يترقبُ العالم خلال الساعات المقبلة انطلاق الانتخابات الأمريكية، مع احتدام السباق إلى البيت الأبيض بين المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس. وهي الانتخابات التي تُشكّل نتائجها المرتقبة محطةً حاسمة في مسار العمل المناخي عالميًا، مع التباين الكبير بين مواقف كِلا المرشحين الرئاسيين حيال ملفات التحول الطاقي وتغير المناخ.
تحتل السياسة المناخية الأمريكية مساحةً بارزة في دائرة الاهتمام العالمي، نظرًا لتأثيرها الكبير والدور الذي تلعبه في تشكيل الاستجابة تجاه أزمة المناخ. حيث تُعد الولايات المتحدة من أبرز المتسببين في الاحترار العالمي، وتأتي في صدارة الدول المُنتجة للنفط الخام، كما تُصنف كثاني أكبر مُصدّر للانبعاثات الكربونية على مستوى العالم بعد الصين.
المنافسة الشرسة التي تدور بين الديمقراطيين والجمهوريين، تتزامنُ مع قرب انعقاد قمة COP29، التي تستضيفها أذربيجان في الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر المقبل، وهو ما يثير التساؤلات حول تأثير العملية الانتخابية على موقف الولايات المتحدة من محادثات المناخ.
لم تحتل قضية تغير المناخ موقعًا مُتقدمًا في الحملات الرئاسية كورقةٍ مؤثرة لجذب الناخبين، لكنّها برزت بشكلٍ جليّ في مواقف واتجاهات المُرشّحين خاصة تلك المتعلقة بإدارة ملفات الاقتصاد والطاقة، والتي بدت مختلفة بشكلٍ جذري بين كلا المعسكرين.
يُشكك ترامب بالأساس في كون الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير المناخ، حيث اعتبر أن الاحترار العالمي هو مجرد “خدعة”، وهو ما عبّر عنه بوضوح في عددٍ من الخطابات والمقابلات الصحفية التي أجراها. بينما وصفت هاريس قضية المناخ بأنها تمثل تهديدًا وجوديًا، يستدعي زيادة جهود الانتقال إلى الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
معلومات مضللة: فيديو لترامب يخلط بين المصطلحات المناخية للتشكيك في الاحترار العالمي
موقف ترامب المُعادي لسياسات المناخ لا يُعد جديدًا، إذا أعلنه بوضوح خلال فترة ولايته الرئاسية المنقضية، في قراره بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ عام 2017 وهو ما كان بمثابة ضربة كبيرة للعمل المناخي، لتصبح الولايات المتحدة أول دولة في العالم تنسحب رسميًا من الاتفاق، قبل أن يُعيد الرئيس جو بايدن بلاده إلى المعاهدة مرة أخرى فور فوزه بالانتخابات الرئاسية الماضية عام 2020.
وبحسب تحليل صحيفة نيويورك تايمز تراجع ترامب خلال فترة ولايته عن ما يزيد عن 100 لائحة بيئية محلية، حيث قامت إدارته على مدار أربع سنوات بتفكيك سياسات المناخ الرئيسية، وإلغاء العديد من القواعد الأخرى التي تحكم جودة الهواء والمياه وحماية البرية، والحد من استخدام المواد الكيميائية السامة.
هناك العديد من العوامل التي تؤثر على سياسات المناخ الأمريكية، كما يوضح الدكتور كريم الجندي استشاري الاستدامة والتغير المناخي، حيث يتشكل المشهد المعقد لسياسة المناخ في الولايات المتحدة من خلال ستة عوامل رئيسية، تضم الاعتبارات الاقتصادية حول انتقال الطاقة النظيفة، والانقسامات السياسية الصارخة بين الأحزاب، والنشاط العام المتزايد خاصة بين فئات الشباب، كذلك الالتزامات الدولية والقرارات القضائية بشأن اللوائح البيئية، فضلاً عن تعزيز تقنيات الطاقة النظيفة.
“الطاقة” الملف الأكثر جدلاً
ويلفت في حديثه لـ”أوزون” إلى أن ملف الطاقة يأتي في صدارة القضايا التي تشهد انقسامًا كبيرًا بين الديمقراطيين والجمهوريين، وتعكس الأساليب المتباينة في إدارة الملف رؤى مختلفة جوهريًا لمستقبل الطاقة والبيئة في أمريكا. فمن المحتمل أن تعمل إدارة هاريس -حال فوزها بمقعد الرئاسة- على تسريع تبني سياسات الطاقة النظيفة، من خلال توسيع الإعانات لتشجيع التحول الطاقي، وتعزيز الرقابة من جانب وكالة حماية البيئة، مع التنفيذ الصارم لقانون خفض التضخم، بجانب تعزيز الدور الأمريكي في جهود المناخ العالمية.
