نشر فريق دولي من علماء البيئة سلسلة من التوصيات الهامة لحماية وحفظ ودراسة الشعاب المرجانية في العالم وتأثير تغير المناخ عليها.
وأكد الفريق العلمي التابع لمبادرة “المحيطات النابضة بالحياة” في بيانه العلمي الذي أطلق عليه مسمى “الورقة البيضاء”، أنه في حال لم يتخذ البشر إجراءات صارمة لتقليل الانبعاثات وإبطاء تغير المناخ، فإن جميع الشعاب المرجانية على الأرض تقريبًا ستموت في غضون 30 عامًا، وفقًا لتقرير جديد يحدد الطرق التي يمكننا من خلالها تحديد الشعاب المرجانية التي يجب حمايتها الآن.
حتى في حال انخفضت الانبعاثات بشكل فوري، سنخسر على الرغم من ذلك العديد من هذه الشعاب المرجانية ولن نتمكن من إنقاذها، ما قد يقضي على العديد من الأنواع البحرية التي تعتمد على الشعاب المرجانية كموطن لها، ويحرم حوالي نصف مليار شخص في جميع أنحاء العالم من سبل عيشهم وتراثهم الثقافي.
الشعاب المرجانية (Coral Reef)
عبارة عن هياكل أرجوانية تتميز بشفافية عالية تتكون من الكائنات الحية الموجودة في المياه الضحلة والتي تكون فيها نسبة الغذاء قليلة للغاية، تكاد تكون شبه معدومة.
توجد الشعاب المرجانية في المياه الاستوائية التي يقل عمقها عن 50 متراً، وتكون على هيئة هياكل كبيرة الحجم من اللافقاريات البحرية الاستعمارية.
تُعتبر الشعاب المرجانية من النظم البيئية الهامة والتي لها قيمة كبيرة على وجه الأرض نظراً لأنها تقوم بتوفير موطن لعدد كبير من الكائنات البحرية مثل المحار والإسفنج وسرطان البحر وغيرها من أنواع الأسماك ومجتمعات الأعشاب البحرية.
تعمل هياكل الشعاب المرجانية على حماية المجتمعات الساحلية من موجات العواصف، وتوفر الرمال للشواطئ، وتدر عائدات ترفيهية هائلة للشركات المحلية.
كما أن الشعاب المرجانية هي بمثابة خزانة لحفظ الأدوية في القرن الحادي والعشرين، حيث تحتوي على عدد ضخم من الكائنات الحية، بما في ذلك الإسفنج والمرجان وأرانب البحر، والتي تحتوي على جزيئات تمتاز بآثار قوية مضادة للالتهابات ومضادة للفيروسات وللأورام وللبكتيريا.
ويتم تطوير علاجات جديدة من هذه الجزيئات لمرض الزهايمر، ومرض القلب، والفيروسات، والالتهابات. إن تدمير الشعاب المرجانية له آثار وخيمة على المحيط بأسره، وعلى السكان، بل وعلى الكوكب بالكامل.
اقرأ أيضًا.. علماء IPCC يضعون روشتة من 5 بنود لإنقاذ الكوكب من أزمة تغير المناخ
الورقة البيضاء
قال جينس زينك، أستاذ علم الأحياء القديمة في جامعة ليستر، في بيان صحفي: “أظهر بحثنا أن الشعاب المرجانية قد تأثرت بشدة بارتفاع حرارة المحيطات في العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية.”
زينك هو أحد المؤلفين المشاركين في الورقة البيضاء لمبادرة المحيطات النابضة بالحياة والتي تتناول مستقبل الموائل الحساسة في ظل تغير المناخ، وقدمت في مؤتمر Our Oceans.
الورقة البيضاء عبارة عن تقرير أو دليل متعمق يصف مشكلة معقدة أثناء تقديم توصيات لحلها.
في التقرير، سلط الخبراء الضوء على كيف أظهرت السنوات الثلاثين الماضية من البحث في تأثيرات تغير المناخ على الشعاب المرجانية أن درجات حرارة المحيطات لها تأثير خطير على الشعاب.
إذا حقق البشر أهداف اتفاقية باريس وخفضوا الانبعاثات وأبقوا متوسط درجة حرارة الأرض عند حدود 1.5 درجة مئوية أعلى من مستويات ما قبل الصناعة، فقد ننجح في إنقاذ ما يصل إلى 90 في المائة من الشعاب المرجانية في العالم، لكن ما يبدو الأن من أن العالم يفقد مساره نحو هذا الهدف، يهدد الشعاب المرجانية بوضع كارثي سوف يتدهور خلال الثلاثين عاما المقبلة.
