في الخليج، كانت العواصف الرملية تعتبر ذات يوم حدثًا استثنائيًا يحدث مرة أو مرتين في السنة وينتهي في غضون ساعة.
كان يطلق على العواصف الشديدة في العراق أحيانا اسم “العاصفة السوداء” أو “عاصفة الأشباح”، من شدة قوتها وكارثيتها، وشهدت البلاد 26 عاصفة رملية من عام 1985 إلى عام 2013.
بعد أقل من عقد من الزمان، أصبحت هذه العواصف أكثر تواترا وأوسع نطاقا وطويلة الأمد، وبين منتصف أبريل ونهاية يونيو 2022، شهد العراق أكثر من عشر عواصف رملية، أي حوالي عاصفة واحدة في الأسبوع.
حذرت وزارة البيئة العراقية من أنه بدون تخطيط بيئي عاجل، قد تواجه البلاد ما يزيد عن 300 “يوم مغبر” سنويا بحلول عام 2050.
تقول بانافشة كينوش، مستشار جيوسياسي وباحثة في مركز الأبحاث معهد الشرق الأوسط: “لقد وصلنا إلى نقطة لا يمكننا فيها تحمل عدم الاعتراف بأن العواصف الرملية تحدث بشكل أكثر تواترا”.
إهمال المناخ
في حين أن تغير المناخ هو الجاني الواضح وراء ارتفاع العواصف الرملية والترابية، إلا أن تكثيفها السريع لم يترك مجالا كبيرا لدول الخليج لفهمها- ناهيك عن التكيف والتخفيف من فرص الزيادة في حدوث تلك العواصف.
تعاني معظم دول الخليج من بطء العمل المناخي، حيث بنى مجلس التعاون الخليجي اقتصاده على استغلال الهيدروكربونات ولا يزال يعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري.
في عام 2019، شكل إنتاج النفط والغاز شريحة 45٪ من الناتج المحلي الإجمالي للكويت، وحوالي 35٪ من قطر وعمان، و 25٪ من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
في تقرير عام 2021، توقعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن دول مجلس التعاون الخليجي لن تفطم نفسها عن الهيدروكربونات لمدة عقد آخر على الأقل.
يعتقد كريم الجندي، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط، أن العمل المناخي لدول مجلس التعاون الخليجي يتناسب مع مساهمتها في ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويقول: “أستطيع أن أرى مفارقة أن تلك البلدان نفسها المنتجة للنفط والغاز قد تأثرت بتغير المناخ، وهم ليسوا مسؤولين تاريخيًا عن الانبعاثات، لذا فهم يرون أنهم ليسوا مسؤولين أيضًا عن إصلاح هذا في وقت أقرب من أي شخص آخر “.
في حين حددت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أهدافا لإزالة الكربون بحلول عامي 2050 و2060، على التوالي، فإن مجموعة الأبحاث المستقلة Climate Action Tracker تصنف أهداف الإمارات العربية المتحدة على أنها “غير كافية”، وقد تعرضت المملكة العربية السعودية لانتقادات شديدة لإصدارها خطط صافي الصفر التي تتضمن استمرار إنتاج النفط كالمعتاد. أما الكويت فليس لديها أصلًا خطط لخفض الانبعاثات هذا العقد.
تشير كينوش إلى نقص عام في الوعي بين سكان الخليج وتقول: “في إيران، عندما كانت العواصف الرملية مصدر قلق إقليمي وليس وطنيا، كانت الحكومة تلقي بالمازوت، زيت وقود ثقيل منخفض الجودة، فوق الرمال لمنع العواصف الرملية”.
تقول كينوش: “وصلت إلى إيران بعد يوم واحد من عاصفة رملية كبيرة في عام 2014، وكان هناك أكثر من إعصار، وألقت الحكومة بالمازوت فتلاشت الأعاصير بسرعة، قبل أن تتوقف الحكومة عن هذه الطريقة فيما بعد”.
