منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

السفير محمد نصر: قمة شرم الشيخ حققت أهدافها.. وخطة COP28 طموحة وشاملة

كان ختام قمة المناخ في شرم الشيخ COP27، نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تاريخيًا بامتياز، مع إعلان الأطراف تأسيس صندوق “الخسائر والأضرار”، حلم الدول النامية، لأول مرة.

يقف خلف الإنجاز التاريخي، الذي طالبت به الدول النامية طوال 30 عامًا من المفاوضات، لدعمها في مواجهة الأضرار والكوارث المناخية، رئاسة COP27 الممثلة في وزير الخارجية المصري سامح شكري،  والفريق الرئاسي الذي قاده السفير محمد نصر، مدير إدارة تغير المناخ والبيئة والتنمية المستدامة بوزارة الخارجية المصرية، وكبير مفاوضي المناخ بمصر وإفريقيا.

يتمتع نصر بخبرة رفيعة المستوى في مفاوضات المناخ، حيث شغل منصب المفاوض الرئيسي للتمويل في المجموعة الأفريقية للمفاوضين بشأن تغير المناخ (AGN) منذ عام 2009.

يقول نصر إن مؤتمر تغير المناخ السابق في شرم الشيخ COP27، حقق جميع الأهداف التي وضعتها الرئاسة المصرية للمؤتمر.

وأشار نصر، في حوار خاص، إلى أن إنجاز صندوق الخسائر والأضرار الذي أعلن عنه لأول مرة في مفاوضات شرم الشيخ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ألقى بظلاله على مخرجات مهمة جدًا للمؤتمر.

ويقول نصر إن خطة الركائز الأربع لمؤتمر المناخ المقبل، التي أعلنها الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، الرئيس المعيّن لمؤتمر الأطراف COP28، طموحة وشاملة جيدة لأبعد حد.

 

أكد نصر، الذي يتمتع بخبرة رفيعة المستوى في مفاوضات المناخ، أن دولة الإمارات لديها رؤية قوية في قضية تحول الطاقة، متوقعًا أن يحقق COP28 تقدمًا في ملفات الخسائر والأضرار والهدف العالمي للتكيف وتحول الطاقة بالإضافة إلى التقييم العالمي الأول لاتفاق باريس.

 

إلى نص الحوار:

 

هل ترى أن COP27 حقق أهدافه؟

بالطبع، حقق أهدافه كلها وفق التصور الذي وضعناه كرئاسة للمؤتمر.

جميع العناصر والأهداف التي رأينا ضرورة وجودها في مخرجات المؤتمر وأعلنّا عنها قبل بدايته، تحققت بالكامل، سواء في الأجندة النهائية التي نسميها ” Action Agenda”، أو في المفاوضات، أو في الشق الرئاسي.

 

ما رأيك في الانتقادات الموجهة للقرار الختامي بأنه تجاهل ذكر التخلص من الوقود الأحفوري؟

تقديرات خاطئة بالطبع، فالمسار التفاوضي يستدعي موافقة 194 دولة تجتمع على طاولة المفاوضات، ما يعني ضرورة توافق الجميع على النص النهائي.

وفي حال اعترضت دولة واحدة أو مجموعة قليلة من الدول على صياغة مدعومة من 100 طرف آخر، لا يصح تجاهل هذه الاعتراضات، ولا يجوز وضع نص مختلف عليه في القرار النهائي، لأن ذلك يهدد مخرجات المؤتمر ككل.

على الجانب الآخر، بعض الأشخاص أو الجهات أو التجمعات تكون منحازة لصياغة أو لغة بعينها، ولا يتقبلون أي صياغة أخرى حتى لو كانت تحقق نفس الهدف.

الحقيقة أن القرار النهائي أدرج موضوع الطاقة بالفعل، لكن البعض لم يقرأ المخرجات جيدًا.

بل إن خطة شرم الشيخ تضمنت لأول مرة نصًا بشأن زيادة نسبة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة، سواء على المستوى الوطني أو الدولي.

هذا بالضبط ما يطالبون به، لكنه موجود بصياغة مختلفة بعض الشيء عن صياغتهم.

فزيادة الطاقة المتجددة تعني بشكل واضح تقليل مصادر الطاقة الأخرى، أي أنها نفس المعنى والرسالة والهدف.

