تشير مراجعة جديدة للبحوث والدراسات السابقة، بشأن الحلول القائم على الطبيعة في قطاع الزراعة، إلى أن الفحم الحيوي يمكن أن يكون أداة مهمة لاستخدامها في الزراعة والمساعدة في التخفيف من تغير المناخ.
استخدم الفحم الحيوي، وهو مادة مسامية تشبه الفحم وغنية بالكربون، منذ فترة طويلة لإنتاج المحاصيل كتعديل للتربة أو عامل لعزل الكربون، وتم تصنيعه عن طريق الانحلال الحراري، وهي عملية تتضمن تسخين المواد العضوية في بيئة منخفضة الأكسجين.
في السنوات الأخيرة، شهد الباحثون عودة ظهور الاهتمام المتزايد بهذه التقنية، بسبب هيكلها المادي الفريد ومزاياها الزراعية والبيئية المختلفة.
ما هو الفحم الحيوي؟
الفحم الحيوي (Biochar) هو مادة صلبة غنية بالكربون يتم إنتاجها من خلال عملية التحلل الحراري. ويتم في هذه العملية استخدام درجة حرارة عالية (بين 350 و700 درجة سيليزيوس) في ظروف معدومة أو قليلة الأكسجين لتحليل الكتلة الحيوية، المكوَّنة من القش والخشب وقشور الثمار والعشب وغيرها من المخلفات الزراعية.
ينتج عن هذه العملية الفحم الحيوي المؤلف من شظايا صغيرة وخفيفة الوزن، بالإضافة إلى بعض السوائل العضوية والغازات.
يستخدم الفحم الحيوي لرفع خصوبة التربة، وتحسين خصائصها الفيزيائية، وزيادة الإنتاج الزراعي، وحماية النباتات من بعض الأمراض الناجمة عن التربة. وعلاوة على ذلك، يعد الفحم الحجري مادة غنية بالكربون ويمكنه الصمود في التربة لآلاف السنين؛ ما يجعله وسيلة فعّالة لاحتجاز الكربون، وبالتالي التخفيف من الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
يعود أول استخدام معروف للفحم الحيوي إلى سكان الأمازون الذين اكتشفوا خصوبة قطعة أرض، تسمى “الأرض الجميلة”، مقارنة بالأراضي المجاورة؛ حيث تراكمت فيها بقايا الاحتراق البطيء للمخلفات الزراعية من المجتمعات القروية على طول النهر.
اقرأ أيضًا.. روبوتات تيتان تجعل الزراعة أكثر استدامة.. فما قصتها؟
الفحم الحيوي وإزالة غازات الدفيئة
قال راج شريسثا، المؤلف الرئيسي للدراسة وزميل باحث في علم البستنة والمحاصيل في جامعة ولاية أوهايو: ” لهذه الأسباب، فإن قدرة الفحم الحيوي على إزالة كميات كبيرة من غازات الدفيئة من الغلاف الجوي تستحق إعادة تقييمها”.
قال شريسثا: “عندما يزرع المزارعون محاصيلهم، فإنهم يستخدمون الأسمدة و / أو السماد الطبيعي ويستخدمون أنواعًا مختلفة من الآلات لحراثة التربة، وأثناء هذه العملية، يتم إنتاج غازات الدفيئة وإطلاقها في الغلاف الجوي.”.
يمكن للمزارعين تقليل هذا التأثير من خلال استخدام الفحم الحيوي في حقولهم، وفقًا للورقة المنشورة مؤخرًا في مجلة الجودة البيئية.
قال شريسثا: “إذا تمكنا من إقناع المزارعين بأن تحويل الكتلة الحيوية إلى فحم حيوي مفيد لاستدامة التربة والاقتصاد والبيئة على المدى الطويل، سنرى وقتها اعتماد واسع لهذه التقنية”.
راجع الباحثون أكثر من 200 دراسة ميدانية أجريت في جميع أنحاء العالم ودرست تأثير تطبيق الفحم الحيوي في الزراعة على انبعاثات أكسيد النيتروز والميثان وثاني أكسيد الكربون، وهي أهم غازات الدفيئة التي تحبس الحرارة وتتسبب في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض.
