يعود تغير المناخ إلى الواجهة مجددُا على مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار مقاطع فيديو وصور توثق ثلوج الكويت، ذات المناخ الحار تاريخيًا، مع تساؤلات حول العلاقة بين هذه المشاهد غير المعتادة وأزمة المناخ العالمية.
في مشهد تاريخي لا يتكرر كثيرًا، اكتست مناطق عدة في الكويت باللون الأبيض، بعد لحظات من هطول الأمطار والثلوج على مناطق متفرقة من البلاد.
وتزايد منسوب الأمطار في مناطق البلاد، ما تسبب في إغلاق طرق وتعطل حركة السير، خاصة مع تراكم المياه في بعض المناطق.
وأعلنت وزارة الداخلية اليوم الثلاثاء إغلاق عدد من الطرق بسبب موجة الأمطار التي تشهدها البلاد وما نتج عنها من تجمعات للمياه.
كشفت إدارة الأرصاد الجوية التابعة للإدارة العامة للطيران المدني الكويتي أن أعلى منسوب أمطار شهدته منطقة الأحمدي، بمعدل 52 ملم، فيما تفاوتت كمية المياه المتساقطة بالمناطق الأخرى.
واستمر تساقط الثلوج، وانتشرت الدوريات الأمنية والمرورية في الشوارع والطرقات، ورفعت الجهات المعنية أقصى درجات الاستنفار تحسبًا لأي طارىء بسبب التقلبات الجوية.
أطلقت إدارة الأرصاد الجوية التابعة للإدارة العامة للطيران المدني تحذيرًا جويًا جديداً لمدة 10 ساعات، بدءاً من الثالثة عصر اليوم الثلاثاء، بسبب تأثر البلاد بأمطار رعدية متفرقة متوسطة الشدة قد تكون غزيرة على بعض المناطق مع نشاط في سرعة الرياح قد تصل إلى أكثر من ٥٠ كم/ساعة.
وذكرت أن الأحوال الجوية تؤدي إلى انخفاض في الرؤية الأفقية في بعض المناطق، فيما يصل ارتفاع الأمواج البحرية ﻷكثر من ٧ أقدام.
اقرأ أيضًا.. تعرف على أكثر 10 دول بالعالم تضررًا من تغير المناخ “بينهم دولتان عربيتان”
ثلوج الكويت وتغير المناخ
حول العلاقة بين ثلوج الكويت وتغير المناخ وآثاره، يقول رئيس قسم التغيرات المناخية في الهيئة العامة للبيئة بالكويت، شريف الخياط، إن تغير المناخ ينتج تطرفاً في أحوال الطقس، من خلال زيادة الأعاصير المدارية والعواصف والفيضانات في بعض المناطق، فيما تزداد حالات الجفاف في مناطق أخرى، ونزول الثلوج في مناطق لم تشهد ثلوجاً من قبل، وهو المشهد الذي نراه في الكويت الآن، فضلاً عن فقدان الكثير من الاراضي الخصبة وقلة المحاصيل الزراعية.
د. طارق تمراز أستاذ البيئة البحرية والتغيرات المناخية بجامعة قناة السويس، ومدير مشروع إدارة التيارات المناخية الممول أوروبيًا، يتفق مع الخياط في تصريحات خاصة لـ اوزون مؤكدًا أن ظاهرة ظهور الثلوج والتغير الملحوظ في مناخ الدول الحارة مرتبط بالاحتباس الحراري والتغيرات المناخية لا شك.
يقول: “المقصود بتغيرات المناخ هو تغير في المناخ السائد لفترة زمنية، سواء كان هذا التغير بارتفاع درجة الحرارة أكثر من المعتاد أو انخفاضها أيضًا أكثر من المعتاد”.
يضيف: ” هذه الظاهرة تسمى Extreme Climatic Episodes، بالعربية تعني الفترات المناخية المتطرفة أو شديدة التغير، ويمكن الإشارة إليها أيضًا بـ “الطقس المتطرف”، وهي تعبر بالضبط عما حدث في الكويت والسعودية ومصر ودول حارة أو معتدلة المناخ أيضًا، فتساقط الثلوج على مدينة معروفة بمناخها الحار يؤكد أننا بصدد فترة مناخية متطرفة”.
وتابع: “تغير مناخ الكويت سوف يترتب عليه تكرار تساقط الثلوج مستقبلًا في البلاد، ولن تكون هذه المرة هي الوحيدة أو مجرد استثناء”.
في نفس السياق، تؤكد دراسة أمريكية أجراها العلماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن ارتفاع الغازات الدفيئة يؤدي إلى فصول شتاء أكثر برودة في بعض دول العالم مثل الولايات المتحدة وأوروبا وبعض دول أسيا، وذلك بسبب أن الاحترار غير الطبيعي في القطبين ينتج عنه طاقة زائدة تؤدي إلى اضطراب في الدوامة القطبية وانقسامها إلى دوامات أصغر تنتقل خارج نطاق القطب الشمالي المعتاد.