والسبب في أننا اعتمدنا هذه الصياغة، هو توافقها مع الرؤية الخاصة بالمؤتمر بشأن التنفيذ، حيث إن تنفيذ التخارج من الطاقة التقليدية لن يتم إلا في حالة زيادة الطاقة المتجددة.

 

هل يجب أن تتبع جميع الدول نموذجًا موحدًا لتحول الطاقة؟ أم الأمر يختلف من دولة لأخرى؟

كل دولة لها وضع خاص، لذا كنا حريصين في COP27 على أن تكون المخرجات النهائية للمؤتمر متوازنة لحد كبير، وتجمع كل العناصر التي تجعل مسألة الانتقال تتناسب مع قدرات وإمكانيات كل دولة بمفردها.

قلنا إنه وفقا للتوصيات العلمية، لا بد أن يحدث توسع في الطاقات المتجددة، وانخفاض في الطاقات من المصادر الاخرى للوقود.

لكن ذلك لن يحدث وفق نموذج موحد يطبق على كل الدول، بل يجب أن يتم من خلال آلية الانتقال العادل، المذكورة بوضوح في القرار النهائي لمؤتمر شرم الشيخ، ولم تكن موجودة من قبل.

تعني آلية الانتقال العادل أن كل دولة يجب أن تضع خطتها للتحول وفق إمكاناتها، وقدراتها، وأيضًا على قدر ما يأتي لها من تمويل.

في نفس الوقت، عملية التخارج من نموذج تنموي إلى آخر، لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، وتشمل قطاعات مختلفة، وليس قطاع الطاقة فقط.

كما يعد التخارج من قطاعات مثل النقل أو الزراعة، أصعب بكثير من قطاع الطاقة، وكي تستطيع أن تتحول من نموذج لأخر، هناك أثمان اجتماعية واقتصادية يجب أن تدفع، وهي متباينة من مكان لأخر، لذا يجب أن يكون هناك خطة تتناسب مع وضع كل دولة، ولا يجوز أن نفرض على أحد خطة انتقال بعينها.

من هنا تأتي أهمية “الانتقال العادل” كما وضعناها في مخرجات المؤتمر، والتي تضع في اعتباراتها جميع الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، والظروف الوطنية لكل دولة، وحجم التمويل المتاح وأدواته.

فالدول النامية مثلًا، لن تتمكن من الاعتماد على القروض إلى ما لا نهاية لتحقيق الانتقال.

وطالما لدينا مشكلة عامة ونسعى للاتفاق على حل عام لها، يجب أن تعكس وسائل وأدوات التمويل المتاحة التوافق الدولي، ولا تعكس أولويات المستثمر أو القطاع الخاص.

 

ما آخر ما توصلت له المفاوضات بشأن صندوق الخسائر والأضرار؟

دعني أؤكد في البداية أن الوصول لاتفاق بشأن انشاء ترتيبات لتمويل الخسائر والأضرار في الدول النامية، ومن ضمنها تأسيس صندوق، بمثابة قفزة هائلة للأمام، لم تحدث من قبل خلال 30 سنة من المفاوضات.

لكن هذا الإنجاز التاريخي، للأسف، ألقى بظلاله على مخرجات مهمة جدًا في النص النهائي لشرم الشيخ، تحديدًا المتعلقة بالطاقة والمياه والزراعة، والتي ذكرت لأول مرة.

فيما يخص المباحثات بشأن الصندوق وترتيبات التمويل، نتفاوض الآن حول كيفية تفعيل الصندوق، وشكل ترتيبات التمويل التي سيتم إقرارها في النهاية.

هل سيكون صندوقًا مستقلًا أم ضمن منظومة مالية؟ وإن كان ضمن المنظومة المالية الموجودة فما هي آليات التنسيق داخلها؟

ذلك ما تتفاوض بشأنه اللجنة المعنية خلال العام الجاري، ولا تزال مسارات التفاوض مستمرة.

تضم اللجنة 24 عضوًا، وتجتمع لمناقشة جميع الأفكار والمقترحات المقدمة من جميع الأطراف.

