لماذا تمتنع الدول المتقدمة عن تمويل مكافحة تغير المناخ في الدول الأقل نمواً؟
تمتنع الدول المتقدمة حتى الآن عن الوفاء بوعودها التي قدمتها لتمويل مكافحة تغير المناخ في الدول الأقل نمواً، تلك الوعود التي كانت قد أعلنت عنها في مؤتمر المناخ الذي عقد في كوبنهاجن في عام 2009، وتضمنت تقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول الأقل نمواً لم يصل منها سوى 83 مليار دولار.
هذا ما انتقده وزير التنمية الدنماركي دان يورجنسن، في مؤتمر الأمم المتحدة الخامس المعني بالبلدان الأقل نمواً المنعقد في قطر، حيث أشار إلى أنه أمر محرج تماماً للدول المتقدمة، مؤكداً أن الأزمة المناخية في حاجة إلى تريليونات الدولارات لذلك توفير 100 مليار دولار سنوياً لا يمثل أزمة لهذه الدول.
ما يدعو إلى التعجب أن الدول الغربية المتقدمة اقترب دعمها لأوكرانيا، بحسب تقرير منشور على موقع فوكس نيوز في شهر فبراير الماضي، إلى نصف تريليون دولار في حرب ضخمة ومتضخمة يوماً بعد يوم، بعيدة عن حدودها الوطنية، لا يحصد العالم فيها إلا أرواح أبرياء، بينما تمتنع عن دعم مكافحة الأزمة المناخية العالمية التي تهدد البشرية كلها، وهذه الأزمة تحتاج بالأولى ذلك الدعم حتى لا تحصد أرواح أبرياء.
فهل دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا أهم من دعم الدول النامية أو الأقل نمواً في حربها ضد التغيرات المناخية بما تحمله من تأثيرات جسيمة على الحياة البشرية المعاصرة؟!
بالقطع لا، لكن المصالح السياسية في هذه الحالة تنتصر على المصالح العامة التي تخص جميع البشر، وهو ما يحتاج إلى إعادة النظر. لابد من تغيير تلك السياسة القائمة على تفضيل المصالح السياسية التحزبية عن المصالح البشرية العامة، هذا هو النضج القيادي المأمول والمنتظر من الدول المتقدمة في الفترة المقبلة.
خاصة وأن الدول الغربية المتقدمة، بحسب أبحاث علمية، تقف على رأس الدول المتسببة في أزمة التغيرات المناخية وهو ما يحملها مسؤولية ضخمة في إطار مواجهة تلك الأزمة.
في تقديري، سوف يصعب إلزام الدول المتقدمة بدعم مكافحة تغير المناخ في الدول النامية والأقل نمواً، حتى في ظل إطلاق الوعود والتعهدات غير الملزمة، لأن هذه الوعود والتعهدات تعطي مساحات واسعة للدول للتهرب من المسؤولية.
وكسبيل لدفع الدول المتقدمة نحو الالتزام بواجباتها المناخية أرى من الممكن توقيع معاهدة دولية إلزامية متعددة الأطراف من قبل الدول المتقدمة، يكون من شأن هذه المعاهدة إلزام تلك الدول بتحمل مسؤوليتها المناخية تجاه الدول النامية والأقل نمواً، على أن تتضمن هذه المعاهدة أسماء الدول والأموال المطلوب سدادها والتوقيتات النهائية للسداد، والإجراءات العقابية المتخذة تجاه الدول الممتنعة عن السداد.
من المصاعب التي سوف تجدها معاهدة إلزامية من هذا النوع وهي في طريقها للإعداد والتشكل، عدم وجود ما يجبر الدول المتقدمة على الالتزام بتوقيع مثل هذه المعاهدة، خاصة وأنها هي التي تكون في الغالب مبادرة لإعداد المعاهدات الدولية وتوقيعها.
أيضاً تنضم الأزمة الاقتصادية العالمية إلى العراقيل التي تواجه تشكيل مثل هذه المعاهدة، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية والأهداف السياسية التي تقف وراء استمرارية اشتعالها.