وتضيف: “يتساءل أصدقائي الإيرانيون لماذا توقفت الحكومة عن ذلك؟ بعبارة أخرى، لماذا توقفت عن تلويث البيئة بشكل أكبر لمنع العواصف الرملية؟ “.
وتكمل: “الآن يقول الأصدقاء الإيرانيون المتاخمون للعراق إنهم لا يستطيعون رؤية أبوابهم الأمامية من شرفتهم، وإنهم ينظفون الغبار كل يوم منذ أسابيع، ولا يمكنهم فتح النوافذ أو استخدام تكييف الهواء على الرغم من حرارة الصيف لأن الأمر سينتهي بهم إلى استنشاق الغبار”.
اقرأ أيضًا.. تغير المناخ في العراق يهدد بانهيار المباني الآثرية وتآكل عجائب الحضارات القديمة
الحواف على غير صالحة للسكن
في الأشهر الأخيرة، أدت العواصف الرملية في الخليج إلى توقف الحياة، لا سيما في العراق. وشهدت البلاد اثنتان من أسوأ العواصف، وكلتاهما في مايو، ونقل 10 آلاف عراقي إلى المستشفى بسبب استنشاق الغبار، في حين توقفت حركة الطيران في جميع أنحاء البلاد، وأعلنت محافظات مختلفة عن عطلات وطنية لمنع السكان من الذهاب إلى العمل.
تصنف الأمم المتحدة العراق كواحد من أكثر خمس دول في العالم عرضة لتغير المناخ والتصحر. وتعتقد كينوش أن العراق يواجه العبء الأكبر من الأزمة لعدة أسباب تشرحها قائلة: “لقد جفت مستنقعات بلاد ما بين النهرين والأراضي الرطبة بشكل كبير، على الرغم من جهود الترميم”.
وتكمل: “ذلك بجانب ندرة المياه الهائلة في العراق لأسباب عدة منها نزاعاته الحدودية مع جيرانه [إيران وتركيا وسوريا]، ما يساهم في تكثيف العواصف الرملية:.
وتضيف: “بالإضافة إلى ذلك، يتلقى العراق ذيل العواصف القادمة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا التي تتدفق إلى شبه الجزيرة العربية، ومن حوض شرق البحر الأبيض المتوسط”.
وتوضح: “المملكة العربية السعودية استثمرت عدة مليارات من الدولارات في الأحزمة الخضراء للحماية من العديد من القضايا البيئية، بما في ذلك، العواصف الرملية والترابية، لكن في حالة العراق، هناك نقص في المال، والصراع منتشر. وندرة المياه بسبب الصراعات من جانب، والصراعات الأخرى بسبب ندرة المياه من جانب أخر، آخذة في الازدياد. ويبدو أن التحديات هناك لا يمكن التغلب عليها، فأمام العراق طريق طويل ليقطعه”.
السياسة مقابل العلم
تقول كينوش: “لا يوجد في الواقع أي شيء لتفعله العديد من هذه البلدان لتقليل تأثير العواصف الرملية”.
وتوضح: “حتى قبل حوالي عقد من الزمان، كان ينظر إلى العواصف على أنها ظاهرة طبيعية، ونقص الأبحاث حول هذا الموضوع يسمح بانتشار أفكار غير صحيحة وضارة، حتى داخل الحكومة”.
وتضيف: “تميل إيران إلى “إلقاء اللوم على العرب”، وتصف العواصف دومًا بأنها إما عاصفة “عراقية” أو عاصفة “سعودية”.
بشكل عام، تتمتع منطقة الخليج بتاريخ سياسي صخري، ومنذ أن بدأ الزعيم العراقي السابق صدام حسين الحرب مع إيران قبل غزو الكويت، فإن التوترات المستمرة تعيق التعاون عندما يتعلق الأمر بالبيئة.
