منذ اعتماد اتفاق باريس للمناخ عام 2015، وإصدار التقرير الخاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بشأن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية، شهد العالم ازديادًا ملحوظًا في عدد البلدان الملتزمة بأهداف انبعاثات صفرية صافية. وبحلول مارس 2022، كانت 33 دولة والاتحاد الأوروبي قد أعلنت عن تبني هذا الهدف الطموح، سواء من خلال قوانينها الوطنية أو وثائقها السياسية.
وفي هذا السياق، أصدرت كاثرين ماكينا، رئيسة مجموعة الخبراء رفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة، تقريرًا هامًا بشأن التزامات الجهات الفاعلة غير الحكومية بانبعاثات صفرية صافية. ويُعد هذا التقرير بمثابة دعوة عاجلة لوضع خطط انتقالية عالية النزاهة لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050، كما يحث الشركات والمستثمرين والمدن والمناطق والحكومات على تكثيف وتنظيم العمل المتعلق بالتزامات الجهات الفاعلة غير الحكومية بانبعاثات صفرية صافية.
يأتي هذا التقرير استجابةً لطلب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بتقديم تحديث حول التقدم الذي أحرزته الشركات والمستثمرون والمدن والمناطق في تنفيذ توصيات “تقرير النزاهة مهمة لعام 2022” من أجل ضمان التزامات موثوقة بصافي الانبعاثات الصفري.
لم يعدّ من المعقول أن تدّعي الشركات والمستثمرون والمدن والمناطق أن التحرك بشكل أسرع لمعالجة أزمة المناخ أمرٌ في غاية الصعوبة أو مُكلف للغاية.
وتُضيف ماكينا: “يُظهر القادة الذين سلّط هذا التقرير الضوء عليهم أنه بالإمكان تحقيق صافي انبعاثات صفري عالي النزاهة. ومع ذلك، لتحقيق هدف اتفاق باريس المتمثل في الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية، نحتاج إلى مجموعة أكبر بكثير من الشركات والمستثمرين والمدن والمناطق للاستفادة من هذه الأمثلة، ووضع خطط انتقالية عالية النزاهة بحلول عام 2050.”
ونشهد اليوم العديد من المدن والولايات والمناطق التي تدرك الفرصة الاقتصادية الكامنة في التحول في مجال الطاقة، وتسعى جاهدةً للاستفادة منها. وقد قامت ما يقرب من 100 مدينة رائدة حول العالم بتطوير خطط عمل مناخية متوافقة مع أهداف اتفاقية باريس، بما يتماشى مع إطار عمل انتقال المناخ للمدن C40.
يشير التقرير إلى أنه وفقًا لـ Net Zero Tracker، فإن 1145 من أكبر 2000 شركة مدرجة في البورصة في العالم قد التزمت طوعًا بتحقيق صافي انبعاثات صفري، بزيادة قدرها 23٪ منذ يونيو 2023، مع ارتفاع ملحوظ في آسيا.
ومع ذلك، لا تتوافق إلا نسبة ضئيلة من هذه الأهداف والخطط مع المعايير المحددة في تقرير “مسائل النزاهة”. ويُسلّط التقرير الضوء على نقص حاد في الالتزامات الطوعية بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والذي يجب أن يُشكّل أساسًا لجميع خطط التحول، إلى جانب زيادة الدعم للجهود الرامية إلى مضاعفة كفاءة الطاقة، ومضاعفة مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات.
وتشمل الثغرات الرئيسية الأخرى في الالتزامات الطوعية بصافي الانبعاثات الصفري: عدم التوافق الواضح مع خطط الاستثمار، وعدم دمج التزامات حماية الطبيعة والتحول العادل، بالإضافة إلى غياب متطلبات التدقيق المستقل والتحقق والضمان.
بعد الاتفاق.. أعضاء لجنة الخسائر والأضرار: رؤسائنا قد يرفضوا التوصيات ويعيدوا النقاش
وقالت ماكينا: “إن الجهود الطوعية وحدها ليست كافيةً لتحقيق حجم ووتيرة التغيير الذي نحتاج إلى رؤيته”. وأضافت أننا بحاجة أيضًا إلى أن تُكثّف الحكومات جهودها وتُنظّم تعهدات صافي الانبعاثات الصفري لمعالجة القضايا التنافسية وتوفير اليقين اللازم لقرارات الاستثمار.
