بعد جولةٍ من المفاوضات المُحتدمة في مؤتمر المناخ COP29 الذي يُعقد في العاصمة الآذرية باكو، لا يبدو أن ثمّة اتفاق يلوح في الأفق، بشأن الهدف الجديد لتمويل المناخ الذي تحاول الدول التوافق عليه خلال المؤتمر.
ويسعى الهدف الجماعي الكمي الجديد لتوفير 1.3 تريليون دولار سنويًا للتمويل المناخي، إلا أن المسودة الأولى التي خرج بها المفاوضون بعد انقضاء نصف مدة المؤتمر الذي يستمر حتى 22 نوفمبر الجاري، تعكس التباين الكبير بين مواقف الدول المُتقدمة والنامية، فيما يتعلق بطبيعة التمويل ومصادره وآلياته.
لم تنجح رئاسة المؤتمر حتى الآن في تقريب وجهات النظر وحشد التوافق حول الأهداف الرئيسية التي يسعى COP29 لتحقيقها. إلا أن التوصل لاتفاقٍ يُحقق العدالة المناخية ويدفع للحد من الاحترار العالمي مازال ممكنًا، حسبما يرى مراقبون، شريطة أن تُبدي الدول المتقدمة التزامًا واضحًا ومسؤولية حقيقية تجاه القضية.
بينما شهد المؤتمر إطلاق مجموعة من المبادرات والتعهدات التمويلية، من جانب عددٍ من الدول والمنظمات والهيئات التمويلية، جاء على رأسها مبادرة “باكو” لتمويل المناخ والاستثمار والتجارة، والتي تهدف إلى خلق بيئةٍ تعاونية ومنصة حوار طويلة الأجل، من أجل تعزيز العلاقة بين تمويل المناخ والاستثمار للمجتمع الدولي.
المبادرة التي أطلقتها رئاسة المؤتمر، أيدتها رئاسات مؤتمرات الأطراف السابقة والقادمة COP28 و COP30، وجمعت أيضًا عدد من الجهات من بينها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومنظمة التجارة العالمية، فضلاً عن بنوك التنمية وصناديق المناخ المتعددة الأطراف.
وأعلن بنك التنمية الآسيوي عن تمويل بقيمة 3.5 مليار دولار لبرنامجٍ جديد للمساعدة في مواجهة تأثير ذوبان الأنهار الجليدية، بينما أعلن قطاع البنوك الأذربيجاني عن تخصيص 1.2 مليار دولار للمشاريع الخضراء حتى عام 2030.
وقال مختار باباييف رئيس مؤتمر الأطراف COP29 أن هذه المبادرات التمويلية، تأتي في إطار إلتزام رئاسة المؤتمر بجمع الشركاء الأساسيين معًا لتسريع العمل المناخي، حيث تستند خطة المؤتمر على تعزيز الطموح وتمكين العمل من خلال وضع خطط مناخية واضحة، وحشد التمويل المناخي الذي يجب أن يساهم به جميع الجهات الفاعلة، من القطاع الخاص والمؤسسات الخيرية والبنوك الإنمائية، وكذلك صناديق المناخ ومنظمات المجتمع المدني.
كوب 29: ستيل يطالب بتحقيق نتائج قوية في تمويل المناخ
من جانبه يرى راسل أرمسترونج مستشار السياسات بشبكة العمل المناخي، أن المبادرات والتعهدات التمويلية التي دائمًا ما يُعلن عنها في مؤتمرات الأطراف، لا يُمكن أن تكون بديلاً عن التوصل لاتفاقٍ عادلٍ ومستدام بشأن التمويل المناخي، فما يُهم حقًا هو ما يحدث داخل غرف المفاوضات، غير أن كثير من التمويلات التي تم الإعلان عنها تأتي في صورة قروض وليست منح، ما يجعل الدول النامية تستمر في معاناتها من أجل الوصول إلى تمويلٍ عادلز
ويتابع في حديثه لـ”أوزون”: نحتاج إلى المُضي قدمًا في التمويل العام لتحقيق الهدف التمويلي الجديد، بتوفير 1.3 تريليون دولار سنويًا، ومازال أمامنا جولة أخرى من المفاوضات حتى نهاية المؤتمر. فنحن لسنا بحاجة إلى المزيد من المبادرات والتعهدات التي لا تُنفذ. تحتاج دول الجنوب العالمي إلى المزيد من التسهيلات لتدفق التمويل العادل.