حتى الآن، اجتمعت اللجنة مرتين، وأمامها اجتماعان آخران قبل COP28، ثم تعلن النتائج التي توصلت لها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

 

الدول المتقدمة تريد ترتيبات تمويل من خارج اتفاقية الأمم المتحدة، والدول النامية تطالب بالعكس، إلى أين وصلت هذه الخلافات؟

كل طرف لديه وجهة نظر، وهذه طبيعة المفاوضات متعددة الأطراف.

نتفاوض الآن بشأن طبيعة ترتيبات التمويل، وتبحث اللجنة الوضع من كافة جوانبه، وتستقبل التقارير  التي تصف طبيعة الوضع الحالي على الأرض من جميع الخبراء، .

ونسعى في النهاية للوصول إلى توافق بين الجميع، بحيث يتم تفعيل ما تم الاتفاق عليه.

لا بد أن نشير هنا إلى أن أبعاد هذا الأمر ليست سياسية فقط، يجب أن تكون النتائج مبنية على حقائق الوضع على الأرض، وطبيعة الآليات الموجودة للتعامل معه، وهل هي كافية أم لا؟ ولو كافية ما الذي يجب أن نفعله في تلك الحالة؟ هل نحتاج زيادة التمويل أم تغيير السياسات؟

هذا هو النقاش الدائر الآن داخل اللجنة.

بجانب ذلك، أي مفاوضات تتعلق بترتيبات تمويل تحتاج إلى معايير ومتطلبات ووقت للوصول إلى نتائج.

كما أن كل مانح أو مساهم في الصندوق يحتاج أن يرى الضمانات الكافية، ويريد تصورًا واضحًا للسياسات، ليعرف أين ستذهب الأموال ولمن؟

وبعد الاتفاق على الترتيبات، سننطلق لمرحلة أخرى، وهي الطرق التي سنحقق بها تلك الترتيبات، وعبر أي وسائل.

إذا حققت اللجنة إنجازًا في كل هذه الأمور، ستقدم ما توصلت إليه في شكل توصيات لمؤتمر الأطراف المقبل، وإذا لم تحقق إنجازًا سيتم البناء على ما توصلت إليه فيما بعد.

 

هل يمكن أن تعتمد أدوات تمويل الصندوق  على المنح وليس القروض؟ 

نعم، بل يجب أن تكون أدوات تمويل الصندوق قائمة على المنح بالأساس، لأننا هنا لسنا بصدد مشاريع تنموية، نحن نتحدث عن مشاريع لاستعادة التنمية المفقودة.

بمعنى أن أي دولة تعرضت لخسائر وأضرار، كباكستان مثلاً، كانت قبلها في مستوى تنموي معين، لكنها بعد أن تعرضت لأثار تغير المناخ خسرت هذا المستوى التنموي والمعيشي.

هنا يجب أن نعيدها للمستوى الذي كانت عليه، لم نتحدث هنا عن تطوير، بل نسعى فقط لإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الخسارة.

كما أنه ليس من المقبول أن تتعرض الدول لخسائر هي غير مسؤولة عنها، ثم تعالجها بالقروض.

في نفس الوقت، نحن لا نعتبر هذه المنح بمثابة تعويضات، بل آلية من آليات التكامل بين الدول لاستعادة التنمية المفقودة.

 

بالنسبة لشبكة سانتياجو، كيف يمكن أن تحقق إفادة للدول المعرضة للخطر؟

الشبكة تأسست لتحضير الدول النامية للتعامل مع الخسائر والأضرار.

هذه الدول لا بد أن تكون لديها خطة واستراتيجية واضحة لمواجهة آثار تغير المناخ بناء على العلم.

هناك مناطق تتعرض للأعاصير أو العواصف الشديدة بشكل متكرر، ومناطق أخرى تتأثر بارتفاع مستوى سطح البحر، أو موجات الحر الشديدة والمستمرة، كل منطقة سيكون لها خطة أو استراتيجية مختلفة.

قبل ذلك كانت الدول تعتمد على المعلومات المتاحة بشأن آثار التغيرات المناخية، التي كانت تحّدث على فترات طويلة، بهدف وضع خطط للتكيف، وحساب ما تحتاجه من تمويل.

مع الخسائر والاضرار اختلف الأمر، نحتاج إلى جمع بيانات جديدة حول المخاطر المتوقعة وطرق الاستعداد لها، ومعظمها غير متاحة، .

