تخطط أكبر شركات الوقود الأحفوري في العالم بهدوء لعشرات من مشاريع النفط والغاز “قنبلة مناخية أو كربونية” التي من شأنها أن تدفع المناخ إلى ما وراء حدود درجة الحرارة المتفق عليها دوليًا مع تأثيرات عالمية كارثية.
تم استخدام مصطلح قنبلة كربونية أو قنبلة مناخية على نطاق واسع في دوائر المناخ خلال العقد الماضي لوصف مشاريع الوقود الأحفوري الكبيرة أو مصادر الكربون الضخمة الأخرى.
كما أن بعض الدراسات الحديثة طورت تعريفًا محددًا للقنبلة الكربونية: المشاريع القادرة على ضخ ما لا يقل عن مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مدار حياتها.
حدد الباحثون لأول مرة في التاريخ أكبر مشاريع استخراج الوقود الأحفوري في العالم، والتي أطلقوا عليها اسم “القنابل الكربونية” أو “القنابل المناخية”، ويعتبرونها البنية التحتية للفحم والنفط والغاز التي يمكن أن ينبعث منها أكثر من مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون طوال مدة تشغيلها.
من ضمن هذه القنابل، مشروع التل الأحمر في أستراليا، و”مونتني بلاي” أو بحيرة “كريستينا” في كندا، ومنجم “هونغشاتشيوان” في الصين، ومنجم “هامباخ وغارزفايلر” في ألمانيا، وقائمة طويلة تختصر مستقبل الكوكب.
اقرأ أيضًا.. شركات النفط الكبرى تستغل حرب روسيا وأوكرانيا لعرقلة العمل المناخي وتحقيق مكاسب
425 قنبلة مناخية
بحسب هذه الأعمال التي نشرت يوم الخميس 12 (مايو) في مجلة “سياسة الطاقة”، يضم العالم حالياً 425 قنبلة مناخية، قيد التشغيل أو في مرحلة البناء، موزعة على 48 دولة. وإذا تم استغلالها حتى النهاية، فإن انبعاثاتها المحتملة مجتمعة ستمثل ضعفي ميزانية الكربون العالمية، أي الحد الأقصى للانبعاثات الذي لا ينبغي تجاوزه للحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، ما يكفي لتدمير أهداف اتفاق باريس بشأن المناخ.
في السنوات الأخيرة، أكد العلماء، إلى جانب أكبر المنظمات الدولية، الحاجة إلى التخلي عن الفحم والنفط والغاز.
ومن جهته حض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في 11 (مايو) أن على الجهات الرئيسة المسببة للانبعاثات أن تقلل كثيراً من انبعاثاتها الآن، وهذا يعني تسريع نهاية الاعتماد على الوقود الأحفوري.
مع ذلك، فإن قضية الوقود الأحفوري، المسؤولة عن 80 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة، لم تتخذ مكاناً كافياً في قلب مفاوضات المناخ حتى الآن، وفقاً لما ذكره كييل كوهني، طالب الدكتوراه في جامعة ليدز في المملكة المتحدة، المؤلف الرئيسي للدراسة، وأحد مؤسسي حملة “اتركوه في الأرض” Leave it in the Ground” التي أطلقت في نهاية عام 2011.
وكان مؤتمر الأطراف الذي انعقد بدورته السادسة والعشرين COP26 في اسكتلندا، في خريف عام 2021 أول شاهد على التزام البلدان جماعياً للحدّ من استخدام الفحم.
أشار كييل كوهني إلى أن المحادثات حول مستوى انبعاثات غازات الدفيئة التي يجب تحقيقها أو النسب المئوية للتخفيض يمكن أن تكون غير تطبيقية، بينما فكرة “القنابل المناخية” قد تكون ملموسة أكثر، ويمكن أن تساعد في إحداث تأثير كبير ومحدد في كل بلد.
تمتلك ألمانيا على سبيل المثال، قنبلتين كربونيتين، هما منجمَان من الليغنيت. ويعتبر إغلاقهما أولوية، وفقاً لمؤلفي الدراسة. وفي المجموع، فإن حوالي 40 في المئة من 425 مشروعاً وبنية تحتية لم يبدأ الإنتاج فيها حتى عام 2020.
بهدف إعداد هذه القائمة، تعاون الباحثون مع الجمعية الألمانية لحماية البيئة Urgewald، التي يمكنها الوصول إلى قاعدة البيانات المدفوعة لشركة (Rystad Energy)، وهي شركة تحليل مستقلة لصناعة النفط والغاز.
أما بالنسبة للفحم، فكان من الضروري تحديد، في موقع تلو الآخر، أكبر وحدات الإنتاج. ومن ثم جمعت قاعدة البيانات هذه مع تلك التي أعدّتها المنظمة غير الحكومية الأمريكية Global Energy Monitor.