تقول كينوش: “نظرا لأن العلماء لا يستطيعون تحديد مصدر العواصف الرملية بوضوح أو ما الذي يسببها، فإن الحكومات في المنطقة تميل إلى إلقاء اللوم على مصادر خارجية لتخلي مسؤولياتها”.
على سبيل المثال، تقول إيران: “تركيا تبني سدودا تخلق ندرة في المياه، وندرة المياه تؤدي إلى تفاقم العواصف الرملية”.
وتضيف كينوش: “وبالتالي، لا تعمل البلدان سوى القليل جدا على المستوى المحلي لفهم ما يمكن تحقيقه من أجل التخفيف من حدة العواصف الرملية ونشر الوعي بها”.
تقول أيضًا إنه حتى عندما تكون الدراسات والأبحاث ومعرفة الخبراء متاحة، فإن الحكومات ترفضها لصالح المشاريع التي تعزز أجنداتها.
وتكمل: “في إيران، يهدد الجفاف الشديد الهجرة والاضطرابات الاجتماعية. لذا فإن أولويتهم الآن هي توجيه المياه من خلال مشاريع تحلية المياه، مثل خط أنابيب الأمل، لصالح الصناعات والمجتمعات، ولكن عندما يتم بناء قنوات المياه هذه، فإنها قد لا تعمل بشكل جيد للغاية بسبب العواصف الرملية والترابية التي تغطيها”.
وتضيف: “يهدف خط أنابيب الأمل إلى ترويج فكرة أن المياه قادمة للناس، وأن القضايا البيئية يمكن تجاهلها لصالح هذا الهدف. عندما تكون هذه العقلية هي المسيطرة، وتنتقل هذه الأفكار للشعب نفسه، فكيف سنتدخل ونرفع مستوى الوعي حول العواصف الرملية والترابية؟ لدينا مشكلة كبيرة في هذه المنطقة”.
وبغض النظر عن المخاوف المتعلقة بالغبار والرمال، تنتج تحلية المياه ما تبقى من محلول ملحي يتم إلقاؤه قبالة ساحل الخليج، مع تداعيات بيئية إضافية.
الملوحة في الخليج الفارسي هي 1.5 مرة مما كانت عليه قبل 15 عاما والمياه أكثر دفئا بمقدار درجتين مئويتين.
تتفاقم الظروف شديدة الملوحة بسبب تبخر المياه الناجم عن المناخ الجاف في المنطقة، وعلى الرغم من توافر طرق بديلة، فليس من غير المألوف استخدام الوقود الأحفوري في تحلية المياه.
على الرغم من مخاوف خبراء البيئة والكارثة المناخية الملموسة في المنطقة، حصلت إيران على تمويل للمضي قدمًا في مشروع خط أنابيب هوب الذي تبلغ تكلفته 3.9 مليار دولار (165.17 تريليون دولار).
اقرأ أيضًا.. الكويت في خطر.. أغلب مناطق البلاد قد تصبح غير صالحة للعيش بعد 50 عامًا
دعوة للاستيقاظ
هناك فجوة بين ما يحدث وما هو مطلوب في الخليج، مثل زيادة الغطاء النباتي في المناطق القاحلة أو تنفيذ أنظمة الإنذار المبكر، للحد من التأثير المادي والاقتصادي للعواصف الرملية، كما يقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
ودعا البنك الدولي إلى التعاون عبر الحدود في تقريره لعام 2019 حول هذا الموضوع: “إن العمل الإقليمي سيقلل من حدوث العواصف الترابية. شهدت السنوات الأخيرة ظهور بعض سياسات تلوث الهواء الإقليمية، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من التعاون ويجب الحفاظ عليه “.
مع ذلك، يشكك الجندي في معهد الشرق الأوسط في أن العمل الإقليمي سينقذ الموقف. ويقول: “لا علاقة له بالمنطقة، هذا تغيير في نظام الطقس العالمي، وللتخفيف من آثار تغير المناخ، يجب أن نخفف من تغير المناخ ككل، والحد من الانبعاثات”.