اقرأ أيضًا.. أخطر تقرير في العالم.. الهيئة الحكومية المعنية بـ تغير المناخ تطلق الإنذار الأخير
توصيات العلماء
لمحاولة وقف الآثار المدمرة لتغير المناخ على النظم البيئية البحرية الهامة، وضع تقرير المحيطات النابضة بالحياة ست توصيات للحكومات والمنظمات المعنية بحفظ النظم البيئية البحرية، للتركيز عليها من أجل جهود الحفظ المستقبلية.
كانت أول توصيتين هي مواصلة وتوسيع مبادرة 50 نوع من الشعب المرجانية، التي تسعى إلى تحديد مجموعة من الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم التي من المرجح أن تكون قادرة على النجاة من الدمار الناجم عن تغير المناخ، لتستهدفها جهود الحفظ بشكل أساسي.
يوصي هذا التقرير الجديد بتوسيع مبادرة 50 نوع من الشعب المرجانية، من خلال إنشاء “ثلاثة أنواع من ملاذات تغير المناخ: التجنب والمقاومة وتعافي اللاجئين”.
ركزت معظم الأبحاث على الشعاب المرجانية التي تمكنت من تجنب ضغوط تغير المناخ حتى الآن، بسبب عوامل مثل موقعها، ولكن يجب أن يكون هناك المزيد من الأبحاث حول الشعاب المرجانية التي أظهرت القدرة على استعادة بعض الحياة بعد المعاناة من ابيضاض المرجان، أو أظهروا مقاومة لتأثيرات تغير المناخ، كما يقول الباحثون.
أضاف زينك في البيان أن “بعض مواقع الشعاب المرجانية تظهر معدلات منخفضة من الاحترار أو تستفيد من الظروف المخففة بسبب علم المحيطات المحلي”.
وأضاف: “تتمتع بعض الشعاب المرجانية بالقدرة على مقاومة الإجهاد الحراري أو التعافي منه بشكل أسرع من غيرها، وقد تكون هذه الشعاب بمثابة ملاذات في ظل الاحترار المستقبلي. هذا اتجاه بحثي رئيسي جديد- للعثور على تلك الأنواع ومواقعها وحمايتها قبل انقراضها. ”
اقرأ أيضًا.. ما هو هدف 1.5 درجة مئوية الذي يسعى إليه العالم؟ وكيف يجنبنا غضبة المناخ وتغيراته؟
خطة الأمم المتحدة
تشمل التوصيات الأخرى تقديم الدعم المالي للتقييمات الإقليمية لمحفظة الشعاب الخمسين، ورصد الشعاب المرجانية وتطوير نماذج وتنبؤات جديدة تتعلق بالشعاب المرجانية التي يمكن أن تكون ملاذات مناخية.
أبرزت الورقة البيضاء أيضًا مدى أهمية تطوير نماذج تنبؤية جديدة على وجه الخصوص، مشيرًا إلى أن العديد من النماذج التنبؤية للمستقبل تبحث على وجه التحديد عن تبيض المرجان فقط.
جدير بالذكر أن التقارير الواردة من الأمم المتحدة تفيد بأن 70% من الشعاب المرجانية في العالم معرضة للتهديد، حيث أن 20% قد تم تدميرها بالفعل دون أمل في نموها من جديد، و 24% معرضة لخطر الانهيار الوشيك، و26% إضافية معرضة لخطر التهديدات على المدى الأبعد.
يعد التدهور الحاصل في النظم الإيكولوجية الساحلية مشكلة على وجه الخصوص، حيث يعيش 40% (3.1 مليار نسمة) من سكان العالم على مسافة 100 كيلومتر من المحيط، مما يعني أن الخسائر الهائلة التي تتعرض لها النظم الإيكولوجية للشعاب المرجانية هي أيضاً قضية اقتصادية واجتماعية.
خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، تحدد الأطر الخاصة بخطة مستقبلية لحماية المحيطات والشعاب المرجانية.
تضع أهداف التنمية المستدامة (SDG) تركيزاً هائلاً على التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للانخفاضات الكبيرة في حجم الثروة السمكية، والنظم الإيكولوجية للشعاب المرجانية، وتآكل السواحل بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وسوء الإدارة.
فعلى سبيل المثال، يصف الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة، الحاجة إلى الحد من التلوث البحري؛ وتنظيم صيد الأسماك؛ وإنهاء ممارسات الصيد الجائر، والصيد غير المنظم، والصيد المدمر، بهدف استعادة مستويات الثورة السمكية في أقصر وقت ممكن.
والهدف هو إدارة وحماية 10% على الأقل من النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية بحلول عام 2020 على نحو مستدام، وتعزيز قدرتها على الصمود واتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادتها.