اختتمت فعاليات مؤتمر بون التحضيري لقمة الأمم المتحدة للمناخ، الذي كان من المفترض أن يجهز المجتمع الدولي خلاله جدول أعمال المؤتمر والقرارات اللازم اعتمادها في قمة المناخ COP27 المرتقبة في وقت لاحق من العام الجاري، على الكثير من التوتر والقليل من التوافق.
وكان التمويل مرة أخرى لب الخلاف، وواجهت الدول الغنية اتهامات بالخيانة بسبب رفضها تقديم تمويلات للدول الفقيرة التي تقول إنها في حاجة إليها لتخفيف الضرر الناجم عن تغير المناخ.
وفي غضون ذلك، عارضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مرة أخرى طلبات الحصول على تسهيلات مالية لتعويض الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مما يعكس عدم قدرتهم على “الاعتراف بمسؤوليتهما لإجراء مناقشة صريحة حول ما يلزم إصلاحه لتعويض الخسائر والأضرار”، وفق ما نقلته الصحيفة عن أحد خبراء المناخ.
تقول الدول النامية إنها بحاجة إلى المال للتعامل مع آثار تغير المناخ، لأنها تعاني من الآثار أكثر من الدول الغنية ولديها قدرة مالية أقل للتعامل معها.
وتؤكد الدول النامية أن تغير المناخ الذي يعانون منه نتج عن الكربون المنبعث من الدول الغنية أثناء تطوير اقتصاداتها. لذا على أوروبا والولايات المتحدة مسؤولية تعويضهم عن ذلك الآن.
على الجانب الأخر، لا تتفق الولايات المتحدة وأوروبا مع هذا الأمر، ويخشون من أنهم إذا دفعوا مقابل الانبعاثات التاريخية، فقد يتسبب ذلك في وضع بلدانهم في مأزق لعقود أو حتى لقرون قادمة.
يُطلق على هذه القضية اسم ” الخسائر والأضرار ” وأصبحت مشكلة مستمرة في جميع المفاوضات العالمية حول تغير المناخ.
صندوق الخسائر والأضرار
شهدت محادثات المناخ في بون اندلاع توترات طويلة الأمد بين البلدان النامية والمتقدمة بشأن قضية التمويل، ومن يجب أن يتحمل المزيد من المسؤولية لتقليل انبعاثات تغير المناخ، بجانب كيفية الدفع لإصلاح وتجنب “الخسائر والأضرار”.
منذ بداية المحادثات في بون، تنازع البلدان حول مسألة إنشاء صندوق مخصص للخسائر والأضرار، ومسألة الحوار حول هذا الصندوق ووضعه على جدول أعمال الأمم المتحدة الرسمي، بالإضافة إلى كيفية هذا الحوار.
تُركت القضية دون حسم في بون، مما دفع منسقة المناخ في الأمم المتحدة المنتهية ولايتها باتريشيا إسبينوزا للدعوة إلى “قرارات سياسية كبرى” في قمة المناخ COP27 بشأن التمويل من أجل الخسائر والأضرار.
وأشارت في بيان إلى أن هذا الأمر- جنبًا إلى جنب مع زيادة التمويل للتكيف والطاقة النظيفة – “هو أمر حاسم لبناء مستقبل أكثر استدامة ومرونة”.
قال هارجيت سينغ، كبير مستشاري شبكة العمل المناخي الدولية، إنه لأول مرة أقرت العديد من البلدان المتقدمة خلال محادثات المناخ في بون بوجود فجوة في توفير التمويل للبلدان الضعيفة لمساعدتها على التعافي من آثار تغير المناخ التي لم يكن لها دور كبير في إحداثها.
وأشار إلى أن الدول الغنية- بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وسويسرا والولايات المتحدة- واصلت تعنتها ومنعت النقاش حول مرفق تمويل جديد ولم تسمح حتى للدول النامية بإضافته إلى جدول أعمال قمة المناخ COP27.
قال سينغ على هامش محادثات المناخ: “بدلاً من استخدام كلمات جوفاء، يجب على الدول الغنية أن تظهر أولا روح التعاون والتضامن الدوليين”.
اقرأ أيضًا.. التمويل والتكيف وخفض الانبعاثات.. 3 أسباب أفشلت محادثات المناخ في بون والأمل في قمة المناخ COP 27
التمويل في قمة المناخ COP27
هذه المشكلة التي تفاقمت في بون، ستزيد من الضغط على مصر لضمان أن تعالج قمة المناخ COP27 في شرم الشيخ نوفمبر المقبل مسألة تعويض الخسائر والأضرار.
قالت باتريشيا إسبينوزا، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ: “ينبغي اتخاذ قرارات سياسية كبرى، خاصة تلك المتعلقة بتمويل الخسائر والأضرار، خلال قمة المناخ COP27.