هذه البيانات ستساعد الدول على الاستعداد للكوارث المناخية وطرق التعامل معها وفق المصادر المتاحة أو التجارب السابقة، وهذا هو دور شبكة سانتياجو الرئيس.

بشكل عام، ستقدم الشبكة دعمًا فنيًا فقط، ولن تقدم أي دعم مالي.

 

هل هناك خلاف على مسألة تحديد مقر دائم للشبكة؟

نعم، وهو أمر طبيعي، فالمفاوضات بشكل عام أمر معقد، وله أبعاد مختلفة، حتى لو تعلق بمسألة ليست كبيرة مثل تحديد مقر للشبكة.

بعض الأطراف ترى أن منطقتها أولى باستضافة الشبكة لأنها الأكثر تعرضًا لآثار تغير المناخ، بينما البعض الأخر يرى أنه أحق بالاستضافة لأسباب أخرى، كلها أمور إجرائية، ولها بعد سياسي بالطبع.

 

ما أهمية التقييم العالمي الأول في رأيك؟ وهل نتائجه ستؤثر على المفاوضات؟

بموجب اتفاقية باريس، سيرصد التقييم العالمي التقدم الجماعي للأطراف، ويرصد ما تحقق، وما لم يتحقق من بنود الاتفاق، ويحدد الإجراءات ذات الأولوية لتحقيق الأهداف المناخية المنصوص عليها بالاتفاقية، ويساعد في تحديد مسار العمل المناخي في الدورة التالية لتعهدات الدول الوطنية.

تستمر كل عملية تقييم لمدة سنتين، وتحّدث كل خمس سنوات، وتنتهي عملية التقييم الأولى في 2023، وتبدأ عملية التقييم الثانية في 2026 وتنتهي في 2028.

لذا الهدف الرئيس للتقييم العالمي، هو استفادة البلدان من نتائجه وتوصياته، في أثناء تحديث خططها وتعهداتها المناخية، بدءا من الدورة المقبلة لتقديم التعهدات في 2024-2025.

سيوفر التقييم نظرة فاحصة للوراء، حول ما تم التعهد به مقارنة بما تم تنفيذه بالفعل، مع نظرة مستقبلية حول التعامل مع التوصيات العلمية، والتي تحّدث بشكل مستمر، بناء على التقييمات لحجم التطور والتحديات المتعلقة بتغير المناخ وأثاره.

على جانب آخر، سينتج عن التقييم العالمي توصيات جديدة بالطبع، على سبيل المثال، قد تخرج توصيات بشأن الحاجة لتسريع وتيرة التحول للطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة، أو البدء في مشروعات المياه والزراعة على اعتبار أنها القطاعات الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية، والأكثر أهمية لأكبر عدد من السكان.

قد تخرج توصيات أيضًا بشأن تسريع عملية التعامل مع الخسائر والأضرار لأن لها أثار مثل النزوح أو الهجرة.

في النهاية ستخضع جميع التوصيات للتفاوض بين الأطراف، وبالتالي قدر التحرك سيتحدد حسب رؤية الدول وامكانياتها وطبيعة الوضع العالمي.

وهنا سيأتي دور الرئاسة الاماراتية في دفع مستوى الطموح  لدى كل الدول خلال المفاوضات المقبلة، وهو أمر مهم، لأن تأثير تغير المناخ على جميع القطاعات أصبح حقيقة واقعة، ولا يزال العالم يستوعب ما يحدث.

في النهاية، التوافق العالمي بشأن أهمية الاجراءات وضرورة الإسراع بها، موجود، لكن تظل آليات دعم التنفيذ هي المشكلة والعقبة الرئيسة في المنظومة القائمة بالتعامل مع التحدي الوجودي لتغير المناخ.

 

هل يوجد مؤشرات بشأن نتائج التقييم العالمي؟ وما هي الخطوات التالية؟

النقاش الفني والتقني، الذي أجرته اللجان المسؤولة عن التقييم، توصل إلى نفس النتائج التي أعلنها الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في تقارير التقييم السادس، التي صدرت العام الماضي والجاري.

فيما يخص التقرير التقني والفني، ستعلن نتائجه في سبتمبر المقبل.