بينما تُشير الدكتورة أميرة سوّاس، رئيسة الأبحاث والسياسات في مبادرة معاهدة حظر انتشار الوقود الأحفوري، إلى أن المفاوضات الجارية -كما هو الحال دائمًا في مؤتمرات الأطراف- تشهد انحيازًا واضحًا لمصالح الدول المتقدمة على حساب الدول النامية، التي تُطالب بالحد الأدنى للتمويل في الهدف الجديد، لجعل الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري إلى اقتصادات خضراء مرنة ممكنًا.
وتضيف لـ”أوزون”: حقيقة ما نحتاجه بالفعل يصل إلى 5 تريليونات دولار سنويًا، عندما نأخذ في الاعتبار المسؤولية التاريخية للدول المتقدمة عن هذه الأزمة، والتأثيرات التي أحدثتها الظلم الاقتصادي بين الشمال والجنوب العالميين.
تلفت سوّاس إلى أن “مصادر التمويل” تُعد أحد أكبر المعارك الدائرة في المفاوضات المناخية، حيث تطالب البلدان النامية والمجتمع المدني العالمي بإصرار، بتوفيره في شكل منح وقروض تفضيلية – بدلاً من الوضع الراهن لتمويل المناخ من خلال الديون، لأن حل أزمة المناخ لا يجب أن يؤدي إلى خلق أزمة ديون، مبنية على تغذية جيوب كبار رجال الأعمال وصناعة الوقود الأحفوري، الذين لا يهتمون بتحقيق أهداف اتفاق باريس.
وتُشدد على أن الفجوة في تحقيق هذا التمويل لا تتعلق بالمال، لأن المال موجود بالفعل، لكنها تتعلق بالإرادة السياسية لاتخاذ خياراتٍ أفضل، والرد على صناعة الوقود الأحفوري المعوقة لأهداف المناخ.
ويرى هارجيت سينغ، الناشط المناخي ومدير المناصرة العالمية بمبادرة معاهدة حظر انتشار الوقود الأحفوري، أن إحجام الدول الغنية عن الالتزام بالهدف التمويلي الجديد، وضمان تقديمه في شكل منح بدلاً من القروض والاستثمارات، لا يقوض نجاح هذا المؤتمر فحسب، بل يلقي بظلاله أيضًا على نزاهة هذه الدول، التي تنظر إلى تمويل المناخ الحيوي باعتباره مجرد استثمارات، وليس شريان الحياة الذي تحتاجه البلدان النامية بشكل عاجل.
متابعًا: لا يمكن الوصول إلى اتفاقٍ بغير إعادة تعريف ما الذي يعنيه التمويل المناخي في المقام الأول، فالدول المتقدمة وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تدفع نحو التعامل مع هذه الصناديق باعتبارها فرصًا استثمارية، وهذا يجعلنا نستمر في حلقة مُفرغة من الخلاف العميق والجذري حول ماهية التمويل العادل.
ويضيف في حديثه لـ”أوزون”: صناعة الوقود الأحفوري يجب أن تكون مسؤولة ماليًا، . وذلك من خلال تحويل الدعم الموجه لها إلى معالجة الخسائر والأضرار المناخية، ودعم الانتقال العادل للفئات والمجتمعات الأكثر تضررًا بأزمة المناخ، مع إضرار المزيد من الضرائب على استخراج الوقود الأحفوري. كما ينبغي أن يتم توزيع الأموال بين البلدان النامية على أساس قدراتها واحتياجاتها.