في ظل تصاعد أزمة المناخ وتأثيراتها الكارثية على العالم، تتجه الأنظار إلى مؤتمر الأطراف كوب 29 المنعقد في باكو بأذربيجان، بحثًا عن حلول عملية وفعالة للحد من الانبعاثات وتخفيف آثار التغير المناخي.
وفي كلمته أمام الصحفيين، شدّد سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، على أهمية التعاون الدولي وتضافر الجهود لمواجهة هذا التحدي العالمي، مؤكدًا أن العمل المناخي ليس مجرد ضرورة بيئية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر استدامة للجميع، لافتًا إلى أن فشل هذه الجهود قد يقود إلى “كابوس تضخم مستمر”.
وأشاد ستيل بالدور الحيوي الذي تلعبه التقارير الصحفية التي يقدمها الصحفيون المهتمون بالشأن المناخي، وعلى أهمية المعلومات القيمة التي ينقلونها بأسلوب واضح وميسر إلى شعوبهم، مشيراً إلى أن ما يجري داخل قاعات المؤتمرات قد يبدو معقدًا للكثيرين، وأن قدرة الصحفيين على تبسيط هذه المعلومات وتوصيلها بلغة سهلة الفهم تُسهّل عمل الأمم المتحدة في مجال التغير المناخي.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية استثمار تريليوني دولار في الطاقة النظيفة والبنية التحتية هذا العام، وهو رقم هائل ولكنه لا يمثل إلا جزءًا بسيطًا من الاقتصاد العالمي. يتركز معظم هذا الاستثمار في عدد قليل من الأسواق الكبرى، في حين أن الحاجة ماسة لتوجيهه إلى المناطق الأكثر احتياجًا حول العالم.
إن تمكين جميع الدول من اتخاذ إجراءات قوية بشأن المناخ يصب في مصلحة الجميع، حتى الدول الكبرى والغنية، وذلك لأن أزمة المناخ تُشكل خطرًا متزايدًا على الاقتصاد العالمي. فمن خلال الاستثمار في الطاقة النظيفة والبنية التحتية المستدامة في جميع أنحاء العالم، يمكننا حماية وتحسين حياة المليارات من البشر، والمساهمة في بناء مستقبل أكثر استدامة للجميع.
وأفادت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها السنوي للاستثمار في الطاقة العالمية، أن إجمالي الاستثمار في قطاع الطاقة يُتوقع أن يتجاوز ثلاثة تريليونات دولار للمرة الأولى عام 2024.
وحذّر ستيل من عواقب عدم خفض الانبعاثات بشكل كبير في جميع البلدان، قائلاً: “ما لم تتمكن جميع الدول من خفض الانبعاثات بشكل جذري، فإن كل بلد وكل أسرة ستواجه أزمة أشد مما نعيشه الآن، وسنعيش في كابوس تضخم مستمر”.
وأكد على أن أزمة المناخ تُشكل أزمة تكلفة معيشية عالمية تؤثر على جميع الاقتصادات، حيث تتزايد آثار الكوارث المناخية على سلاسل التوريد وإنتاج الغذاء. وشدد على أن العمل المناخي يُعدّ بمثابة تأمين ضد التضخم العالمي.
حاجة للتمويل
في إطار مجموعة العمل الوطنية للجودة، وجه ستيل نداءً لجميع الدول قائلًا: “فلنسعَ لتحقيق نتيجة إيجابية. لا يمكن لمليارات البشر أن تتحمل خروج حكوماتهم من مؤتمر المناخ دون التوصل إلى اتفاق قوي بشأن التمويل. الأمر لا يقتصر على تجنب الكارثة، بل إن اتخاذ إجراءات أكثر جرأة بشأن المناخ هو الطريق نحو بناء اقتصادات أقوى، وتوفير المزيد من فرص العمل، وتحقيق المساواة، والحد من التلوث، وتحسين الصحة، وتأمين إمدادات الطاقة”.
وأضاف: “ستكون الخطط الوطنية الجديدة للمناخ (المساهمات المحددة وطنيًا) التي من المقرر تنفيذها بدءًا من العام المقبل ذات أهمية حيوية. سنناقش هذه الخطط بمزيد من التفصيل خلال مؤتمر الأطراف، وجودة هذه المساهمات أمر بالغ الأهمية”.
وأشار إلى أنه “فيما يتعلق بالمادة 6، فقد اتفقت الأطراف الليلة الماضية على معايير قوية لإنشاء سوق مركزية للكربون تحت إشراف الأمم المتحدة. لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، لكن هذه بداية جيدة، وهي ثمرة جهود امتدت لأكثر من عشر سنوات في إطار هذه العملية”.
وأشاد ستيل بالصحفيين الحاضرين قائلاً: “أيها الزملاء، أنتم بارعون في تبسيط الأمور المعقدة.” ثم أوضح أهمية المادة 6 قائلًا: “هذا ليس مجرد جزء من البيروقراطية الغامضة للأمم المتحدة. فعندما تصبح أسواق الكربون جاهزة للعمل، ستساعد الدول على تنفيذ خططها المناخية بشكل أسرع وبتكلفة أقل، مما يُسهم في خفض الانبعاثات”.
وأكد ستيل: “لا نزال بعيدين عن تحقيق هدف خفض الانبعاثات إلى النصف خلال هذا العقد، لكن النجاحات التي حققناها في أسواق الكربون هنا في مؤتمر المناخ (COP29) ستساعدنا على المُضي قدمًا نحو هذا الهدف. يجب أن نضمن استفادة الدول النامية من تدفقات التمويل الجديدة. لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به بشأن المادة 6، وتتيح لنا العملية الاستمرار في الاستماع لجميع وجهات النظر”.
وأضاف: “هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به على نطاق أوسع في مؤتمر الأطراف لضمان تحقيق أقوى النتائج”.
واختتم كلمته قائلاً: “إن عمليتنا قوية ومتينة وستصمد. في نهاية المطاف، يُعدّ التعاون العالمي السبيل الوحيد لإنقاذ البشرية من الاحتباس الحراري. من خلال التعاون والمشاركة فقط، سنتمكن من تجاوز هذه الأزمة. تحقق عمليتنا نتائج ملموسة، وإن لم تكن بالسرعة الكافية، ونحتاج إلى تسريعها. أمامنا الكثير من العمل لضمان أن يُحقق مؤتمر المناخ (COP29) نتائج قوية، خاصة فيما يتعلق بتمويل المناخ”.