بعدها مباشرة ستبدأ اللجنة العليا، المعنية بصياغة التقرير النهائي، العمل على مخرجات التقييم العالمي، التي ستشمل الجانب العلمي، بناء على التقرير التقني والفني، بالإضافة إلى الجانب السياسي، بناء على المفاوضات.

ستعقد اللجنة العليا اجتماعاتها فيما بعد سبتمبر لوضع هذه المخرجات بناء على توافق الأطراف في المؤتمر المقبل، سيتم صياغة التقرير النهائي من قبل أعضاء اللجنة العليا.

تضم اللجنة  الرئاسة الحالية لمؤتمر المناخ وتمثلها “مصر”، والرئاسة المقبلة وتمثلها “الإمارات”، ورؤساء اللجان الفرعية بالأمم المتحدة للمناخ، رئيس هيئة التنفيذ من باكستان ورئيس هيئة المشورة العلمية والتكنولوجية من بولندا.

 

ما الذي حققه COP27 لاستراتيجية التكيف؟

أولًا، فيما يخص أجندة العمل الرئيسة لـCOP27، حققنا ما يسمى أجندة شرم الشيخ للتكيف، بهدف خلق وربط منظومة مستمرة بشأن التكيف، تعمل على التنسيق بين مؤسسات الأمم المتحدة، ومبادرات رئاسة COP كل عام، مع تركيز أكبر على قطاعات لم تكن موجودة من قبل، مثل الزراعة والمياه.

ستشمل الأجندة مجموعة من المؤشرات لمساعدة الأطراف، بجانب تقارير متابعة دورية للتأكد من أن الدول بدأت في تنفيذ مشروعات التكيف بالفعل، وتخطت مرحلة التخطيط أو الاستراتيجيات إلى مرحلة التنفيذ وتقليل الخسائر.

فيما يخص جانب المفاوضات، حققنا 3 خطوات للأمام، أولها أننا ذكرنا موضوعات ذات أولوية للدول النامية للمرة الأولى في القرار النهائي، وهي الأمن الغذائي والمياه وانتقال المجتمعات.

سيساعد ذلك في تسليط الضوء على ضرورة تضمين الموضوعات الثلاثة في الاستراتيجيات الوطنية، وتنبيه المؤسسات أو المنظمات الدولية والإقليمية لأهمية العمل مع الأطراف وتجهيزها للتعامل مع هذه الملفات.

كما أحرزنا خطوة أخرى للأمام تتمثل في إقرار برنامج شرم الشيخ للزراعة، والذي يهدف لاستكمال المسار لبرنامج العمل السابق الخاص بالزراعة، كورونيفيا، بالتركيز على التنفيذ.

وأخيرًا، ساعدنا في دفع المفاوضات بشأن الهدف العالمي للتكيف للأمام، كي يتم إقراره هذا العام، وهو أمر ليس سهلًا على الإطلاق.

 

ما المقصود بالهدف العالمي للتكيف? وكيف سيتغير الوضع بعد إقراره؟

أي هدف في العالم لا بد أن تكون له شروط، أهمها أن نحدد له كما ووصفا، وحاليًا لا يوجد هدف للتكيف في العالم كله بهذا الشكل.

لدى العلم الآن القدرة على معرفة تأثير الأحداث المناخية على المجتمعات، مثل ارتفاع درجة الحرارة أو ارتفاع سطح البحر، ويمكن للخبراء عمل سيناريوهات تتضمن الآثار المحتملة لتغير المناخ، وهذا ما تفعله الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

لدينا المعرفة إذن لكن ينقصنا الهدف.

لذا الهدف المقترح هو تقليل تأثير هذه الآثار، بمعنى تعزيز قدرة المجتمعات والدول لمواجهة تغير المناخ، وتقليل خسائره المحتملة بأقصى قدر ممكن.

سيحدث ذلك عن طريق اتخاذ مجموعة من الإجراءات، أهمها زيادة الدعم والاستعداد، لتتمكن الدول في النهاية من الصمود أمام الخسائر والأضرار المناخية.

مثلًا، تعزيز القدرة في قطاع الزراعة للتحول نحو الزراعة المستدامة أو المتكيفة مع تغيرات المناخ، عن طريق استنباط الأصناف النباتية الجديدة، والتعامل مع شح المياه، وبالتالي تقليل الخسائر في أوقات موجات الجفاف.

