في ظلّ التسارع المُقلق للتغيرات المناخية وتأثيراتها المدمرة على كوكب الأرض، تبرز التكنولوجيا الذكية في كوب 29 كأداة أساسية لتطوير حلول فعّالة ومُستدامة لمواجهة هذا التحدي الوجودي. فمن خلال توظيف الابتكارات التكنولوجية في مختلف المجالات، بدءًا من إنتاج الطاقة المُتجددة وصولًا إلى إدارة الموارد الطبيعية بفعالية، يُمكن للبشرية أن تُخفف من آثار التغير المناخي وتُحقق التنمية المُستدامة.
من جانبه، أكد السفير هشام بدر، مساعد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية للشراكات الاستراتيجية والتميز والمبادرات، والمنسق العام للمبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، لـ أوزون والمشرف العام على جائزة مصر للتميز الحكومي، على ريادة مصر في جهود التصدي لتغير المناخ، مشيراً إلى حرصها على تقديم حلول مناخية فعّالة، وهو ما تجلى بوضوح خلال مؤتمر الأطراف كوب 27 الذي استضافته مدينة شرم الشيخ.
وأوضح السفير أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان واضحًا في دعوته إلى تحويل كوب 27 إلى مؤتمر للتنفيذ لا للشعارات، مُشدداً على أهمية تنفيذ التعهدات الدولية المُتعلقة بالتغيرات المناخية. وأشار إلى النجاح الدبلوماسي الذي حققته مصر بإنشاء صندوق الخسائر والأضرار، وذلك بعد 30 عامًا من الجهود الدبلوماسية المُكثفة، حيث قادت مصر المجموعة الأفريقية لتحقيق هذا الإنجاز. وبالرغم من ملء الصندوق ببعض الموارد في مؤتمر الأطراف كوب 28 في دبي، إلا أن السفير بدر أعرب عن أمله في أن يلعب هذا الصندوق دورًا أكبر في تعويض الدول المتضررة من التغيرات المناخية.
مبادرات مصرية
“الحكومة المصرية لم تكتفِ بالدور الدبلوماسي في كوب 27، بل قدمت نموذجًا غير مسبوق من خلال المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، والتي تُنفذ تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبإشراف مباشر من الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي والتنمية الاقتصادية. وقد شارك في المؤتمر 18 مشروعًا فائزًا بهذه المبادرة، ليُثبتوا قدرة مصر على تحويل التحدي المناخي إلى فرصة اقتصادية واعدة” على ما يقول بدر.
وأشار إلى أن هذه المبادرة، والتي وصلت إلى دورتها الثالثة، استقبلت 17 ألف مشروع، تم اختيار أفضلها للمشاركة في المؤتمر. وأكد على إشادة الأمم المتحدة بهذه المبادرة باعتبارها أنجح مبادرة في كوب 27، لا سيما تركيزها على الإبداع وتقديم حلول مناخية عملية وقابلة للتحقيق.
وذكر السفير المصري أن مصر تؤمن بأهمية التعاون الدولي لمواجهة تحديات التغير المناخي، وهو ما دفعها إلى المشاركة في كوب 27 بهدف التشبيك وبناء الشراكات الاستراتيجية. وأوضح أن المؤتمر ينقسم إلى شِقّين: الأول يختص بالمفاوضات الدبلوماسية، والثاني يعرض تجارب الدول في مواجهة التغير المناخي. وأكد على أهمية دمج هذين الشِقّين للخروج بشراكات استراتيجية تُمكّن الدول من التغلب على هذا التحدي، مع ضرورة التزام الدول المتقدمة بتعهداتها تجاه الدول النامية، وخاصةً الدول الأفريقية، تحقيقًا للعدالة البيئية والمناخية.
وفي سياق حديثه عن التحديات التي تواجه تطبيق التكنولوجيا الذكية في المشروعات البيئية، أوضح السفير بدر أن المقصود بـ “الذكية” في “المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية” هو دمج التكنولوجيا مع الحلول المناخية. فلا يكفي أن يكون المشروع “أخضر” من خلال تقليل الانبعاثات والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، بل يجب أيضًا أن يكون “ذكيًا” من خلال توظيف التكنولوجيا والحلول الرقمية لمعالجة تحديات التغير المناخي بفعالية.
تحديات
من جهته، أوضح الدكتور إيهاب شلبي، رئيس مجلس إدارة شركة “دي كاربون”، أن أبرز التحديات التي تواجه تطبيق التكنولوجيا الذكية في المشاريع البيئية، وخاصة في المجتمعات النامية، هو عدم نضج هذه المشروعات، كونها مشروعات جديدة وغير مختبرة، مما يؤدي إلى ارتفاع مخاطرها وصعوبة توطينها وتعريبها، بالإضافة إلى تردد البنوك في تمويلها بسبب ارتفاع مخاطرها.
وأشار شلبي في حديث لـ أوزون إلى عدم وجود إطار مؤسسي يدعم هذه المشروعات ويساعد على بناء شراكات بين المؤسسات الدولية المُموّلة والمؤسسات الداعمة للتكنولوجيا والابتكار. وأرجع ذلك إلى الحذر الذي يسود العلاقة بين هذه الجهات نتيجة ارتفاع مخاطر تمويل هذه المشروعات. لكنه أعرب عن تفاؤله بالتقدم المُحرز في مجال رأس المال الاستثماري (Venture Capital) الذي بدأ يتجه نحو هذه المنطقة، مدفوعًا بالضغط العالمي المُتزايد للاستثمار في الحلول المناخية.
وفيما يتعلق بتمويل هذه المبادرات، أوضح رئيس مجلس إدارة شركة “دي كاربون” أن التمويل يأتي بشكل رئيسي من خلال مؤسسات دولية غير هادفة للرّبح، أو من خلال مؤسسات تمويلية هادفة للرّبح لديها صناديق استثمار فرعية تُخصص جزءًا من استثماراتها للمش روعات الخضراء.