طوال العام وهو صنف جديد يتم استيراده من مشاتل خارج مصر، يضاف له أصنافًا أخرى مثل "البارحي والمدجول" لأن أسعارها غالية تغطي تكلفة إنتاجها.
المناخ وأشياء أخرى
يتعرض المزارعون لمشكلات عديدة أخرى، بخلاف المناخ، تتسبب فى فقدان إنتاجهم الزراعي، أبرزها نوعية المياه المستخدمة في الري والأمراض والآفات.
يقول باكور: "يتأثر الزيتون بنوعية المياه التى يتغذى عليها، حيث تختلف مصادر المياه ما بين آبار عميقة وأخري سطحية أو جوفية، وحينما ظهرت الآبار العميقة ذات المياه العذبة على أعماق تصل إلى 1000 متر بدأت الأشجار القديمة (الأصناف المعمرة) ذات أطوال 8 متر، تتأثر، لأن الأشجار تعتمد على المياه المالحة التي تعطيها عمر أكبر، ما يجعلها تنتشر بشكل كبير فى واحة سيوة".
يرتبط ظهور الأمراض الفطرية والإصابات الحشرية بتغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة أيضًا، وهو ما أكده لنا المهندس حسام رضا، خبير الإرشاد الزراعى، قائلًا: "طبقاُ لدراسة منظمة الفاو "الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة"، ودراسة للدكتور أيمن فريد أبوحديد، بجامعة عين شمس بعنوان" تغير المناخ والأزمات الزراعية المصرية"، ستؤدى التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة إلى انتشار الأمراض الفطرية والإصابات الحشرية ما يؤثر على الزراعة في مصر".
يقول باكور: "ظهرت الأمراض التي تضرب المحصول خلال سنوات الحر الأخيرة فقط، وأبرزها ثاقبة العراجبين والحشرة القطنية والعنكبوت، ما دفعنا لاستخدام المبيدات، لأول مرة في الأعوام الأخيرة، من أجل وقاية الشجر عقب كل عملية تقليم"..
فى السياق ذاته يقول المهندس الزراعي مهدي عبي، الذي يمارس عمله بواحة سيوة: "قبل خمس أو سبع سنوات كنا لا نعرف المبيدات أو المقاومة، وحاليًا بسبب آفة ثاقبة العراجين، بدأنا في استخدام المبيدات بشكل أكبر، ووصلت التكلفة من صفر إلى 40 و 50 جنيه للشجرة الواحدة ، وهو نفس الحال مع الزيتون الذي يتطلب مبيدات لمقاومة الحشرة القشرية أو الحشرة القطنية الذي وصلت تكلفته إلي 50 جنيه، كذلك الحال مع ظهور الدودة الخضراء للبرسيم المنزرع بين أشجار الزيتون".
اقرأ أيضًا.. تغير المناخ في مصر.. بهذه الطرق سيتأثر الطقس ومستقبل زراعة القمح والذرة
ما الحل؟
بدوره يقول شاكر أبو المعاطي، رئيس قسم الأرصاد الجوية بمركز البحوث الزراعية: "كل سنة لها مناخها الخاص الذي يؤثر على حجم الإنتاجية. يتراوح محصول هذا العام بين 100 و200 ألف طن حتى الآن، ما يعكس انخفاضًا كبيرًا ، حيث كان من المرجح أن يصل حجم محصول الزيتون المتوقع في موسم 2020 /2021 إلى 491 ألف طن، ما يمثل خطورة علي مكانة مصر في سوق الزيتون العالمية، ويكبد المزارعين خسائر جمة، وهنا يجب أن نطرح تساؤلاً هامًا: هل يتحمل مزارع الزيتون حجم الخسارة الحالية وكلفة الزراعة فى الموسم الحالي؟ لا أعتقد".
كما كانت مصر أكبر مُصدِّر لزيتون المائدة في العالم خلال موسم 2019/2018، وفقا لموقع أوليف أويل تايمز. وأنتجت ما يقرب من ربع الإجمالي العالمي، طبقا لإحصاءات المجلس الدولي للزيتون، قبل أن تتراجع عند المقدمة في الأعوام التالية والوضع الذي مازال مستمرًا حتى الآن.
فيما يخص الحلول يقول " شاكر": "للتغلب على تأثيرات التغيرات المناخية لابد من العودة إلي الأصناف المحلية مثل العجيزي ذات التحمل للظروف المحلية والقدرة على تحمل الإجهادات البيئية بعكس الحال في الأصناف المستوردة التى نبتت فى ظروف مناخية مغايرة ولا تتأقلم بسهولة مع الظروف المحيطة، مع الاهتمام بعمليات الري والتسميد فضلا عن عمليات التقليم وعمل سياج حول المزراع لمنع نفاذ الرمال أثناء هبوب الرياح أو كسر حدة الموجات الحارة الساخنة" .
ويضيف: "كما نحتاج إلى البحث عن البيئات المناسبة لزراعة الزيتون والبعد عن المناطق ذات موجات الرياح الشديدة والساخنة وتوفير السماد والري الجيد للتغلب على عوامل الإجهاد مع التوجه لزراعة الأصناف المحلية لأن لديها القدرة على مقاومة الإجهادات البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية ".
أما المهندس حسام رضا فيرى الحل في استنباط أصناف قصيرة الموسم، قائلاً: "زيادة درجات الحرارة تخفّض إنتاجية المحاصيل في مصر، وتزيد استهلاك المياه، لذا توصي الدراسات باستنباط أصناف قصيرة الموسم للحد من تأثيرات التغيرات المناخية، فيكون لديها القدرة على تحمل الملوحة في ظل توقع زيادة ملوحة التربة".
على المستوى الرسمي، اتخذت الحكومة المصرية بعض الاجراءات لمواجهة هذه الأزمة، وفق فهيم، أبرزها تقديم الإرشادات والنصائح للمزارع أو الفلاح ليتخذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على المحصول، وذلك عبر مركز التنبؤ بالمناخ والإنذار المبكر.
كما استوردت الحكومة أصنافًا جديدة من الزيتون الإسباني واليوناني والإيطالي، لديها القدرة على التكيف مع المناخ الجديد، من أجل توزيعها على الفلاحين.
تدرس الحكومة أيضًا خطة شاملة لإنقاذ زراعة الزيتون، تتضمن تغيير خريطة زراعة الزيتون في مصر، ونقلها للمحافظات الأقل عرضةً لآثار تغير المناخ، بجانب استحداث مركبات جديدة لرش الأشجار خلال فترات معينة للحفاظ على عملية التزهير والعقد، وأيضًا العمل على توعية المزارعين وحثهم على تغيير أنماط الزراعة هو من أهم وسائل التصدي لتغير المناخ.