ويُظهر تقرير حديث صادر عن مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة حول الشركات الرائدة أن 90٪ من الشركات تُبدي استعدادها للاستثمار بشكل أكبر إذا قامت الحكومات بتنفيذ سياسات لمعالجة الحواجز القطاعية.
وتستعد العديد من الشركات الكبرى في جميع أنحاء العالم بالفعل للاستجابة للوائح الإفصاح المناخي الإلزامية في الولايات القضائية الكبرى. ستشمل توجيهات إعداد التقارير عن الاستدامة للشركات في الاتحاد الأوروبي (CSRD) ما يقرب من 50000 شركة، بينما ستؤثر قواعد الإفصاح الأخيرة في كاليفورنيا على ما يقرب من 75٪ من شركات Fortune 1000.
مع تقديم البلدان لمساهمات جديدة محددة وطنيًا (NDCs) في عام 2025، تبرز الحاجة إلى مزيد من التوافق مع الجهات الفاعلة غير الحكومية. ومن خلال دفع الشركات والحكومات دون الوطنية إلى تحديد أهداف وخطط صارمة لتحقيق صافي انبعاثات صفري، يُمكن للدول تعزيز مصداقية أهدافها المناخية الوطنية.
وفي هذا الصدد، يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “يجب أن تكون كل مدينة ومنطقة وصناعة ومؤسسة مالية وشركة جزءًا من الحل أيضًا. ويتعيّن عليهم تقديم خطط انتقالية قوية بحلول مؤتمر الأطراف الثلاثين العام المقبل في البرازيل على أبعد تقدير. ويجب أن تكون هذه الخطط متماشيةً مع هدف 1.5 درجة، وتوصيات مجموعة الخبراء رفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة بشأن صافي الانبعاثات الصفري”.
وأضافت ماكينا: “إن تسارع تغير المناخ والتحول إلى الطاقة النظيفة أمرٌ لا مفر منه. وتمتلك الشركات والمستثمرون والمدن والمناطق الأدوات اللازمة للتصرف بشكل حاسم منذ الآن. ويتعيّن عليهم العمل مع الحكومات الوطنية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس. فكل جزء من الدرجة مهم، وكل طن من ثاني أكسيد الكربون يُحدث فرقًا. يجب أن نبذل قصارى جهدنا في العمل الجاد الآن، وإلا فإننا سنواجه جميعًا العواقب الوخيمة غدًا”.
من جهتها، قالت لورانس توبيانا، الرئيس التنفيذي لمؤسسة المناخ الأوروبية: “من دواعي سرورنا أن نشهد التقدم الملحوظ الذي تحقق في العامين الماضيين منذ صدور تقرير “مسائل النزاهة”. فقد أظهرت العديد من المدن والمناطق والشركات والمؤسسات المالية، التي التزمت بتحقيق صافي انبعاثات صفري ووضعت خططًا انتقالية، التزامًا جادًا بدعم جهود تحقيق أهداف اتفاقية باريس. وفي الوقت الذي تُقدّم فيه البلدان مساهماتها المحددة وطنيًا، نجد أنفسنا أمام ضرورةٍ مُلحة للعمل الجماعيّ المُنسّق. وبينما يبدو المسار بعيد المدى واضحًا، فإنّ سرعة التغيير تُحتّم علينا اتخاذ إجراءاتٍ عاجلة لخفض الانبعاثات، والتّخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وتمكين الانتقال الإيجابي والعادل نحو صافي انبعاثات صفري، بما يحفظ سلامة كوكبنا ويُحقق العدالة بين الأجيال.”
وقال جونتر ثالينجر، من شركة أليانز إس إي ورئيس تحالف مالكي الأصول الصافية الصفرية:”يمكننا توجيه محافظ الاستثمار بما يتماشى مع المسار العلميّ، غير أنّه يتعيّن على الحكومات تعزيز مساهماتها المحددة وطنيًا وخطط التنفيذ، لتمكين المستثمرين من خفض انبعاثاتهم بشكلٍ فعّال وإحداث تأثيرٍ إيجابيّ ملموس في العالم.”
وفي الختام، شدّد بيتر باكر، رئيس مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة على أهمية العمل الجماعي والتحرك السريع، مُشيدًا بالتقدم المُحرز في توحيد معايير محاسبة غازات الاحتباس الحراري.