لدينا أهداف كثيرة تحت هدف التكيف، لكن الهدف العريض هو زيادة قدرة الدول والمجتمعات على الصمود وخفض الآثار أو التبعات أو التكلفة البشرية والمادية لتغير المناخ.

 

لماذا تواجه مشروعات التكيف نقصًا في التمويل على عكس المرتبطة بالتخفيف؟

لا يزال النموذج الموجود الآن بشأن تمويل المناخ قائمًا على الفرصة الاستثمارية، والفرصة موجودة بالطبع في مشروعات تحول الطاقة، لأنها ذات عائد اقتصادي للممول.

أما أغلب مشروعات التكيف فتكون ذات عائد اجتماعي وليس اقتصاديا، ويعود بشكل كامل على الدولة المستفيدة منها، بالتالي لا تمثل فرصة بالنسبة للمستثمر، لذا لا يهتم بها.

في نفس الوقت، الدول المتقدمة التي تساهم في تمويل المناخ، تعتبر مشروعات التكيف جزءا من مشروعات التنمية، لكنها قطعًا ليست كذلك، فهي ذات بعد تنموي، بجانب أن لها أبعادا أخرى، وهذا ما نحاول شرحه للجانب الآخر.

في حال لم تنفذ هذه المشاريع، سيكون لها آثار تتجاوز فكرة التنمية على المستوى المحلي بكثير.

في قطاع الزراعة مثلًا، عندما يفقد المزارع القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية ويفقد مصدر دخله، سيبحث عن مصدر دخل جديد، أو ينتقل لمكان آخر للبحث عن فرصة عمل، وإن لم يجد فسيفكر في الهجرة لمنطقة أو بلد آخر.

لذا يجب أن ننظر للصورة بمنظور أبعد وأوسع أيضًا، وألا نتعامل مع الأزمة من منظور محلي فقط، أو نراها من بعد واحد ونتجاهل باقي الأبعاد.

خير دليل على ذلك، ما وصلت إليه أرقام الهجرة غير الشرعية، ليس في منطقة البحر المتوسط فقط، بل في أمريكا ومناطق أخرى، وذلك لأن استقرار الحياة والمجتمعات يتأثر بشدة بالتغيرات المناخية وآثارها.

 

هل تجيد منظومة التمويل الدولية التعامل مع هذه المشكلة؟

لا، آلية أو منظومة التمويل الدولية القائمة الآن غير قادرة على التعامل مع هذا الجانب نهائيًا، كما أنها غير قادرة على التعامل مع الخسائر والأضرار المناخية.

من غير المنطقي أن تحصل الدول المتضررة على قروض لبناء ما كان موجودًا بالفعل، وتضرر أو انهار بسبب تغير المناخ، على اعتبار أنه يندرج تحت بند التنمية.

لذا ينصب الاهتمام الآن نحو كيفية اعادة تأهيل منظومة التمويل الدولية، سواء قطاعا خاصا أو بنوكا دولية أو بنوك تنمية، بحيث تقدم الدعم بدون التأثير على برامج التنمية الموجودة بالفعل.

على سبيل المثال، لا يجوز أن نأخذ الأموال من برامج القضاء على الفقر، أو برامج تحقيق التنمية، ونضعها في برامج تغير المناخ.

ذلك لا ينفي أهمية الربط بين تغير المناخ وتحقيق التنمية المستدامة، لكن دون أن نعتبر تمويل التنمية المستدامة أو تمويل المناخ، أيًا منهما بمفرده، سيحقق الهدفين، لا بد أن يكون تمويل المناخ إضافيًا ومنفصلًا عن تمويل التنمية.

 

دائمًا نرى أزمة التمويل في صدارة المفاوضات المناخية، ما السبب في رأيك؟

أي أمور مرتبطة بالتمويل في العالم كله دائمًا ما تكون محل أزمات. والممول، أيًا كان، يريد دائمًا ضمانات كافية، ليطمئن أن مشروعه سيتمكن من تحقيق العائد المطلوب.

لدينا 4 مصادر لتمويل مشروعات المناخ: الأول يشمل المؤسسات أو صناديق التمويل الكبرى، التي لديها معايير وسياسات خاصة بها، تضمن من خلالها تحقيق الفوائد للمساهمين فيها.

