أثر جديد وخطير للتغيرات المناخية يطل برأسه على منطقة الشرق الأوسط، ألا وهو الإرهاب، حيث حذر العديد من المراقبين من العلاقة المتنامية بين تغيرات المناخ والإرهاب، مؤكدين أن التغيرات المناخية سوف تتسبب في زيادة حالة الصراع والاستقطاب وانتشار جماعات الإرهاب في المناطق التي مزقتها الظروف الاقتصادية والصراعات بالفعل مثل الشرق الأوسط.
شهدت العديد من الدول العربية مؤخرًا مؤشرات عدة على ذلك، فمع تعرض المنطقة لفيضانات أكثر تواتراً وشدّة، وموجات جفاف وظواهر مناخية متطرفة، أثرت هذه الكوارث على البيئة المبنية، والموارد الأرضية الهشة، والنظم الإيكولوجية الطبيعية، ما جعل حال الفئات الهشة أصلاً أكثر تردّياً، وتسبب بخسائر اقتصادية جمة وتفكك اجتماعي وتدهور بيئي وحالات نزوح في عدة أنحاء من المنطقة، ما فاقم حالة الصراع في بعض الدول، وهو ما استغلته الجماعات الإرهابية جيدًا في بعض المناطق.
وتواجه المنطقة العربية بظروفها الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية الفريدة والمعقدة تحديات كبيرة تؤثر على قدرة الدول على التصدي للتغيرات المناخية أو حتى التكيف معها، وذلك بجانب فشل معظم الدول في ضمان إدارة مواردها المائية بطريقة مستدامة وتوفير خدمات المياه للجميع.
وأدت عوامل شحّ المياه العذبة والنمو السكاني والتوسع الحضري والصراعات وتغيّر أنماط الهجرة إلى اشتداد الضغوط على المستوطنات البشرية والنظم الإيكولوجية، وهي تؤثر على صحة وخير الشعوب، نساء ورجالاً وأطفالاً ومسنين، ولا سيما الفئات الهشة منهم.
ويأتي تغيّر المناخ وتقلبه ليفرض ضغوطاً إضافية، فيخلفان تداعيات سلبية تظهر على نطاق واسع على كمية موارد المياه العذبة ونوعيتها، وعلى قدرة المنطقة على ضمان أمنها الغذائي، وتلبية الطلب على الطاقة، وإدامة سبل العيش في المناطق الريفية، وحماية صحة الإنسان وصون النظم الإيكولوجية، كما أن الضغوط تفاقم من حالة عدم الاستقرار التي تعتبر تربة خصبة لحالة الصراع والإرهاب أيضًا.
تلك هي الأزمة الكبرى التي تهدد مستقبل الشرق الأوسط والمنطقة العربية، أكثر المناطق المتأثرة عالميًا بتغيرات المناخ، فالصراع أصلاً جزء من الحالة العامة في المنطقة خلال العشرين عامًا الماضية، وكانت ولا تزال المنطقة معقلًا للجماعات الإرهابية، وفي ظل تلك الدائرة غير المستقرة، تطل التغيرات المناخية برأسها لتصبح جزء من المشهد، لتزيد عدم الاستقرار والصراع، وربما الإرهاب أيضًا.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يقول إن التدهور البيئي يمكّن الجماعات المسلحة من بسط نفوذها والتلاعب بالموارد لصالحها، مشيرًا إلى أن مبادرات منع الصراع يجب أن تأخذ في الاعتبار مخاطر المناخ.
غوتيريش تطرق إلى مسألة العلاقة بين تغيرات المناخ والإرهاب خلال مناقشة حول الأمن، في سياق الإرهاب وتغير المناخ.
وأكد أن المؤشرات الأولية تكشف أن هناك ثمة علاقة بين تغيرات المناخ والإرهاب بالمنطقة، ففي العراق وسوريا، مثلًا، استغلت جماعة داعش الإرهابية نقص المياه وسيطرت على البنية التحتية للمياه لفرض إرادتها على المجتمعات في العراق وسوريا.
