يجتمع قادة وزعماء العالم في العاصمة الأذربيجانية باكو، مع انطلاق مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP29)، والذي يستمر حتى 22 نوفمبر الجاري، لبحث سبل مواجهة التغير المناخي وتداعياته التي تهدد مستقبل الحياة على كوكب الأرض.
ويشارك في المؤتمر ممثلون عن 195 دولة، بالإضافة إلى حشد كبير من الخبراء والناشطين البيئيين وممثلي منظمات المجتمع المدني والهيئات الدولية المعنية بالعمل المناخي، في ظل تزايد الضغوط لإيجاد حلول فعّالة لتجنب أسوأ آثار الأزمة المناخية.
ورغم انعقاد مؤتمر الأطراف (COP29) في لحظة حرجة يشهد فيها العالم معدلات احترار غير مسبوقة، إلا أن فعاليات الشق رفيع المستوى للقمة شهدت غيابًا ملحوظًا للعديد من زعماء الدول الكبرى -المسؤولة بشكل رئيسي عن الأزمة المناخية- مما يثير المخاوف حول جدية اللاعبين الرئيسيين في العالم في الوفاء بالتزاماتهم تجاه الدول النامية.
تسلّمت أذربيجان رسميًا رئاسة مؤتمر الأطراف من دولة الإمارات العربية المتحدة التي استضافت COP28، حيث تضطلع رئاسة المؤتمر بتحديد أولويات أجندة التفاوض، التي تتصدرها قضية التمويل المناخي هذا العام، في بداية جولة تفاوضية يُتوقع أن تكون محتدمة للغاية.
وقد بدا هذا الاحتدام واضحًا في الكلمات الافتتاحية خلال حفل افتتاح قمة العمل المناخي، حيث وجّه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تحذيرًا شديد اللهجة إلى قادة العالم، منتقدًا تقاعس الدول عن تنفيذ التزاماتها المناخية، ومؤكدًا على أن البشرية في سباق مع الزمن لاحتواء الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية.
هدف جديد لتمويل المناخ
يبرز ملف التمويل كأحد أهم الملفات على طاولة المفاوضات، إن لم يكن أهمها. حيث تسعى الدول خلال COP29 إلى تبني هدف كمي جماعي للتمويل المناخي، في محاولة لسد الفجوة التمويلية التي تتطلبها جهود خفض الانبعاثات والتكيف مع التغير المناخي، وذلك بتوفير ما يقرب من 1.1 تريليون دولار سنويًا.
ويُعد هذا المسار استكمالًا لما تم التوصل إليه خلال مؤتمر المناخ الماضي في “اتفاق الإمارات” الذي وُصف آنذاك بالتاريخي، حيث يستهدف زيادة التمويل المناخي، والابتعاد عن الوقود الأحفوري، ومضاعفة الإنتاج العالمي من الطاقة المتجددة ثلاث مرات.
إلا أن التمويل المناخي دائمًا ما يُعد القضية الأكثر تعقيدًا، لتباين مواقف الدول المتقدمة والنامية حول ماهية هذا التمويل ومصادره، فضلًا عن آلية تنفيذ التعهدات والالتزامات تجاه الدول النامية، بخلاف الجدل الدائم حول تمويل التكيف مع آثار التغير المناخي.
ورغم ذلك، جاء قرار التوافق على معايير إنشاء أسواق الكربون خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بمثابة دفعة نحو تعزيز الإجراءات المناخية، حيث يُعد التوافق على هذه المعايير -التي ظلت عالقة لسنوات في دوائر المفاوضات- عملية حاسمة لإطلاق سوق الكربون العالمية المدعومة من الأمم المتحدة.
اقرأ أيضًا
كوب 29: ستيل يطالب بتحقيق نتائج قوية في تمويل المناخ
ويشدد كيشور راجهانسا، كبير مسؤولي العمليات في المجلس العالمي للبصمة الكربونية، على أهمية الوصول إلى توافق حول الهدف التمويلي الجديد خلال COP29، موضحًا في حديثه لـ”أوزون” أن هذا الهدف سيُمثل بديلًا عن هدف الـ 100 مليار دولار سنويًا، الذي تم الاتفاق عليه سابقًا في مؤتمر الأطراف في كوبنهاجن عام 2009.
ويتابع قائلًا: “هذا الاتجاه يعيدنا مرة أخرى إلى القضية الرئيسية والطبيعة الحاسمة لتمويل المناخ باعتباره الركيزة الأساسية للتعاون الدولي”.
ويشيد راجهانسا بالقرار الذي تم اتخاذه بشأن أسواق الكربون، حيث يرى أن تنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا لا يمكن أن يتم بغير توظيف دور أسواق الكربون الطوعية، والمتمثلة في تمويل العمل المناخي لدعم هذه المساهمات.
بينما يرى دايفيد تونج، الناشط المناخي ومدير الحملات بمنظمة Oil Change International، أن سد فجوة التمويل المناخي يستلزم إشراك الجهات المسؤولة بشكل كبير عن الأزمة، فلا يُمكن أن تبقى شركات الوقود الأحفوري خارج المساءلة، ولا يُمكن أيضًا تحقيق أي اتفاق تمويلي جديد دون إخضاع هذه الشركات لضرائب عادلة.
ويتابع تونج في حديثه لـ”أوزون”: “الملوث عليه أن يدفع الثمن، هذا ما نطالب به من خلال مشاركتنا في مؤتمرات الأطراف. حتى الآن، لا يبدو أن العالم يسير في الاتجاه الصحيح تجاه معالجة الأزمة المناخية، وهو ما نأمل في تغييره خلال هذه المحادثات”.
ويضيف: “هناك حقائق صارخة تتبدى في الفجوة بين ما تتعهد به الدول وما تنفذه على أرض الواقع. ما زالت المساهمات المحددة وطنيًا بعيدة تمامًا عن هدف اتفاق باريس بالحفاظ على درجة حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية، لذا نحتاج إلى مزيد من الضغط باتجاه رفع طموح العمل المناخي وضمان تنفيذ التعهدات”