وجد الفريق أن كمية الفحم الحيوي في التربة لها تأثيرات متغيرة على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المحلية، والتي تتراوح من انخفاض إلى زيادة، وفي بعض الحالات، لا تغيير.
ولكن بشكل عام، اكتشف الفريق أن استخدام الفحم الحيوي في الإعدادات الميدانية قلل من كمية أكسيد النيتروز في الهواء بنحو 18٪ والميثان بنسبة 3٪.
اقرأ أيضًا.. سخا سوبر 300.. أخر ابتكار مصري للتكيف مع تغيرات المناخ في قطاع الزراعة
فائدة مزدوجة
وفق الدراسة، لم يكن الفحم الحيوي وحده فعالًا في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولكنه ساعد عند دمجه مع سماد النيتروجين التجاري أو المواد العضوية الأخرى، مثل السماد الطبيعي أو السماد العضوي، في تقليل الانبعاثات الناتجة عن الزراعة.
قال شريسثا إنه يمكن للفحم الحيوي أن يقلل الانبعاثات في أنظمتنا الزراعية البيئية من خلال أمرين: تقليل مصدر الكربون أثناء الزراعة وتعزيز بالوعة الكربون الاصطناعية بعدها.
ويشرح: “يمكن تحقيق الحد من مصدر الكربون على الأرض عن طريق تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من أنشطتنا، وتعزيز بالوعة الكربون الاصطناعية، ويقصد بها زيادة قدرة التقنية على امتصاص المزيد من الكربون أكثر مما تطلقه في الغلاف الجوي، ويمكن القيام بذلك عن طريق زيادة تجمع الكربون في التربة على المدى الطويل من خلال تحويل النفايات العضوية إلى الفحم الحيوي”.
قال شريسثا: “ما هو جيد في الفحم الحيوي هو أنه يساهم في الأمرين للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية في الزراعة”.
وأضاف: “في الوقت الحالي، عندما يترك المزارعون بقايا المحاصيل في الحقل، يتم إعادة تدوير حوالي 10٪ إلى 20٪ فقط من بقايا الكربون في التربة أثناء عملية التحلل، ولكن عن طريق تحويل نفس الكمية من البقايا إلى الفحم الحيوي ثم تطبيقها في الحقل، يمكننا تخزين حوالي 50٪ من هذا الكربون في أشكال كربون مستقرة”.
نظرًا لأن الفحم الحيوي الذي يوضع في التربة يمكن أن يستمر أيضًا في أي مكان من بضع مئات إلى آلاف السنين، فهو حاليًا أحد أفضل ممارسات الإدارة المقترحة لتحقيق الانبعاثات السلبية ومنع متوسط درجة حرارة الأرض من الزيادة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. .
وفقًا للدراسة، بين عامي 2011 و 2020، ارتفعت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية: ثاني أكسيد الكربون بحوالي 5.6٪، والميثان بنسبة 4.2٪، وأكسيد النيتروز بنسبة 2.7٪، وتشكل الزراعة حوالي 16٪ من هذه الانبعاثات.
في حين أدت هذه المستويات بالفعل إلى تغييرات لا رجعة فيها في نظام المناخ العالمي، وقال شريسثا إن الأضرار المستقبلية يمكن إبطائها من خلال المساعدة في الحد من مدى الانبعاثات من قطاعي الزراعة والغابات.
ومع ذلك، على الرغم من إمكانات الفحم الحيوي كتقنية انبعاث سلبية وتزايد الأبحاث المتعلقة بالفحم الحيوي مؤخرًا، فمن الصعب دفع المزارعين إلى استخدامه، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه لم يسوق أو يروج لاستخدامه بشكل جيد وعلى نطاق واسع، كما قال شريسثا.
لذا كان الهدف الرئيسي لهذه الدراسة هو تحسين ثقة المزارعين في الفحم الحيوي بحيث يعتمده المزيد منهم في وقت أقرب.