أما الثاني فيشمل الاستثمارات بجميع أنواعها. والثالث في شكل مساعدات للتنمية تقدمها دولة لدولة أخرى على المستوى الثنائي. والرابع، الذي ظهر مؤخرًا، يشمل المؤسسات أو المنظمات غير الهادفة للربح.

باختصار شديد، الأزمة ليست في قلة الأموال، ولكن في تكلفة الأموال، وهذا لب الخلاف.

في حال نفذت مشروعًا ما في زامبيا مثلًا، ستحتاج لقرض قد تصل فائدته لـ12%. نفس المشروع بنفس المواصفات إذا تم تنفيذه في ألمانيا أو الولايات المتحدة، تقل فائدة القرض لـ2%.

لاحظ أن الفائدة وحدها تضاعفت 5 مرات من مكان لمكان، رغم أن المشروع واحد، وهذا هو المقصود بتكلفة الأموال.

تتمثل المشكلة الأخرى في صعوبة الوصول للتمويل نفسه، هناك دول كثيرة لا تستطيع الحصول على التمويل اللازم بسبب كمية المعايير المشددة التي تفرضها المؤسسات.

لا بد أن يتغير هذا الوضع، وهو بالضبط ما نص عليه قرار شرم الشيخ، بإعادة هيكلة مؤسسة التمويل الدولية عبر 3 محاور: زيادة الأموال المخصصة للمناخ وإيجاد مصادر تمويل إضافية، تسهيل الوصول للتمويل بشروط ميسرة، تغيير أدوات التمويل نفسها.

فيما يتعلق بأدوات التمويل، الدول أصبحت غير قادرة على تحمل القروض وفوائدها، خاصة مع ارتفاع سعر الفائدة، لذا من الضروري أن تجد مؤسسات التمويل أدوات أخرى غير القروض لدعم المشروعات المناخية، هذا دورها.

تناقش جميع هذه الأمور الآن من قبل المساهمين في مؤسسات التمويل، وهم المعنيون وحدهم بوضع المعايير، لأن الأمم المتحدة ليست لديها سلطة على هذه المؤسسات، وكل ما يمكن أن تفعله أن تحثهم على التغيير أو تقدم لهم الاقتراحات.

 

هل تلتزم الدول المتقدمة بدفع الـ100 مليار دولار للدول النامية؟ وهل المبلغ كافٍ بالأساس؟

فيما يخص تعهد الـ100 مليار دولار، أكدت الدول المتقدمة أنها ستدفع تلك الأموال خلال هذا العام.

لكن الأزمة ليست في الـ100 مليار دولار، فهذا الرقم كان مجرد انعكاس لالتزامهم نحو الدول النامية في 2009.

أما إذا تحدثنا عن الاحتياجات الفعلية للدول النامية فقط من أجل تنفيذ تعهداتها الدولية، فهي تتخطى هذا الرقم بكثير، وتتراوح بين 6 و11 تريليون دولار حتى 2030.

كما أن تأخر دفع الـ100 مليار دولار لثلاث سنوات أو أكثر، معناه أن تنفيذ الدول المتقدمة للتعهدات ليس بالقوة التي يتحدثون عنها.

 

تتفاوض الأطراف الآن بشأن هدف كمي جديد للتمويل؟ ما التطورات والعوائق؟

مسألة الهدف الكمي الجديد للتمويل قائمة بالأساس على تغير الأوضاع عما كانت عليه في 2009، عندما حددت الدول المتقدمة رقم الـ100 مليار دولار كهدف للتمويل حينها، لمساعدة الدول النامية على مواجهة تغير المناخ.

في 2009 كان هذا الرقم كبيرا جدًا، وكان الهدف منه هو إعطاء الضمانات والحافز للدول النامية مقابل المشاركة في مسؤولية مواجهة تغير المناخ واتخاذ الإجراءات اللازمة، وكان ذلك أحد الأمور التي أسهمت في اتفاق باريس.

وعندما لم تنفذ الدول المتقدمة ما تعهدت به، وتأخر التمويل 3 أو 4 سنوات، تسبب ذلك في تخوف كبير لدى الدول النامية.