وعلى النقيض من ذلك، يُرجح أن تتراجع إدارة ترامب عن اللوائح البيئية المُقررة من جانب الديمقراطيين، كما يُشير الجندي، متابعًا: وصول ترامب إلى البيت الأبيض قد يؤدي إلى إبطاء الالتزامات القائمة أو عكسها بشكل كبير، مع إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي المعتمد على مصادر الطاقة التقليدية، من خلال التوسع في إنتاج الوقود الأحفوري لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة.
ويرى راسل أرمسترونج مستشار السياسات بشبكة العمل المناخي الأمريكية، أن سياسة المعسكر الديمقراطي التي أعلنت هاريس عن استمرار دعمها وتنفيذها،من شأنها أن تؤدي إلى خفض تكاليف الطاقة الخضراء، ودعم صناعة السيارات الكهربائية، والضغط بقوة أكبر من أجل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
مضيفًا في تصريحه لـ”أوزون”: على الجهة الأخرى أتخوّف بشكل كبير من ميل ترامب إلى تشجيع الإعفاءات الضريبية لمليارديرات النفط والغاز الذين دعموا حملته، فمن المرجح أيضا أن تُستخدم التعريفات الجمركية على الواردات لدعم هذه الإعفاءات الضريبية، مما يجعل من الصعب على الأميركيين العاديين الحصول على المنتجات، مع جعل سلسلة التوريد أقل استدامة ومرونة في مواجهة الصدمات المناخية، كل ذلك يؤدي إلى تضاعف البصمة الكربونية للمواطن الأمريكي.
التمويل المناخي على المحك
من جانبه يؤمن هارجيت سينغ، الناشط المناخي ومدير التعاون الدولي بمبادرة معاهدة منع انتشار الوقود الأحفوري، أن الإدارات الأمريكية فشلت تاريخيًا في الوفاء بمسؤولياتها المتعلقة بالمناخ العالمي بشكل كامل، بينما أهملت الالتزامات المالية الحاسمة لدعم البلدان النامية، ففي حين تقاوم الإدارات الجمهورية عمومًا التزامات التمويل الدولي للمناخ، فإن الإدارات الديمقراطية سعت فقط إلى تحقيق إلتزامات لا ترقى إلى حجم الالتزامات المطلوب تحقيقها.
ويؤكد في حديثه لـ “أوزون” على أنه إذا احتفظ الديمقراطيون بالسلطة، على الرغم من عدم قدرتهم على تلبية الاحتياجات العالمية، فمن المرجح أن يستمر قانون خفض التضخم في دعم نمو الطاقة النظيفة واستهداف خفض الانبعاثات بنسبة 40٪ من مستويات عام 2005 بحلول عام 2030. بينما يهدد فوز الجمهوريين تخفيضات الانبعاثات الحالية والتراجع عن التزامات الولايات المتحدة تجاه اتفاق باريس وتمويل المناخ.
ماذا نتوقع من الولايات المتحدة في COP29؟
يرى الجندي أن موقف الولايات المتحدة من محادثات المناخ العالمية، سيتوقف بشكل أساسي على النتائج المرتقبة للانتخابات، فحسم الديمقراطيين الجولة لصالحهم من شأنه أن يوفر مزيدًا من الاستقرار لمفاوضات مؤتمر الأطراف، ورغم ذلك، فإن أجندة التفاوض حول تمويل المناخ تبقى ثابتة إلى حد كبير، لكن السؤال الرئيسي كما يشير هو ما إذا كانت إدارة هاريس ستدعم هدفًا جماعيًا جديدًا للتمويل يلبي احتياجات البلدان النامية، وإلى أي مدى ترغب الولايات المتحدة في المساهمة فيه.
ويشدد على خطورة العواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على فوز ترامب بالرئاسة، فبعيدًا عن نيته المعلنة لتفكيك سياسات المناخ المحلية، فإن اقتراحه بالانسحاب من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سيكون مدمرًا للتعاون المناخي العالمي، حتى وإن استغرقت عملية الانسحاب الرسمي بعض الوقت، إلا أنه مجرد الإشارة للانسحاب الأمريكي، من شأنها أن تؤدي إلى تفكيك الجهود الرامية إلى خلق إجماع حول التزامات تمويل المناخ الطموحة في COP29، ومن شأنه أيضًا أن يشجع البلدان الأخرى التي تقاوم العمل المناخي.
بينما يلفت سينغ إلى أنه في حال فازت هاريس بهذه الانتخابات، فمن المتوقع أن تدافع القيادة الديمقراطية عن التعاون المناخي المتعدد الأطراف، على الرغم من أن وجهة نظرها في تمويل المناخ باعتباره “استثمارًا” معاملاتيًا قد تعيق التقدم في تحديد هدف مالي جديد، نحن في أمس الحاجة إليه لدعم دول الجنوب العالمي، ودعم تمويل الخسائر والأضرار.