في النتيجة، يمكن أن يسبب كل واحد من 195 مشروعاً للنفط والغاز و230 منجماً للفحم بانبعاث أكثر من جيجاطن واحد من ثاني أوكسيد الكربون.
وفي كل دولة من الدول التالية يوجد أكثر من 11 قنبلة مناخية: الصين وروسيا والولايات المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية وأستراليا والهند وقطر وكندا والعراق.
ففي عام 2019، كان تشغيل أكثر من 100 قنبلة مناخية مسؤولاً عن 45 في المئة من إنتاج النفط والغاز العالمي و25 في المئة من إنتاج الفحم العالمي.
اقرأ أيضًا.. الأرض المسمومة في سوريا.. كيف أدت سنوات الصراع إلى تلويث وتدمير الأراضي السورية؟
التوسّع في النفط والغاز وتأجيج أزمة المناخ
تشير صحيفة “الجارديان” البريطانية، في تحقيق حول هذا الموضوع نشرته في 11 (مايو)، إلى أن مشاريع النفط والغاز التي سيتم إطلاقها على مدى السنوات السبع المقبلة يمكن أن تنتج في نهاية المطاف 192 مليار برميل، أي ما يعادل عقداً من الانبعاثات الحالية للصين، أكبر ملوث في العالم. وسيأتي ثلثها من مصادر “غير تقليدية” (التكسير الهيدروليكي، والحفر البحري العميق..) وبالتالي تنطوي على مخاطر أكبر، وحتى المناطق الهشة خاصة مثل القطب الشمالي لن تكون بمنأى عن خطورتها.
ستساهم كل من شركة “قطر للطاقة” و”غازبروم” و”أرامكو” في السعودية و”إكسون موبيل” و”بتروبراس” و”تركمانجاز” و”توتال إنرجيز” و”شيفرون” و”شل وبي بي” بشكل أكبر بزيادة هذه الانبعاثات بواسطة أكثر من 400 قنبلة مناخية.
ورداً على سؤال صحيفة “لوموند” الفرنسية حول هذا الموضوع في (نوفمبر) 2021، أكدت شركة “توتال إنرجيز” الفرنسية، المشاركة في مشروع خط أنابيب “إيكوب” العملاق بين أوغندا وتنزانيا، أن إنتاجها النفطي “سيصل إلى ذروته خلال العقد قبل الانخفاض”، مشيرة إلى أنها تشهد منذ عام 2015، تحولاً عميقاً، ومع ذلك، فإنها تواصل زيادة إنتاجها من الغاز.
توفر هذه الدراسة دليلاً واضحاً إضافياً على أن مشاريع الوقود الأحفوري الرئيسة الجارية أو المخطط لها يمكنها أن تعرض هدف عدم تخطي الاحتباس الحراري 1.5 درجة مئوية للخطر، وفقاً لكاتسوماسا تاناكا، عالم المناخ في مختبر علوم المناخ والبيئة
من جهتها، أفادت لوسي بينسون، مديرة المنظمة غير الحكومية (Reclaim Finance)، أن قطاع الوقود الأحفوري بدعم عدد كبير من الماليين، تشارك في لعبة من الخداع والاحتيال الذي ينكر العلم، مدعياً بقدرته على قيادة انتقال الطاقة نحو الحياد الكربوني مع الاستمرار في التوسع في الفحم والغاز والنفط، بينما يفترض وقف جميع المشاريع الجديدة والتخطيط للخروج من المشاريع القائمة.
كانت وكالة الطاقة الدولية دعت عام 2021 إلى وقف فوري للاستثمار في منشآت النفط والغاز الجديدة، حفاظاً على فرصة الحد من تفاقم الاحتباس الحراري. فقد أظهرت دراسة أجريت عام 2021 في مجلة ((Nature ضرورة ترك ما يقرب من 60 في المئة من احتياطيات النفط والغاز، و90 في المئة من احتياطيات الفحم، في الأرض بحلول عام 2050.
ونتيجة لذلك، كان من المتوقع أن ينخفض إنتاج النفط والغاز بمعدل 3 في المئة سنوياً في جميع أنحاء العالم حتى عام 2050 وإنتاج الفحم بنسبة 7 في المئة. إلا أن العالم يتحرك حالياً في الاتجاه المعاكس بسبب أكثر من 400 قنبلة مناخية قيد التشغيل.
من المتوقع أن ينمو إنتاج الوقود الأحفوري، الذي لا يزال يمثل 80 في المئة من الطلب على الطاقة الأولية، بنسبة 2 في المئة سنوياً على مدار العقد، وفقاً لتقرير “فجوة الإنتاج” الصادر عن الأمم المتحدة في نهاية عام 2020.