الجانب الآخر أن هدف التمويل الجديد يجب أن يتحدد وفق دراسة ومعايير صارمة، بمعنى ربطه بالاحتياجات أو النتائج.

من الأمور التي تحققت في شرم الشيخ، ولم ينتبه لها الكثيرون، أننا قلنا إن تحقيق التحول في مجال الطاقة المتجددة يحتاج إلى تريليون دولار سنويًا، بينما الوصول للحياد الكربوني في 2050 يحتاج إلى 4 تريليون دولار على الأقل.

باختصار، يجب أن يتحدد الهدف المالي الجديد وفق ما نسعى لتنفيذه، سواء كان ما نسعى له هو هدف 1.5 درجة مئوية أو هدف الطاقة المتجددة، وعلى هذا الأساس، تبدأ جميع المؤسسات في العمل على تحقيقه.

لكن في رأيي، الخلاف لن يكون على الرقم، بل على من سيدفع أو يقدم هذا الرقم.

 

ما انطباعاتك بشأن خطة COP28 ذات الركائز الأربع التي أعلنها الدكتور سلطان الجابر؟

خطة طموحة وجيدة جدًا، وبها رؤية واضحة وشاملة، خاصة في الجزء المتعلق بالطاقة. بشكل عام، الإمارات لديها رؤية قوية جدًا في قضية تحول الطاقة.

وفيما يخص هدف مضاعفة الطاقة من مصادر متجددة 3 مرات بحلول 2030، والعمل على تحسين كفاءة الطاقة، فهو أمر في غاية الأهمية، خاصة أنه يضمن وجود البعد التنموي.

بجانب ذلك، تتعامل الخطة بشكل جيد مع الجانب الخاص بالتنفيذ، وهو ما تعاملنا معه أيضًا في COP27.

كما أن الخطة مبنية على مخرجات المؤتمرات السابقة، وهو أمر في غاية الأهمية.

في غلاسكو مثلًا، كان الحديث عن رفع سقف الطموحات وتحسين التعهدات الوطنية فظهرت مشاكل بشأن التنفيذ.

في COP27 دخلنا في مسألة التنفيذ، فظهرت مشكلات تخص التمويل والتكنولوجيا والخسائر والأضرار وتحول الطاقة.

في المؤتمر المقبل، ستضع رئاسة COP28 في اعتبارها جميع هذه الملفات، وهي تمتلك تصورًا واضحًا جدًا لمعالجتها.

 

ما هي أهم الملفات التي تتوقع أن تحقق خطوة للأمام في COP28؟

أعتقد أن COP28 سيحقق خطوات للأمام في ملف الطاقة، كما أتوقع التوصل لتوصيات جيدة جدا في موضوع الخسائر والاضرار، بجانب تقدم في الهدف العالمي للتكيف.

ذلك بالإضافة إلى التقييم العالمي، وهو ملف مهم جدًا، لأنه يعطينا تصورًا كاملًا حول العمل المناخي خلال السنوات الخمس المقبلة.

 

حدثنا عن التنسيق بين الرئاسة الحالية والرئاسة المقبلة للمؤتمر؟

نعمل معًا كفريق واحد، ونتواصل أسبوعيًا، ونتشاور في الأمور المشتركة، وفي رؤية المؤتمر المقبل، ونتحدث بشأن مخرجات شرم الشيح الممتدة لمؤتمر دبي، مثل برنامج عمل خفض الانبعاثات، والانتقال العادل، وغيرها.

نتناقش أيضًا حول تدفقات التمويل، وننسق مع الفرق التفاوضية الإماراتية بصورة مستمرة.

أما على مستوى الرئاسة، فهناك تواصل لا ينقطع بين الوزير سامح شكري، والدكتور سلطان الجابر، وهناك تنسيق مستمر في مختلف المحافل.

الإمارات الآن تبني نجاحها، ونحن نقدم لها كل الدعم الممكن.

 

ما هي إجراءات تسليم وتسلم رئاسة المؤتمر؟

تظل رئاستنا مستمرة حتى أول أيام COP28، وفيه يسلم الوزير سامح شكري رئاسة المؤتمر للدكتور سلطان الجابر، لتتولى دولة الإمارات قيادة المفاوضات.

 

 

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.