وأضافت: “نحن بحاجة إلى ضمان أن تكون شرم الشيخ المكان الذي تتحول فيه التعهدات المهمة لاتفاقية باريس للمناخ إلى واقع”.
تزامنًا مع هذه النتائج المحبطة في قمة بون التحضيرية، قالت وزيرة التعاون الدولي المصرية رانيا المشاط إن التمويل، خاصة أدوات التمويل المبتكرة مثل الإقراض الميسر، سيكون موضوعا رئيسيا في قمة المناخ COP27.
أكدت المشاط، أن دول قارة إفريقيا رغم مساهمتها بالنسبة الأقل في الانبعاثات الضارة عالميًا، إلا أنها الأكثر تأثرًا بتداعيات التغيرات المناخية والأقل حصولا على التمويلات فيما يتعلق بالعمل المناخي لتنفيذ مشروعات التكيف والتخفيف من تداعيات التغيرات المناخية، وهو ما يحتم ضرورة تنسيق الموقف الإفريقي في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ أو قمة المناخ COP27، الذي تستضيفه وترأسه مصر بهدف تحفيز جهود المجتمع الدولي وتوجيهها نحو قارة إفريقيا بشكل أكبر بما يضمن توفير التمويل اللازم لدعم خطط القارة للتحول إلى الاقتصاد الأخضر.
جاء ذلك قبل أيام خلال مشاركتها في جلسة نقاشية عقدتها مؤسسة التمويل الإفريقية AFC، لإطلاق تقرير “الطريق إلى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP27.. نحو تقليل الانبعاثات”، وذلك ضمن فعاليات منتدى الرؤساء التنفيذيين الأفارقة المنعقد بكوت ديفوار.
وأوضحت المشاط أن مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في دورته السابعة والعشرين يمثل أهمية خاصة لاسيما لقارة إفريقيا، مشيرة إلى أن الرئاسة المصرية للمؤتمر تسعى للتنسيق المشترك وتبادل الرؤى مع حكومات القارة الإفريقية بما يضمن رؤية موحدة للقارة، تضمن تعزيز جهود المجتمع الدولي لدعم التحول الأخضر في القارة، وتوفير الاستثمارات اللازمة للحد من تأثير الانبعاثات الضارة على المناخ في قارة إفريقيا.
مشيرة إلى أن تجمع وزراء المالية والبيئة في منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي في مصر قبيل مؤتمر المناخ سيمثل فرصة لتنسيق المواقف ومناقشة الرؤى ووجهات النظر بشأن الموقف الأفريقي في مؤتمر المناخ.
الصعوبات
في مقابلة سابقة مع بلومبرج أكدت المشاط أن تأمين التمويل وتقليل مخاطره للدول النامية والأسواق الناشئة للوفاء بالتزاماتها المناخية سيكون محور تركيز قمة المناخ COP27 التي تستضيفها مصر العام المقبل.
وشددت المشاط على أن التوقعات المعلقة على الأسواق الناشئة والبلدان النامية بحاجة إلى تعديل وفقا لمساهمتها في الانبعاثات وقدرتها على تأمين التمويل الذي يحتاجون إليه لتحقيق أهداف المناخ.
على الرغم من أن أفريقيا مسؤولة فقط عن 4% من انبعاثات الكربون العالمية، “هناك الكثير من التوقعات التي توضع على عاتق هذه الأسواق للوفاء بالتزامات العمل المناخي العالمي”، على حد قولها.
جزء من الصعوبة يكمن في جذب القطاع الخاص لتطوير مشاريع خضراء في دول ذات تصنيف ائتماني أقل من B، والتي تمثل غالبية الدول الأفريقية، وفقا للوزيرة.
لتحقيق هذه الالتزامات وجذب القطاع الخاص للعمل في هذه المشاريع الخضراء، هناك حاجة إلى وسائل تمويل مبتكرة، مثل الإقراض الميسر.
كما أن العديد من البلدان في جميع أنحاء القارة لا تتمكن من طرح مشاريع خضراء لأنها – على الرغم من أنها توفر فرص عمل – تتطلب أيضا تطوير المهارات وبناء القدرات، والذي يتطلب بدوره المزيد من الموارد.
قالت المشاط: “الفكرة هي كيف سنتمكن من تقديم الإقراض الميسر حتى نستطيع تقليص المخاطر”.
أشارت المشاط إلى عدم وجود قائمة موحدة للمقاييس الاقتصادية والاجتماعية والحوكمة التي يجب على القطاع الخاص اتباعها، على الرغم من أن مقاييس أداء الحوكمة هي كلمة رنانة لدى المستثمرين.