جودا كوهين، مدير التنبؤات الموسمية في الغلاف الجوي والبحوث البيئية، وهي شركة أمريكية لتقييم مخاطر الطقس، يقول إن درجات الحرارة الأكثر دفئًا بسبب تغير المناخ تسبب اضطرابات في الدوامة القطبية، ما يؤدي إلى زيادة تواتر طقس الشتاء القاسي في مدينة نيويورك على سبيل المثال.
الدوامة القطبية هي منخفض جوي عالي المستوى محمل بالهواء البارد يقع بالقرب من القطبين الشمالي والجنوبي، وتعتبر كل دوامة قطبية منخفضًا جويًا واسع النطاق بقطر أقل من 1000 كيلومتر، يدور في اتجاه عكس اتجاه عقارب الساعة عند القطب الشمالي، ويسمى بالإعصار في كلتا الحالتين، وبعبارة أخرى، تدور كل دوامة قطبية في اتجاه الشرق حول كل قطب.
في ظل الظروف العادية، يحافظ التدفق الدائري للهواء على تركيز الطقس البارد في منطقة واحدة. لكن وفقًا لـ كوهين، ترتفع درجة حرارة القطب الشمالي أسرع بمرتين من بقية الكوكب، وعندما تتعطل الدوامة القطبية بفعل الهواء الأكثر دفئًا، يتسرب الهواء البارد إلى مناطق أخرى من الكرة الأرضية، وتظهر تأثيرات مفاجئة ومتأخرة، يتضمن الكثير منها انخفاض درجات الحرارة والطقس الشتوي القاسي في الولايات المتحدة وشمال وغرب أوروبا وشرق ووسط أسيا، ما يؤدي إلى حدوث انفجارات وتغيرات كبيرة في القطب الشمالي.
تلك الدراسة تفسر إلى حد كبير سبب ثلوج الكويت وهبوطها على الجبال، حيث اندفعت الكتل الهوائية القطبية الآتية من سيبيريا تجاه صحراء السعودية، وفق الدويك.
سبق أن ذكرت دراسات مناخية أخرى أن منطقة الخليج العربي هي الأكثر عرضة للتأثر بالتغير المناخي، حسبما أكدت عالمة المناخ بمؤسسة “اتحاد العلماء المهتمين” في واشنطن، ريتشيل ليكر، التي أرجعت ذلك لارتفاع درجات الحرارة فيها وطول فصل الصيف، وندرة الموارد المائية بها.
وكان تقرير أممي صدر عن اللجنة الحكومية الدولية لشؤون التغير المناخي (IPCC)، نهاية العام الماضي، أشار إلى أن “المناطق المحيطة بالخليج وبحر العرب والبحر الأحمر هي الأكثر عرضة للتضرر من آثار التغير المناخي في العالم”.
اقرأ أيضًا..الكويت في خطر.. أغلب مناطق البلاد قد تصبح غير صالحة للعيش بعد 50 عامًا
تغير المناخ والكويت
حذر رئيس قسم التغيرات المناخية في الهيئة العامة للبيئة بالكويت، شريف الخياط، من تداعيات وآثار تغير المناخ على البلاد، مؤكدًا أن الكويت لن تكون بمعزل عن تلك التداعيات.
تطرق الخياط لتأثير تغير المناخ على الكويت، وضرب مثالًا بذوبان المناطق الجليدية الناجم عن تغير المناخ، والذي يؤدي لارتفاع مستوى سطح البحر، ويتسبب في انغمار الجزر والمدن الساحلية وتشرد سكانها، مؤكدًا أن هذا سيؤثر على مصافي تكرير النفط ومحطات إنتاج الطاقة بالبلاد.
وقال الخياط إن ارتفاع درجات الحرارة ينعكس على الكائنات البحرية، ويؤثر في المخزون السمكي بالخليج العربي، بجانب أن زيادة التبخر ترفع من ملوحة البحار، مما يسبب ابيضاض الشعاب المرجانية والإخلال في السلسلة الغذائية البحرية.
وفق الخياط، سيزداد استهلاك المياه في البلاد بواقع %5 ــــ %10 مستقبلا، بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات المناخية ما قد يؤدي إلى زيادة تنامي الطلب على الطاقة الكهربائية، خاصة خلال فترة الصيف، التي تصل في الكويت إلى 8 اشهر بالسنة، بسبب زيادة حاجة المواطنين والمقيمين إلى التكييف، الذي يستهلك %65 ــــ %70 من الطاقة.
قدمت الكويت أول بلاغ وطني لها حول الانبعاثات للأمم المتحدة، وفق بروتوكول كيوتو عام 2012، والذي كشف عن أن %75 من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري تصدر عن انشطة انتاج الطاقة، التي تشمل محطات انتاج الكهرباء والماء ومصافي البترول وابار النفط، فيما يأتي قطاع النقل بنسبة %18، والنسبة المتبقية تتوزع على القطاع الصناعي ومرادم النفايات ومحطات معالجة الصرف الصحي.