مثال أخر على العلاقة بين تغيرات المناخ والإرهاب، أدى الجفاف المتكرر وما ينتج عنه من تنافس على الموارد إلى نشوب صراع في الصومال في العقود الأخيرة. وصب ذلك في صالح حركة الشباب الصومالية الإرهابية، التي تعتمد بشكل كبير على إنتاج الفحم في البلاد كمصدر لتمويل عناصرها ودعم عملياتهم الإرهابية.
وقال إن “تغير المناخ ليس مصدر كل العلل، ولكن له تأثير مضاعف في بعض الأحيان، وهو عامل يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار والصراع والإرهاب”.
وذكّر غوتيريش أن المناطق الأكثر عرضة لتغير المناخ حاليًا، يقصد الشرق الأوسط- تعاني أيضًا إلى حد كبير من انعدام الأمن والفقر وضعف الحكم وآفة الإرهاب.
وشدد على أن “تأثيرات المناخ تزيد من حدة النزاعات وتؤدي إلى تفاقم هشاشة هذه المجتمعات، عندما يتسبب فقدان سبل العيش للسكان في حالة من اليأس، يجعلهم عرضة للانجذاب إلى الجماعات الإرهابية، التي تغدقهم بوعود الحماية والدخل والعدالة، وهي وعود يخفي الإرهابيون وراءها حقيقتهم”.
وضرب غوتيريش مثلًا أخر حول علاقة تغيرات المناخ والإرهاب، وذلك في منطقة حوض بحيرة تشاد، حيث تمكنت بوكو حرام من استقطاب مجندين جدد، لا سيما من المجتمعات المحلية التي خاب أملها بسبب الافتقار إلى الفرص الاقتصادية والوصول إلى الموارد الأساسية.
اقرأ أيضًا.. التغير المناخي يسبب مزيداً من الأوبئة.. وهذه هي الأسباب
تغيرات المناخ والإرهاب.. ارتباط ونتائج
ورقة بحثية صادرة عن مركز الشرق للدراسات تؤكد ذلك، وتدفع بأن تغير المناخ يفاقم بشكل أساسي الشقوق المتنوعة في البيئة الاجتماعية والاقتصادية القائمة، والتي تعاني منها المنطقة المتقلبة التي تمزقها الصراعات.
ومن ثم فإن المتمردين والجماعات الإرهابية قد انتهزوا مختلف الفرص التي توفرها هذه الانشقاقات نتيجة لتغير المناخ لتقوية أنفسهم.
وتشير الدراسة إلى أن تغير المناخ يُعد بمثابة عامل مضاعف للقوة في سياقات الصراع، بالإضافة إلى أنه يُسهل من نمو الجماعات الإرهابية، وهو يقوم بذلك من خلال ثلاثة طرق:
التسبب في نقص الغذاء والمياه والطاقة مما يؤدي إلى حرمان المواطنين، وهذا بدوره يسهل تجنيد المزيد منهم من قبل الجماعات المتمردة.
التسبب في الكوارث، مما يسمح للجماعات الإرهابية بتقديم المساعدات الإنسانية، مع الاستفادة أيضاً من تحويل الموارد العسكرية نحو معالجة سيناريوهات ما بعد الكوارث بدلاً من القيام بعمليات مكافحة التمرد.
وأخيرًا زيادة الهجرة غير الشرعية مما يتسبب في ضغوط هيكلية على موارد الدولة، وبالتالي الحد من القدرة على التكيف والتسبب في عدم الاستقرار، وهو مناخ تزدهر فيه الجماعات الإرهابية.
أيضًا تقرير التقييم الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ يُتوقّع أن يزيد متوسط درجة حرارة سطح الأرض عالمياً بمقدار 1.1 درجة مئوية على الأقل بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين في ظل سيناريو الانبعاثات المعتدل، أو بما يصل إلى 4.8 درجة مئوية في ظلّ السيناريو الأسوأ، مقارنة بالفترة المرجعية 1986-2005.