كينوش ترى أن هناك حوافز لمناطق الخليج للتحرك، أهمها أن هذه الحكومات حريصة جدا على اغتنام مبادرات الأمم المتحدة ، والتي ستمكنها من التعاون، بغض النظر عن المخاوف الجيوسياسية.
وتقول: “إنهم حريصون على منع الحرب بأي ثمن. لقد شعروا واختبروا بشكل مباشر تأثير الحرب على العديد من القطاعات ومناحي الحياة، بما في ذلك البيئة، وهم يدفعون ثمنها الآن. ويمكن تحويل هذا الوعي إلى سياسة وعمل”.
وتضيف: [مع ذلك طالما أن الصراعات الجيوسياسية تشغل الخليج، فإن الأمر سيتطلب بناء معلومات أكثر استدامة لجذب انتباههم إلى العواصف الرملية والترابية بطريقة تجعلها أولوية”.
حتى صناعات الوقود الأحفوري يمكن أن تنضم إلى فكرة العمل المناخي، حيث تهدد العواصف الرملية المكثفة بتأخير إنتاج النفط والغاز وتضر بالبنية التحتية.
في الدراسة الفريدة من نوعها، كشف الباحثون عن اضطرابات كبيرة في خطوط أنابيب النفط والغاز الكويتية بسبب العواصف الرملية.
وسجلت أكثر من 5100 ساعة غير منتجة و9.36 مليون دولار (2.87 مليون دينار كويتي) في خسائر اقتصادية بين عامي 2015 و 2017.
ومع ذلك، تعتقد كينوش أن الصناعة قد تكون غير مرحلية على الرغم من العواصف المتزايدة. وتقول: “تتمتع هذه الدول بخبرة كبيرة في التعامل مع خطوط الأنابيب الخاصة بها- إذا تمكنت من إصلاح خطوط الأنابيب بسرعة في الحرب، فيمكنها معرفة كيفية القيام بذلك مع العواصف الرملية والترابية”.
في حين أن صناعة الوقود الأحفوري يمكن أن تستفيد من مواردها المالية الضخمة لتصبح سريعًا أكثر مقاومة للعواصف الرملية، فإن صناعة الطاقة الخضراء ليست كذلك.
وإذا لم تكن التكنولوجيات المتجددة قادرة على العمل خلال هذه الأحداث، فإن دول الخليج تخاطر بفقدان أهدافها المناخية بموجب اتفاقية باريس.
في معرض مناقشته لآثار الغبار والعواصف الرملية على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يقول إلجندي: “هذه تقنيات تكافح بالفعل في الأيام العادية، ولكن مع العواصف الرملية هناك حاجة مستمرة للصيانة، مثل تنظيف الألواح الشمسية. إنه أمر مقلق بشكل خاص عندما تصبح شدة الغبار عالية جدا وتعرقل البنية التحتية للطرق”.
لحسن الحظ، تظهر بعض الشركات بالفعل كيف يمكن لمصادر الطاقة المتجددة التكيف مع البيئات القاسية. في عام 2018، قامت “مصدر”، شركة الطاقة المتجددة المملوكة للدولة في دولة الإمارات العربية المتحدة ومقرها أبوظبي، بتركيب توربينات الرياح من جنرال إلكتريك في سلطنة عمان المقاومة للحرارة والعواصف الرملية، وهي الأولى من نوعها.
نشرت النسخة الأصلية من القصة على موقع energy monitor، ونعيد نشرها وفق ترخيص تعاون CCNOW الشريك المهنى لـ أوزون
يجب ان يكون الحل بحجم المشكلة…
التشجير الواسع النطاق وخاصة في المناطق الساحلية هو الحل الامثل للتصحر والتغير المناخي والنقص الغذائي…