ويشرح التقرير بالتفصيل مدى اتساع وحدّة المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تعزى إلى تغيّر المناخ تحديدًا في الشرق الأوسط، لا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة بما يتجاوز 1.5 درجة مئوية ودرجتين مئويتين قياساً بما قبل الثورة الصناعية، وعلى رأس هذه المخاطر، الإرهاب.
العميد خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يقول إن البيئة والتغير المناخي برزا بقوة على مدار الـ 5 سنوات في تفاعلات التنظيمات الإرهابية ومعادلات الأمن بعدما كنا نتحدث عن الفقر والتهميش والسلاح والقتل.
ويضيف: “فاعل من الفواعل الرئيسية في الظاهرة المعقدة بالأساس هي المتغيرات البيئية والمناخية، والمناخ أمر حاكم في تحركات وتفاعلات التنظيمات والجماعات الإرهابية، وأبرز مثال هو بحيرة تشاد والتي يحكى عنها أساطير وأن شراراتها الأولى هي التغير المناخي والصراع البيئي والتصحر”.
الدكتور على الحسني الباحث العراقي في شؤون الشرق الأوسط يرى أن حالة الصراع في المنطقة سوف تغذيها الاضطرابات التي سوف تنتج عن التغيرات المناخية.
ويقول لأوزون: “الإرهاب يجيد التعامل والانتشار وسط عدم الاستقرار، والتغيرات المناخية ستخلق وضع غير مستقر في عدة دول، منها دول تبدو مستقرة حتى الأن، ومنها دول غارقة في الفوضى منذ سنوات مثل الصومال وليبيا والعراق وسوريا، وسوف تستغل الجماعات الإرهابية ذلك أفضل استغلال”.
حدد الأمين العام للأمم المتحدة روشتة من خمسة مجالات للتصدي للخطر المتنامي من العلاقة بين تغيرات المناخ والإرهاب.
أول الحلول هو بناء سلام دائم لمعالجة عدم المساواة، ووفقًا للأمين العام للأمم المتحدة، “النزاعات والإرهاب لا يحدثان في فراغ” بل هما نتيجة “تصدعات عميقة” مثل الفقر وانتهاكات حقوق الإنسان وسوء الإدارة ، لذا يجب التركيز على حماية الأشخاص والمجتمعات الأكثر ضعفاً، ودعم الاستثمار في التنمية البشرية، وتعزيز الحوكمة الشاملة بمشاركة جميع المجتمعات بما في ذلك المدافعون عن البيئة، وتضخيم أصوات النساء والشباب.
الحل الثاني أن تفي الدول الغنية بوعدها بتقديم ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنويًا إلى البلدان النامية من أجل العمل المناخي، وحذر الأمين العام من أن تكاليف التكيف والمرونة ستزداد في العقد المقبل، لذلك يجب أن تلبي آليات التمويل الاحتياجات المتزايدة وأن تكون في متناول السكان الأكثر تضررًا.
ثالثًا، لا شك أن فهم وتوقع الآثار المتتالية لتغير المناخ يعزز كل الجهود المبذولة لتعزيز السلام والأمن، لذا تقترح الروشتة العمل على الحد من مخاطر الكوارث وإدماج مخاطر المناخ في جميع القرارات الاقتصادية والمالية”.
الحل الرابع يتمثل في تطوير الشراكات والمبادرات التي تربط بين التوجهات المحلية والإقليمية والوطنية، واستفادة الدول النامية والمتأثرة بالصراع من الخبرات على أرض الواقع، مع الاستفادة من القدرات السياسية والتقنية والمالية للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. ودمج العمل الإنساني والأمن والتنمية والقدرة على التكيف مع تغير المناخ.
أخيرًا، حذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن بعثات السلام الأفريقية في أماكن مثل الساحل والصومال غالبًا ما يكون لديها مجال محدود للمناورة وتواجه شكوكًا كبيرة في التمويل. وطلب من المجلس توفير تمويل يمكن التنبؤ به و”مضمون من خلال الاشتراكات المقررة”.